الخميس، 2 ديسمبر 2021

الإتفاقية الأردنية الإسرائيلية: الكهرباء مقابل الماء

الإتفاقية الأردنية الإسرائيلية: الكهرباء مقابل الماء


دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

أفاق الأردنيون يوم الإثنين 22 تشرين الثاني/نوفمبر على توقيع إتفاقية مع إسرائيل - تماماً كإتفاقية الدفاع العسكري الأردنية الأمريكية من قبل - في دبي «الكهرباء مقابل الماء»، التي أبرمت مع كل من وزيرة الطاقة الإسرائيلي «كارين إلحرار»، وزيرة التغيّر المناخي والبيئة، المياه والأمن الغذائي لدولة الامارات مريم المهيري ووزير المياة الأردني محمد النجار، تحت رعاية الإدارة الأميركية بحضور المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون المناخ «جون كيري» لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه لتبادلهما بين الأردن وإسرائيل، بدعم وتمويل من دولة الإمارات، والذي ينصّ على بناء محطة ضخمة للطاقة الشمسية في الصحراء الأردنية من قبل شركة طاقة إماراتية، حيث ينص المشروع على تشغيله بحلول عام 2026م وإنتاج 2% من مجمل الطّاقة الكهربائية الإسرائيلية بحلول عام 2030م، مع دفع إسرائيل 180 مليون دولار سنوياً تقتسمها الحكومة الأردنية مع الشركة الإماراتية.

هذه هي الإستراتيجية الإسرائيلية الإقتصادية ما بعد السلام.

العنوان وحده «إعلان نوايا للتعاون» كلّه سخرية واستخفاف بالشعوب. كنا ولغاية فترة قصيرة نعيب على الإمارات والبحرين لإبرامهم اتفاقيات تطبيعية مع إسرائيل، بينما ترفض دولتنا صفقة القرن، وإذا بالرفض مهانة تضع الأردن تحت رحمة الاحتلال.

‏الصورة التي نشرها الحساب الرسمي للقنصلية الإسرائيلية في الإمارات، مرفقة بتصريح اتفاقية المقايضة الطاقة بالمياه، خلال حفل أقيم في جناح الإمارات بمعرض «إكسبو دبي» جعلتني أستحضر توقيع اتفاقية السلام بين البحرين والإمارات مع إسرائيل في واشنطن، وكان المنظر العام لوزراء الخارجية العرب مُعيب، ويبدو فيه استخفاف مُهين من الجانب الإسرائيلي؛ لكنّني لم أتصور أن تتكرّر الصورة مع الأردن، وهي لطالما سوّقت لرفض اتفاقية «السلام من أجل الازدهار»، لتوقّع اليوم أخرى تحمل ذات الهدف وتشبه ذات المسمّى، فقد اشتملت مذكرة التفاهم على مشروع واحد يتكون من محورين:

الأول: «الازدهار الأخضر»، والذي يتضمّن تطوير محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية في الأردن بطاقة إنتاجية تبلغ 600 ميغاواط، مع تصدير كامل إنتاج الطاقة النظيفة إلى إسرائيل.

والثاني: «الازدهار الأزرق»، الذي يهدف إلى تطوير مشاريع مستدامة لتحلية المياه في إسرائيل لتزويد الأردن بحوالي 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة.

لم يكن هذا الاتفاق وليد اللحظة، إنّما نتيجة اتصالات سرّيّة جرت بين الدول الثلاثة، تزامت مع المحادثات وإبرام «الاتفاقيات الابراهيمية» والمخرجات التي تمخّضت عنها، وخاصّة بعد الحكومة الاسرائيلية الجديدة، ودور إدارة «بايدن» التي كانت على دراية بالمشروع الضخم وإشرافها عليه من خلال جون كيري الذي تحدّث عدّة مرات مع كلّ من وزير الخارجية «يئير لبيد» والملك الأردني عبد الله الثاني حول الاقتراح.

ولقد التقت وزيرة الاقتصاد الإسرائيلية «أورنا باربيفاي» قبل أسبوعين بنظيرها الأردني يوسف الشمالي في الأردن لمناقشة العلاقات الثنائية، وهو الاجتماع الأول من نوعه منذ عقد، حيث التقى «نفتالي بينيت» تموز/يوليو، بالملك عبد الله سراً في القصر الملكي في عمّان، في أول قمة بين قادة البلدين منذ أكثر من ثلاث سنوات، حسب صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

السلام من أجل الازدهار

فكرة «جاريد كوشنير» السلام من أجل الازدهار ما زالت متّبعة في الإدارة الأمريكية حتى الآن، فهي ليست بالجديدة بمطلقها، إذ سعت الدبلوماسية الأمريكية منذ حرب الخليج الثانية لإقناع الأطراف العربية بتزامن التفاوض حول الأرض؛ أُطلق عليها المفاوضات الثنائية المباشرة والتطبيع، وتستند إلى الأرض مقابل السلام من خلال توقيع معاهدات الحدود - وهو ما حصل بقضية الضّمّ المؤجّل، فهو لم ينته - ونهاية الحرب وتقنين القوة المسلّحة.

والثانية مفاوضات التطبيع أُطلق عليها المفاوضات متعدّدة الأطراف الإقليمية، وتستند إلى اجراءات بناء الثّقة بين أطراف الصّراع. وهو ما حصل في توقيع اتفاقيات سلام مع الإمارات، البحرين، السودان والمغرب.

فبعد كلّ ما سبق فإنّه لابدّ من تقديم مشروع جديد للمنطقة لإعادة ترتيب الأدوار والأولويات والمصالح ومعها الأعداء - لم يبق منهم أحد - والأصدقاء.

تلك هي ملامح الخريطة الشرق أوسطية التي عبّر عنها «شمعون بيريز» آنذاك: «في 1948 انشأنا دولة لنتمّكن من العيش في منطقة معادية، وفي عام 1992 كان علينا أن نبني منطقة تُتيح لكلّ دولة بما فيها دولتنا أن تعيش بسلام، وليس السلام بحدّ ذاته هدفاً، وإنّما وسيلة مرحلية لهدف أسمى، وهو إيجاد العصر الذهبي لإسرائيل، لذلك طرحنا نظام للأمن والتعاون في الشرق الأوسط».

تعتبر هذه الاتفاقية هي الثانية بعد اتفاقية خط الغاز بين شركة الكهرباء الأردنية وإسرائيل عام 2016م، لاستيراده لمدة 15 عاماً بقيمة 15 مليار دولار، لتصبح الطّاقة والمياه بيد الاحتلال.

وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة؛ وقّع الأردن اتفاق تطبيع زراعي مع إسرائيل، يقضي بتوريد منتجات زراعية أردنية، تبعه اتفاق مائي بشراء عمّان 50 مليون متر مكعب، ثم اتفاق من شأنه زيادة حصة الصادرات الأردنية إلى السلطة الفلسطينية.

وزعم مسؤولون إسرائيليون مطّلعون، أن الإتفاق الأخير يستند على الرؤيا التي عرضتها قبل عامين منظمة «إيكوبيس الشرق الأوسط» التي تضمّ أردنيين وفلسطينيين وإسرائيليين، يسعون لتعزيز العلاقات التطبيعية بين الأطراف بذريعة التعاون والحفاظ على البيئة ومكافحة أزمة المناخ.

إسرائيل هي المستفيد الأول من اتفاق الكهرباء مقابل الماء مع الأردن، لأنّها بداية لن تلتزم بالإتفاق كعادتها، فقد أخلّت بإتفاقيات ال 94 التي وقّعتها مع الأردن بما يتعلّق بحصص المياه، فقد كانت تُفرغ بحيرة طبريا بطريقة ما لتتذرّع بعدم وفائها بالاتفاق، بالإضافة إلى الجانب السياسي، وهو الأهم لإسرائيل فتقوية علاقتها مع الدول السُنيّة، وهو الدور الذي تلعبه الإمارات والبحرين والسعودية، وكلّ الدول التي لها مصالح ليست اقتصادية فحسب، إنّما عسكرية  تقف أمام إيران والتي تديرها عملياً إسرائيل.

وجانب آخر وله أكثر أهمية هو توطيد علاقتها مع الأردن التي ساءت بولاية «بنيامين نتياهو»، وهي الطريقة التي تستطيع بها الإلتفاف على الفلسطينيين، لأنها ترى بالأردن حليفاً استراتيجياً لدولتها في الشرق الأوسط، باعتبارها الدولة المجاورة للكونفدرالية المستقبلية للمناطق الفلسطينية، فهي لا تريد إقامة دولة للفلسطينيين.

أمّا بالنسبة للإمارات فهي مستفيدة اقتصاددياً كونها هي المنفّذة للمشروع، فضلاً عن رغبتها بالتدخّل في قضايا الشرق الأوسط لتكون دولة مركزية بعلاقاتها مع إسرائيل والدول العربية، لأنّها هي مع السعودية من يجابه إيران، فلديها المال توظّفه سياسياً وعسكرياً، كتدخّلها بالسودان وليبيا وإمدادها إثيوبيا بالسلاح، وهي المسؤولة بكلّ ما يحدث هناك من جرائم ضد الإنسانية، وكانت هي المسؤولة أيضاً بالمآساة اليمنية.

الأردن قبلت فعلياً بالمشروع الذي قُدّم للفلسطينيين، السلام من أجل الإزدهار، والذي رفضه الأردن علناً وطبّقه ضمنيّاً بدولته، معارضاً بذلك رغبة الشعب الأردني الذي يرفض كلّ الوسائل التطبيعية مع الإحتلال، ويرفض رهن الماء - وهي حياة الأردن - بيد إسرائيل، حتى لو زيّنها العرض الحكومي بالفوائد المزعومة للوطن.

Ahmad.omari11@yahoo.de


الاثنين، 2 أغسطس 2021

تُونس بين مطرقة الانقلاب وسندان تصحيح المسار

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تُونس بين مطرقة الانقلاب وسندان تصحيح المسار


دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

الرئيس التّونسي قيس سعيّد يُقيل الحكومة ويجمّد البرلمان ويتولّى منصب النائب العام يوم الأحد 25 يوليو/تموز، والحكومة التركية تعلن رفضها، والأخوان في ليبيا صرّح بالتدخّل إذا دعت الحاجة.

خبير القانون الدستوري انقلب على الدستور بإسم الوطنية وباللّغة العربيّة الفصحى؛ وكأنّ تهميشه لرئيس الوزراء ورئيس البرلمان فيما سلف بداية لما أقدم عليه اليوم في خطوة تعتبر استئثاراً بالسلطة دون سند دستوري، بالإضافة إلى رغبته التي بدت بجلاء بوضع دستور جديد يضعه في الصدارة، على الرغم من مشاركته في صياغة دستور تونس 2014م.


اجتماع قرطاج

ترتب دستورياً بعد انتخابات 2019م على الحزب الناجح في البرلمان وذو الأغلبية، وهو النهضة أن يقترح رئيس الحكومة، لكنّ الأخير فشل بتكوين الحكومة بعد اقتراح الحبيب الجملي، الذي فشل بكسب اغلبية البرلمان حتى انتهى القرار إلى رئيس الجمهورية، فاقترح الأخير هشام المشيشي الإداري المحايد الذي أُجمع عليه، كونه تكنوقراط وليس له انتماء حزبي ليسيّر أمور الدولة ويأتمر بأمره، ووافق عليه الإتلاف فقط خوفاً من حلّ البرلمان، واتضح فيما بعد فساده المدقع الذي تداوله الشعب عبر فيديوهات موثّقة، فاستخدمته النهضة كأداة ضغط لتمرير قرارات وتعينات ودون أن يستقيل ليبقى في ظلّ الرئيس. 

لقد اتكأ الأخير في قراره الذي أعلنه بعد اجتماع طارئ جمعه مع مسؤولين أمنيين وعسكريين في قصر قرطاج إلى الفصل 80 من الدستور، الذي يخوّله - حسب زعمه - باتخاذ مثل هذه التدابير الطارئة، متذرّعاً بذلك إنقاذ الدولة والمجتمع على حدّ سواء. في حين اعتبر سياسيو النهضة والجبهة الأخرى من الشارع أنّ سعيّد استغلّ الفصل 80 وفصّله على مقاس طموحه، ليبرّر بذلك ما قام به من قرارت؛ إذ ينصّ الفصل على صلاحيات الرئيس لإتخاذ التدابير التي تحتّمها تلك الحالة الاستثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ووفقاً للوضع الراهن  فإنّه لايوجد ما يستدعي لمثل هذا القرارت، كما ولا يجيز له تعطيل العمل البرلماني، مما دعا القوى السياسية تونسياً وعربياً رفض تدابيره، حيث أصبح وصفها بالانقلاب مبرّرا وشرعياً.

اللّافت للنظر أنّ جلّ الشارع التّونسي من صفاقس - وهي معقل الأخوان - وصولاً إلى العاصمة تقف بظهر سعيّد، وعلّ السبب يعود إلى موجة الغضب التي اعترت التّونسي الفترة الأخيرة مع تفاقم إصابات كورونا وحالات الوفاة المتزايدة وتهالك المنظومة الصّحّية، حيث وقعت الحكومة في صدام شعبي جعلته يرجئ حالة التردّي لأداء الحكومة والبرلمان، ممّا زاد رصيد الرئيس في الرأي العام، وتزامناً مع دعوات النزول إلى الشارع احتفالاً في ذكرى عيد الجمهورية وربطها بالضرورة مع القرارت الأخيرة، مقرونة برفع شعارات لإقامة منظومة سياسية جديدة، بدت الجموع كلّها لسعيّد.

فهل رفض التّونسيين للآلية الديمقراطية هو رفضاً ضمنياً للتيار الإسلامي؟ لذلك لا يتحدّث التّونسيون عن مؤامرة دولية أو انقلاب عدا حزب النهضة ومؤيديه، إنّما عن حالة احتفالية بامتياز. وللمراقب أن يرى انقلاب الشارع على نفسه؛ منهم من يعتقد بأنّ قرار الأخير يمثّل تصحيحاً لمسار الثورة وخطوة موجّهة إلى النخّبة السياسية التي أخفقت منذ سقوط زين العابدين بن علي بحصل زهور الحريّة والديمقراطية المرجوّة.

كما ويُرجئ مؤيّدي سعيّد عدم الاستقرار السياسي والتراجع الاقتصادي والصّحّي إلى حركة النهضة، ممثّلة برئيس البرلمان راشد الغنوشي، واعتباره طرفاً رئيساً في البلبلة التي تشوب المشهد التونسي منذ ثورة 2011م، في حين بدا قيس سعّيد مصلحاً ونموذجاً للنزاهة الذي أنتظره التونسيون، وخاصّة أنّه لم يُنفق على انتخاباته سوى تكلفته الشخصية، والتي فاز بها بأغلبية ساحقة، حيث حصد 2 مليون و77 ألف صوت، بالمقابل حصيلة الانتخابات التشريعية وصل مجموعها إلى ما يتجاوز 600 ألف، بينهم 132 ألف صوت لحزب النهضة، دلالة على ضعفهم في الشارع التونسي.

وآخرون من مثقّفي وسياسيّ حركة النهضة ومؤيديها وبعض الشارع يرون قرار الرئيس اعتداءً صارخ على الدستور والثورة في آن، كما وصرّح بذلك الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي الاثنين 26 يوليو/تموز عبر فيديو نشره الأخير على صفحته الرسمية بالـ «فيسبوك»، معتبراً قرارات الرئيس بـ «الإنقلاب»، وخروج من نادي الشعوب المتحضّرة وعودة إلى التخلّف والرجعية، وإلّا عولجت المسائل بوسائل سياسيّة سلميّة بدلاً من القمعيّة.


إلى أين ستمضي الأزمة؟

سؤال يؤرّق الشارع العربي دوناً عن التونسي لإطمئنان الأخير وثقته؛ إلى أين ستمضي الأزمة بعد الإنقالاب؟ ويكتفي الكثير بتسميته إعلان تجميد العمل البرلماني وإقالة الحكومة، وبين السؤال والوقت مساحة كافية قد تحسم الموقف من جانب أنصار الرئيس، ومؤيّدي النهضة من جانب آخر سياسياً وشعبياً. علّ الأيام القادمة كفيلة بجواب يكفي كثير المحلّلين والمراقبين وأصحاب الشأن.

ما يدور في الشارع التّونسي الآن هو تراكمات خلّفتها ثورة 2011م ومعها خلق جبهتين متضادتين، الأولى تمثّل غالبية الشارع ترى بقرارت الرئيس، رغم قناعاتهم بعدم دستوريتها، إلّا أنّها تصحيح للمسار الديمقراطي لتغوّل الطبقة السياسية التي لم تعد تكترث بهموم الشعب وآلت المصالح الشخصية هي هدف أصحاب القرار، وبما يتعلّق بعدم دستورية التدابير فأصبحت القناعات راسخة عند جلّ الشعب بتغيّره حسب المطالب والحاجة الملحّة، ويرون أنّ المحكمة الدستورية التي لا يجوز بدونها العمل بفصل 80 التي سعت حركة النهضة منذ البداية بعدم تكوينها. الشعب الآن يعوّل فقط على نزاهة قيس سعيّد.

الظاهر للعيان أنّ الشارع التّونسي بجلّه بجميع الولايات، بين مثقّف وسياسي وعامل يسير خلف الرئيس، لدرجة أنّ هناك من خرج لأول مرّة ليساند قرارات سعيّد، ولو كانت الجبهة الأخرى تشكّل نسبة عالية لحصل مواجهات قد تكون دموية - حسب مراقبين - فالأغبية تأمل بحصول نهضة تُخرج تونس من مأزقها السياسي والاقتصادي وخلق طبقة سياسية جديدة تخاطب نبض الشارع والمطالب القومية والشعبية بعد تفشّي الفساد والزيادات الدائمة بالضريبة؛ كان من الممكن أنّ يثور الشعب على سعيّد نفسه لو لم يخضع لرغبات الشعب حسب الوصف.


حركة النهضة

الحكومة الحالية أثبتت فشلها بتلبية المطالب البديهية للمواطن وأهمّها الصّحّية ومكافحة الوباء،حيث ارتفعت إصابات كورنا من صفر مقارنة بالعام الماضي لتصل إلى مستوى مأساوي يستدعي التدخّل الخارجي.

التّونسيون يرون بأنّ حركة النهضة والكويكبات التي تتبعها استغنت واستثمرت مقدّرات الدولة بشركات خاصّة وتركت المواطن البسيط يعاني شُحّ الموارد والعوز والحاجة وعدم التلقيح وسخط الدولة، بالمقابل ظهرت طبقة من رجالات النهضة لم تكن قبل الثورة تملك شيء والآن تملك أموالاً طائلة، بالإضافة إلى تنفّذهم في القضاء وشتى مرافق الدولة.

ويرى كثير المراقبين العرب للمشهد التّونسي بأنّ ما يحصل الآن في تونس حصل في مصر، ولكنّني أرى فروقاً جمّة بين مصر وتونس، ففي مطلع الربيع العربي راح ضحيته في مصر المئات بل آلاف، بينما في تونس لم تُرق قطرة دم واحدة، فالجيش والأمن منذ الاستقلال بعيدان عن الحكم والتجاذبات السياسية، تأتمر صحيح برئيس الجمهورية لكنّها لم تواجه الشعب قط؛ لم يحصل في ثورة يناير/كانون الثاني وهي الأحلك في تاريخ تونس، وبالنهاية ليس للجيش مطامع في الحكم لو راقبنا تاريخه.


الإتحاد العام التّونسي

أوّل الخطوات التي أقدم عليها سعيّد هي اجتماعه في 27 يوليو/تموز مع الإتحاد العام التّونسي للشغل الذي يمثّل المركزيّة النقابيّة في البلاد، والتي لا يمكن استثاؤها، حيث طالب فيها الأتحاد سعيّد بضبط جدول زمني للإجراءات الاستثنائية دون إدانة قراره.

تعتبر هذه الخطوة جيدة لتقديم حسن النيّة من عدمها، إمّا أن يتغوّل على الحكم أو يعيد الأمور إلى نصابها والأمانة لأصحابها، بحيث يقرّر الشعب تنقيح الدستور أو تغيّره أو خلق نظام جديد والعمل على برامج اصلاحية، وبهذا يتوجّب على الرئيس في بحر هذا الشهر توضيح الأفق السياسي، وبما أنّه أخذ على عاتقه السلطة التشريعية تحديد موعد العودة إلى نظام الدولة العادي وشكلها، فحالة الفراغ الحكومي تستدعي بأسرع وقت ممكن تشكيل حكومة مع توضيح جلي عن أهدافها.

الأيام القادمة ستبيّن تبعات تدابير قيس سعيّد، كالتضييق الإعلامي على الجهات التي انتقدت قراراته، كما حصل بإغلاق مكتب الجزيرة على سبيل المثال لا الحصر، وسحب حصانات عن بعض السياسيين وتقديمهم بقضايا فساد للمحاكمات، وحظر نشاطات بعض الأحزاب والأشخاص.

الظاهر للعيان أنّ المرحلة القادمة لن تكون قصيرة وسهلة على التّونسيين، فلن يستطيع الأخير تبديل حالة الدولة بأشهر أو سنين من بؤس إلى نعيم، بدءاً من المنظومة السياسية، مروراً بالإقتصادية وانتهاءً بالأهم حالياً وهي الوبائية والصّحّية بشكل عام.

أتمنى لتونس وأهلها تحقيق آمالهم المرجوّة جرّاء مساندة قيس سعيّد أو مناهضته، بغض النظر عن المسمّى، انقلاباً أو تصحيح مسار.

الأحد، 16 مايو 2021

اطلاق الجيش الأردني طلقات في الهواء لمنع الحشود من اجتياز الحدود مع فلسطين المحتلّة

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  1:46 م   بدون تعليقات

 

 اطلاق الجيش الأردني طلقات في الهواء



اطلاق الجيش الأردني طلقات في الهواء لمنع الحشود من اجتياز الحدود مع فلسطين المحتلّة.

أليس هذا دلالة كافية على أنّ الشعب واحد وقضيتا واحدة؟
هذا التجمع رفع الغطاء وبكل جرأة عن الحكومة وأخجلها رغم قلّة الحياء وكثرة الذل والعمالة





الأربعاء، 12 مايو 2021

أحرّ أيات التبريك والتهنئة بعيد الفطر المبارك للأمّة جمعاء

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  4:45 م   بدون تعليقات


أحرّ أيات التبريك والتهنئة بعيد الفطر المبارك للأمّة جمعاء، مؤطّرة بالدعاء لأهلنا بفلسطين عامّة والأبطال الأشاوس الصناديد في غزّة خاصّة.







 

الأربعاء، 14 أبريل 2021

أزمة الأمير الشّريف حمزة وضعت الأردنيّ على المِحكّ

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  8:44 ص   الأمير حمزة، الأردن، الملك، مؤامرة بدون تعليقات


الأمير حمزة

بسم الله الرحمن الرحيم 

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري 

عاصر الشارع الأردنيّ منذ يوم السبت 3 أبريل/نيسان 2021م ولغاية 5 أبريل/نيسان أيام عصيبة حتّى أقرّ الملك عبدالله الثاني في التعامل مع موضوع الأمير حمزة ضمن إطار الأسرة الهاشمية الملتحمة، فقد أوكل لعمّه الأمير حسن بن طلال الذي تواصل بدوره مع الأمير حمزة الذي أكّد من خلال رسالته من بيت عمّهما أنّه يضع نفسه بين يديّ جلالة الملك وبقائه على عهد الآباء والأجداد وفياً لإرثهم سائراً على دربهم ليقطع بذلك دابر المتآمرين المتملّقين بعباءة الولاء والميثاق. 

شهدت عمّان يوم السبت حملة اعتقالات طالت الشّريف حسن بن زيد وباسم عوض الله ومدير مكتب الأمير وبعض مرافقيه وآخرون بتهمة تحركات ونشاطات توظَّف لاستهداف أمن الدولة، كما وأخضعت قيادة الجيش سُمُوّ الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية. في هذه الأثناء كانت التغطية الرسمية في الأردن حول جمال الجسور في العالم والشارع الأردنيّ يشتعل ويستقي تطورات الأحداث عبر القنوات الخارجية أو تكهّنات الإعلام الموازي ليظهر الأمير من خلال فيديو وجّهه للعالم باللغة الإنجليزية والعربية بثّته قناة العربية ويصدم محبوب الأردنيين كلّ الأردن بخطاب حزين يبرأ من الفساد والتغلغل في مؤسّسات الدولة والتنفّع والتنفّذ من مجموعة صغيرة على حساب الوطن؛ قربه من الشارع يُدفِعه الثمن وتُخضِعه رئاسة هيئة الأركان العسكرية والمخابرات للإقامة الجبرية وعزله كليّاً عن العالم الخارجي. 
 في الأثناء صرّحت المصادر الرسمية في مؤتمر صحفي عُقد في 5 أبريل/ نيسان قدّمه نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي تضمّن إتهمام صريح للأمير حمزة بنشاطات وتحركات تستهدف أمن الأردن وربط اسمه مع أكثر الشخصيات الأردنيّة تنفّعاً، اقترن اسمه بملفات فساد كثيرة، باسم عوض الله. 
وقعت هذه التصريحات على مسامع الأردنيين كالصّاعقة وسابقة لم يعرفها الأردنيّ ولا الأسرة الهاشمية، فقد عُرف الأمير بقربه من الشارع وحديثه بنبضه ليفوز بقلوبهم ويذكّرهم بوالده المغفور له، ملك القلوب الملك حسين. لقد حمل المؤتمر الصحفي توجيه صريح للأمير ووضعه أمام خيارين، إمّا التسوية داخل العائلة - وهذا الذي حصل - أو مثوله في محكمة أمن الدولة، وبذلك رفع الغطاء عنه، ناهيك عن ضبابية المؤتمر الذي لم يتّسم بالشفافية على الإطلاق. 
بينما تصريحات رئيس الوزراء بشر الخصاونة سحبت يوم 12 أبريل/نيسان الخيار العائلي لتبقي مثول الأمير حمزة أمام محكمة أمن الدولة بتهمة التآمر كخيار أخير لا بديل له، وذلك في جلسات مغلقة لمجلسي الأعيان والنواب، الذي قدّم الخصاونة فيه شرحاً «عن طبيعة العلاقة والاتصالات بين المعتقلين الثلاثة الأبرز في ملف المؤامرة» حسب صحيفة القدس العربي. 

 إذا صحّ النقل فيعتبر هذا تصريحاً صريحاً بإعتقال الأمير حمزة، فالقول «بين المعتقلين الثلاثة الأبرز» واضح لا يقبل التأويل، هذا لأنّ المقالة لم تتطرّق بالإسم لغير ثلاثة أشخاص والأمير واحد منهم؛ هذا الطرح هو ذاته الذي قدّمه الصفدي - وهو اتهام صريح للأمير بالخيانة - مع بعض الجزئيات التي قُدّمت بهالة دلائل واهية. 
بينما عوض الله كان يتنّقل بين السعودية والإمارات العربية وتربطه بينهما علاقات سياسية واقتصادية بالإضافة إلى حديث يتناوله الإعلام عن نشاط مشبوه مع الإمارات لشراء الأراضي والمنازل في القدس القديمة لصالح إسرائيل. وعوامل مشتركة جمعت بين الشّريف حسن بن زيد والأخير تمثلّت في حسن علاقتهما مع ولي العهد محمد بن سلمان وحملهما الجنسية السعودية، وكلاهما أيضاً كان موفد عن الأردن لدى السعودي. 
في هذه الأثناء تصاعدت فكرة المؤامرة على النظام الأردنيّ في العالم بعد التصريح الرسمي للصفدي لتتصدّر الصحف عناوين إنقلاب في المملكة، فقد حمّل المؤتمر هذه الإعتقالات مفاهيم بغاية الخطورة دعّمت فكرة المؤامرة، لتتسابق الدول بتقديم الدعم لسيادة الأردن وبعضها كانت ترسل رسائل التأييد بالشمال وتضع خنجراً باليمين، فضلاً عن الإجراءات الظالمة القاسية التي نفذتّها قيادة الجيش بحق الأمير بدلاً من تدخّل الجهات المختصّة ووضع الدولة بحالة طوارىء مبالغ بها دون حاجة، وفتح المرتاج بشقّيه للأنفس المريضة الوصولية الانتهازية للنيل من سُمُوّ الأمير وهم ينالون بذلك من الملك نفسه، وآخرها مقالة نشرتها جريدة الغد الأردنيّة لفهد خيطان منحت المتلقي إحساساً بأنّ الأخير هو طرف استخباراتي، فإدانته الصريحة لسُمُوّ الأمير، لا بل سرد تفاصيل حول تواصله المزعوم مع باسم عوض الله ومحمد دحلان هي دلالة إطّلاع كامل على مجريات التحقيق - وهذا خرق - أو توظيفه لتهيئة الشارع لما ينتظر الأمير حمزة، متمثّلة بمثولة كمتآمر أمام محكمة أمن الدولة؛ وكلاهما كالهارب من التشبيه ليقع في التعطيل، وليست الأولى بأقل شرٍّ من الأخيرة، أو علّ ظنّ خيطان أنّ الولاء للملك مقرون بالضرورة بركوب موجة الإدانات الخطيرة الأخيرة، وهذا جهل ومصاب جلل. 

الوضع الراهن يقدّم خلاصة تتمثّل بكلمات رافضة دبلوماسية؛ تتأرجح بين انتظار التصريحات الرسمية لتجرؤ بالطرح أو تكتب بالقدر الذي يسمح به نظام الدولة، وأخرى تتبنّى أي طرح حكومي ليُعزّز من «التسحيج» والمساهمة بالتخلّف ويبرّر ضبابية التحيّز الرسمي وسكوت خيّم على البيت الأردنيّ بعد خطاب الملك الأخير مؤطّراً بتساؤلات كثيرة، فقد «وئدت الفتنة» حسب تعبير الملك بخطابه الخطّي الأخير، إلّا أنّ نصّ الرسالة قد لا يدين الأمير ولكن لم يبرئه، كما أنّ نصّ الرسالة «حمزة اليوم مع عائلته في قصره برعايتي» يحتمل معنيين الأول طمأنة الشارع والآخر عدم رفع قيد الإقامة الجبرية عنه. 
 بالإضافة إلى التضارب حول زيارة وفد سعودي يوم الاثنين 5 أبريل/نيسان للمطالبة بالإفراج عن باسم عوض الله حسب بعض المصارد وأخرى رسمية أردنيّة تتحدّث عن زيارة تضامنية لا غير. 

زيارة وزير الخارجية السعودية عقب اعتقال الأخير تؤكّد وضعاً غير سوي للعلاقة مع عرّاب الفساد والأحداث التي تسبّبت التصريحات الرسمية المبالغ بها بتأزّم الدولة برمّتها ووضعها في حالة تأهّب غير مبرّرة. عندما نتحدّث عن انقلاب، فالحديث يكون عن تواطؤ جهاز المخابرات وقيادة الجيش والداخلية، أمّا إذا كانت الاعتقالات التي أوكل إليها هذا الاتهام لا تتجاوز شخص هو خلاصة فساد حكومي مُعضل وطاقم مرافقي الأمير ومدير مكتبه، فيجب أن يكون الحديث هنا عن شيء آخر أكثر بعداً عن تهديد أمن الدولة. 

فهل حملة الإعتقالات بوزن هؤلاء الأشخاص كافية لإنقلاب أو ضعضعة الأمن؟ أم علّها أكثر من «قرصة أذن لتصل إلى كسر رُكبة ورسالة بمثابة إنذار لتحجيم الحريّات؟». 

أصابع الإتهام تشير إلى السعودية والإمارات وعدم استبعاد تورّط اليمين اليهودي حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في تقرير موسّع حول الأحداث الأردنيّة، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المعادلة، ما هي مصلحة الدولتين للإضرار بأمن الأردن؟ وخاصّة مع تزامن توقيع اتفاقية الدفاع الأردنيّة الأمريكية بتصريحات الاحتلال عن إنشاء سكّة حديد تربطها مع الإمارات مروراً بالأردن والسعودية. 
أليس الأجدر الحفاظ على العلاقات الأردنيّة على الأقل لتأمين المشروع الإمارتي مع الإحتلال؟ المقام يحتاج إلى أكثر من استطراد لكشف التواطؤ الذي تقرّة مجموعة متنفّذة على حساب وطن، ولتوضيح ما قدّمته الإتفاقية يحتاج لأكثر من تساؤلات في مقال. 

الأزمة التي يمرّ بها الأمير حمزة وضعت الأردنيّين على المِحكّ، فرغم حبّهم للأمير وتوظيف هذا الودّ من بعض الجهات الحاقدة المغرضة وأعداء الدولة ليخلقوا شرخاً في الأمّة جرّاء الأزمات الإقتصادية وتفاقم المديونية وتهالك المنظومة الصّحّيّة والتعليميّة التي تمرّ بها الدولة، إلّا أنّهم مجتمعون على وحدة الصّف أمام أي فكرة أو خطوة تهدّد أمن البلاد. 

 الأردنيون ينتقدون أداء الحكومة وضعف المؤسّسات وهشاشة البرلمان دون هوادة ويختلفون بالمبتدأ والخبر، غير أنّهم ملتفّون حول مؤسّسة العرش. لذلك كان بالإمكان تقديم لائحة الإتهام بشكل أكثر موضوعية وواقعية تتناسب وحجم الأزمة دون تهويل والحفاظ على أفراد العائلة الهاشمية - أبناء الحسين رحمه الله وطيّب ثراه - وعدم التسرّع بتقديم التهم إليهم حتى تطاول المتملّقون المخادعون على الأمير الشّريف، وكان البعض على استعداد لتقديم الكثير من الدناءة ظنّهم أنّهم بذلك يتقرّبون. حمداً لله على سلامة الأردن والأمير، فقد كانت الأيام الأخيرة بمثابة الحمّى أصابة الجسد الأردنيّ، وكلّ عام وأنتم بخير.

السبت، 27 مارس 2021

مستشفى السّلط فاجعة الأردن

 

مستشفى السّلط الحكومي

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

«الإنسان أغلى ما نملك» 

هذا هو شعارنا في الأردن، يتناقله ساسة البلاد وتعرضه الشاشات والصحف الرسمية وغيرها ظاهرها حُرّ وباطنها صوت حكومي متعب من حجم الخداع الذي يسوّقه للشعب في الصبيحة مع صوت فيروز والعشيّة في السمر وقبل النوم مع  المعوّذات، حتى أنّ بعض الشارع الساذج آمن بالشعارات من كثرة سماعها، أو علّه ردّدها كصوفي بجلسة ذكر مع الأموات.

في ظهيرة يوم السبت 13 مارس/آذار تلقينا خبر الفاجعة التي ألمّت بنا، جريمة لا تغتفر بحق الأردن وكلّ أردني، وليس المغبونُونَ أهل ضحايا الإهمال فحسب، لا بل هو تعدّي مع سبق الإصرار؛ وفاة تسعة أشخاص في مستشفى السّلط الحكومي، لم يكن السبب مرض عضال أو ندرة أدوية شحيحة أو كوادر طبية تشبهها ندرة، بل جرّاء إهمال حكومي بأقل مسلّمات المستلزمات الصّحّيّة لأي مركز؛ عبوات أكسجين لتزويد المرضى المحتاجين.

ما يبعث على الغضب والسخط وما هو أكثر منهما تصريحات الحكومة ممثّلة بوزارة الصّحّة عن أعداد وفيات فيروس كورونا والإصابات، بينما لا أحد منهم معني بالنهوض بالمنظومة الصّحّيّة المتهالكة، وخاصّة بظلّ الظروف الحالية من تفاقم انتشار الفيروس بشكل لافت للنظر.

تعديل وزاري يتبعه تعديل وزاري آخر، حلّ برلمان وتشكيل غيره حتى آلت مخصّصات الوطن إلى مِنح على شكل حقب دبلوماسية وعلى حساب من لا يجد الدواء والسرير في مستشفى حكومي، ناهيك عن رواتب ومخصّصات تصل أو تزيد عن راتب وزير في إحدى الدول العظمى.

حكمت محكمة ألمانية قبل أيام على وزير مالية أسبق «أنجولف دويبل» بالسجن عامين لإساءة الأمانة في مشروع حلبة سباق السيارات فورمل 1 «نوربورغرينغ»، وحرمانه من تقاعده كوزير البالغ 6700 يورو؛ نحن نتحدّث هنا عن راتب وزير مالية ألماني، بينما يصل متوسط دخل الفرد إلى 2000 يورو. وآخرون من الحكومة الإتحادية بعضهم من الحزب الحاكم ثبت تنفّعهم من خلال شراء كمامات بمبلغ 250.000 يورو وتهرّب ضريبي؛ الحقيقة مبالغ تعتبر فتات ولا تقارن بالتي تخرج على حسابات خاصّة خارج الأردن. إذن، أين هي معضلة مكافحة الفساد في بلادنا، عدم تقديمهم للقضاء أم إخفاق القضاء وتواطئه؟ أم علّ الآلية الحكومية تنتهج الضعف والمحاصصة كنظام دولة!

وما هو قياس الدولة بحجم بلادنا الذي تتّكئ عليه في رفع راتب المسؤول ليصل إلى راتب وزير في ألمانيا أو حتى نصفه؟ بينما يصل معدل دخل المواطن الأردني إلى 300 دينار، وقد يقلّ أو يزيد. هذا في ذات الوقت الذي تتراجع به المنظومة الصّحّيّة الحكومية ومعها التعليم. أيهم الأولى تقاضي رواتب ومستحقات لا تتناسب أبداً وميزانية الدولة المتهالكة بمديونية تتجاوز كمّها وعدد السكان؟ أم تقنين فجوة الدخل بين الحاكم والمحكوم؟ بحيث نخلق توازن من شأنه استثمار ما لا يستحقّه مدير المؤسّسة وتوظيفه للأخيرة حتى يعود النفع للمواطن وإنجاز العمل المؤسّسي وتطوّره.

الفساد قائم في كلّ الدنيا، حتى في أكثر الدول حقوقية في العالم، العبرة بكم التنفّع وقضايا الفساد التي لا تصل لسلامة الإنسان وأرواح البشر، علّ المنظومة الصّحّيّة ومعها نظام الدولة، ثوابتها وضوابط ومسلّمات لا يمكن المساس بها، وهي صحّة الإنسان وحياته، ما دون ذلك فالفساد موجود منذ الأزل ولن ينتهِ. وجزئية بذات الأهميّة وهي قِوام الدولة والحساب والعقاب، فهل قِوام الدولة قائم على العدل والإنصاف؟ فإذا كان الأمر كذلك سهلت المساءلة والحساب، أمّا إذا كانت الهيكلة برمّتها مبنية على تقسيم الحصص وتقديم الودّ على الاستحقاق، فمحاسبة رئيس الدولة أو وزرائه ومدراء المؤسّسات الذين قبلوا بالمشاركة بنظام متهالك ليست حلاً، وهذا لا يعني عدم المحاسبة بما يتناسب وحجم الكارثة.

 كنّا نعيب على دول الجوار وإذا بنا يعاب علينا أكثر، حكومة ليست أهلاً لما أنيط إليها من مسؤولية، فإذا كان مستشفى السّلط لا يملك أكسجين كفاية أو أجهزة تنفّس فلماذا يستقبل مرضى من الأصل؟ الإغلاق وتحويله لكراج سيارات مسؤولي السّلط وعمّان والأردن عامّة أولى، غير ذلك فإستقبال المريض من البداية انتهاك، وحال مستشفى السّلط الحكومي نستطيع قياسه على جميع مستشفيات المملكة بالمطلق، فلو تحدّثنا مثلاً عن مستشفى الأميرة بسمة، وهي أكثر بعداً عن مؤسّسة صحّيّة بالمعنى الحقيقي لمدينة عدد سكانها أقل من مليوني نسمة لاعتبرناه رمزاً لتهالك وزارة الصحّة ومن ورائها الحكومة.

نحن الآن بأمسّ الحاجة لأجهزة تنفّس وأقلّها الأكسجين، فلماذا لا تكثّف الدولة جهودها لتأمين هذا الإحتياج الملحّ؟ وخاصّة ممّا نعانية جرّاء كورونا وازدياد الاحتياج لأجهزة تنفّس وأسرّة العناية الحثيثة.

المشكلة الحقيقة التي تعانيها الأردن ليست نهج رئيس حكومة فحسب، فقد تعاقبت الحكومات واحدة وراء الأخرى مخلّفة وراءها كمّ من المديونية والمصائب على عاتق الإنسان البسيط، نحن بحاجة إلى إعادة بناء المنظومة الحكومية برمّتها، وهذا يحتاج في بلادنا إلى قرار سيادي لتفعيل دور البرلمان المعطّل ومعه الأحزاب وفتح الباب لأصحاب الفكر والسياسين المهمّشين المبعدين عن المشاركة في القرار السياسي وإشراك المجتمع المدني، ما دون ذلك لن يغيّر إقالة رئيس الوزراء الحالي بشر الخصاونة أو مساءلته، ولا الحكم على وزير الصّحّة ومدير مستشفى السّلط شيء، وإلّا ترتب علينا منذ اللحظة إقالة جميع مدراء المستشفيات الحكومية، كونها فاقدة مواصفات المؤسّسة العلاجية بدءاً من نقص الكوادر الطبية مروراً بنقص الأدوية أو عدم تواجدها حيناً كثيرة والمستلزمات الضرورية كأنابيب الأكسجين، وهي بديهيات في المراكز الصّحّيّة والمستشفيات، وانتهاءً بأجهزة التنفّس ومعدات الإسعافات الأولية وأصغر جزئية لمؤسّسة صحّيّة.

الآن هي فرصة البرلمان للوقوف على هذه الحادثة البشعة ومحاسبة المسؤول وتفعيل دوره التشريعي لإعادة ثقة المواطن به وترميم إنهيار النهج الحكومي أو استبداله كلّه، وتخلّصه من سيطرة السلطة التفيذية، ما دون ذلك علينا الإستعداد لإستقبال فواجع كالتي نعيشها الآن ونتألمّها مع ذوي الضحايا في السّلط.

وبظلّ الظروف الحالية المحبطة وترابط الإخفاق الحكومي في جميع الأصعدة وتحديداً الصّحّيّة وتفاقم الإصابات والوفيات من وراء الفيروس علينا - نحن المواطنون - واجب كبير، وأكبر من الشعوب الأخرى التي تؤمّن لها حكوماتها  كلّ الوسائل وإتاحة السبل للخروج من هذه الأزمة، ممثّلة بنشر الوعي الفكري والصحّي بما يتناسب والوضع الراهن الحرج حتى نتجاوز هذه الجائحة السياسية والفيروسية في آن لتقصير المؤسّسة الحكومية المُعيب في تأمين أدنى حقوق المواطنة.

المثير للإستهجان والإستياء هي المساعدات الخارجية الهائلة التي تدخل الأردن دون أن تترك أثر إيجابي وتطوّري، فقد بلغت المنح الألمانية وحدها بين عام 2012م و 2018م 1.9 مليار يورو، كما وأبلغت الحكومة عن حاجتها إلى 7.7 مليار دولار أمريكي للأعوام بين 2017م و 2019م حسب تصريح الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية.

ولعام 2020م تصدّرت الولايات المتحدة الأميركية المركز الأول في قائمة الجهات المانحة، تلاها الإتحاد الأوروبي وألمانيا، إضافة إلى الدول العربية وغيرها من الدول وصناديق متعددة التمويل، حيث بلغ إجمالي المنح والمساعدات الخارجية المتعاقد عليها والملتزم بها للأردن حتى نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي 3.7 مليار دولار حسب وزارة التخطيط والتعاون الدولي.

‏الخطوة الأهم والضرورة الملحّة الآن، بالتزامن مع محاسبة كلّ مسؤول عن فاجعة الأردن في مستشفى السّلط هي مسؤولية العمل الحكومي الفوري على تفقّد المستشفيات الأخرى والمراكز الصّحّيّة وتأمينها بما يكفي من الأكسجين - وهي من مسلّمات المؤسّسات الصّحّيّة - والمستلزمات الطبية وأجهزة التنفّس لتفادي كارثة أخرى.

احتفلنا منذ أيام بذكرى معركة الكرامة؛ انتصر الفلسطيني والأردني ببندقية ومِعول أمام دبابات العدو، والعرب اليوم لديهم ترسانات أسلحة فتّاكة يغزلون بها قصائد مجد كرتونية ويخوضون بها معارك إلكترونية وبأحسن حال بلاستيكية. ‏نحن الآن بأمسّ الحاجة إلى كرامة كي نعيد أيام معركة الكرامة.

وتناقلنا إبرام «الاتفاقية الدفاعية» المُهينة المُعيبة بين الأردن والولايات المتحدة، التي لم يوقّع عليها مجلس الأمّة والبرلمان.

إذن هل انتهت قضية مستشفى السّلط بتغطيات إعلامية بشجب وغضب وتارة ذكرى وأخرى استنكار وتمهيش كما تلاشت غيرها من المآسي الأردنية من وراء إهمال حكومي وانهيار منظومة صحّيّة دون إعادة هيكلتها وبدل ذلك تقديم خطوات لا تصل حد مستوى الترميم لبيت متهالك؛ فليكن إنصافاً شعارنا في الأردن الإنسان أرخص ما نملك.

عظّم الله أجرك يا أردن

Ahmad.omari11@yahoo.de

خطاب الأمّة

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  3:01 م   بدون تعليقات

 


الخطاب الوحيد المعني برقيّ الإمّة هو الذي يوجّه لكلّ شرائح المجتمع على اختلاف منابتهم وافتراق النحل والملل والدين؛ للمسلم والمسيحي والملحد وإلى ذاك التّائه - باللّاوعي - بين الإلحاد والإعتقاد.

التعدّدية وإختلاف الآراء هما الطريقان الوحيدان لخلق النجاح في الدولة، لما له من قيمة جوهرية في مكافحة الفساد، وإلّا سُجن الفكر داخل مرآة الأنظمة التي لا تسمح بغير الوجه الفاشل في الأخيرة؛ وواقع أنظمتنا خير دليل، كما حقيقة نجاح سياسات الدول المتفوّقة.

Back to top ↑

كلمات من العمري

في بداية خطابي أشكر زائريّ ممن بحث عني بأسمي أو دخل منزلي صدفة فراق له البقاء. وجزيل شكري لكل أصدقائي وأحبتي ممن يعملوا في الخفاء لنشر كلماتي دون تقديم أشخاصهم، إيمانهم بها أو بي وإن زل قلمي حيناً يقينهم إذعانَ قلبي وعقلي لها. لقد ترددت كثيرا قبل أن أفتح هذا الباب الذي عمل عليه صديقي الأستاذ أنس عمرو وصديقي الدكتور ضياء الزعبي - جزاه الله كل الخير- ولم يتركني حتى كَمُل على وجه رضيناه للأخوة القراء الكرام ... المزيد
كن على تواصل واتصال معنا

© 2018 أحمد سليمان العمري.
Design By: Hebron Portal - Anas Amro .