الأحد، 10 سبتمبر 2023

السُّلطان ونوّاب البرلمان الحراميّة

 

 

 بسم الله الرحمن الرحيم


 

دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

«أبي أبي، قوم بدّي قصّة»، قالت لين؛ ابنتي تطلب منّي بلكنة اللغة العربية غير المُكتملة أن أقُصّ لها كالعادة قصص، فهي لا تكتفي بواحدة. لم أُجبها من شدّة التعب وقلّة النوم حدّ الإعياء، وعندما أيقَنَتْ أنني لا أتجاوب معها شدّت شعري بقوّة شديدة وانهالت عليّ عضّا صبابة وتقبيل وقالت: «أبي اروي لي قصّة السُّلطان والنوّاب الحراميّة». فاجأتني بعنفها المُفرِط بالحُنُوّ حتى استحضرت بالجملة كُلّ قصص المنافقين والسياسيين «الهمل» والسرسرية.

أجلستها في حجري وضممّتها إلى صدري، فأبعَدَت يداي عنها وفردت كتفيها الناعمتين وجلست بإريحية وأصغت.

 كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان سلطان باسم بهيّ الطلّة وبلكنة فصيح اللّسان، يجلس على عرش سلطنة الأحلام؛ محبوب عند شعبه الكريم المضياف؛ قهوتهم تراث وموسيقاهُم دقّات «المهباش».

حُرّاس حرملك السُّلطان العريان، وخاصّته لا يرون بالأمّة غير قطيع خرفان، والقانون سوط يُجلد به الكاتب الساخر كثير الكلام، ناصر المحبوسين في سجن السُّلطان؛ تُهمتهم قرقرة المعدة وسراويل أبنائهم المُمزّقة كأحلامهم، فقد أزعجت بطانة السُّلطان.

جرت العادة في سلطنة الأحلام تبديل أعمدة عرش السُّلطان والأركان في كلّ أربعة أعوام، حتى آل جُلّ دولة السُّلطان أعمدة وأركان، أمّا باقي الشعب رملٌ وحطامٌ وأعلافٌ لبهائم السُّلطان، وبعضهم أبواق تنعق بهيبة الأركان، وعسكرٌ جياعٌ ضَور تفتدي الحاشية والسُّلطان الشبعان، وكرماء القوم في مخمصة؛ حُرّاس حرملك السُّلطان العريان، وخاصّته لا يرون بالأمّة غير قطيع خرفان، والقانون سوط يُجلد به الكاتب الساخر كثير الكلام، ناصر المحبوسين في سجن السُّلطان؛ تُهمتهم قرقرة المعدة وسراويل أبنائهم المُمزّقة كأحلامهم، فقد أزعجت بطانة السُّلطان.

أمّا الأعمدة فهي مائة وثلاثون وعدد الأركان ثمان وعشرون، يختارهم السُّلطان من شعبه ويجعلهم خصاصته وبعض بطانته، شريطة إفقار الطائفة التي ينتقي منها قوائم دولته. وهكذا استمرت سياسة الدولة المُطمئنّين أهلها الراضين بفقرهم لبقاء العرش المتين والسُّلطان الحكيم، حتى ضجّ شبيبة الدولة المتأثّرين من شدّة الفقر والعوز بمملكة «الحُرّيّات الإفرنجية» فعرفوا أنّ ما يُروّج في دولتهم من حقوق وعدل وتشريع وصكوك غفران سُلطانية ما هي إلّا انتهاكات بوجه خرافات «وضحك على الشوارب» وخُزعبلات أزليّة؛ فخالفوا كبارهم وانشقّوا عن الرأي الصارم المُلتئم المُلتحم في قانون العشيرة والمناطقية «امشي الحيط الحيط وقول يا الله الستيرة»، فأشار مستشار السُّلطان بعد أن خرج الشُّبان عن العرف الجبان بأن يترك الأمر لهم لإختيار الأعمدة والأركان ويكُفّ عن نفسه سخطهم وقضايا نقدهم؛ يبدو أنّها غير مُنتهية.

نجحت فكرة مُستشار السُّلطان، وانقسمت الشبيبة وانشقّت على بعضها واختلطت أطماعهم بثوابتهم، فشابه جشع بعض الشبيبة جهل كثير الكُهول، وقام عرش السُّلطان من جديد بشراكة كبار العشيرة والقبيلة وزعماء الكُور العالية؛ صغيرها ورشيدها وأرعنها، فزادت أركان الدولة أعمدة وأركان وآل جُلّ الشعب من جديد إلى كلأ وتُراب، وعاد الفقر والعوز كما كان مؤطّراً بإقصاء الحُصفاء والعارفين.

تنافس أبناء العترة الواحدة وبينهم العقلاء والفُطناء لتقديم ركن وعمود للسُلطان؛ ظنّهم أنّه لهم رفعة وأنفة، وغاب عنهم بالحميّة الجاهلية تنفُّذ واحدهم على البقيّة؛ منهم العائل المُملق والعديم المُدقع، وهم السّواد الأعظم والطائفة «المستويّة».

وتهافتت رايات المُهنئين المنافقين وسُذّج وجهلاء، وبينهم لبيب حاذق وحصيف سويّ الراية سديد، اعتلى الركب حياءً أو مخافة إقصاء أو من خاصّته المذمّة؛ انصاع لتمكين تُجّار القضيّة بروابط شرفاء كوكبة عديّة.

سألتني ابنتي، ونحن من تراب هذه الدولة الأبية: «ما الذي منعك من دعم الأركان العسكرية وأثرياء صناديق المالية؟»، فقلت لها، يا ابنتي وببساطة؛ دولتنا لا تقيمها أعمدة أفقية أو عمودية، فهي بخط قصبة وقطرة حبر عفوية تهدم البرلمان وتُقيل صاحب الشرطة وحامل الصولجان وتُلغي الدستور والتشريع ومعهما كل صروح الديمقراطية والحُرّيّة. قُرّة عيني؛ الدولة بحاجة لساسة أُمناء، عملهم كضرورة حليبُك ووجعي ومتمرّسين بألمعيّة، يا حبيبتي أبناء القبيلة والكُور نختارهم عصبيّة فيشُدّوا بالهيمنة والجُلّ من وطأة الحراميّة، يا سويداء قلبي يقفون لنُصرة السُّلطان؛ ليس له من العمود والركن غير نفسه وجوع البقيّة، ويُمنُوك بتجنيد عسكري وتوظيف حارس بلديّة، نصحوه أكل «قلايّة البندورة» إقتداء بالأشراف وباعة «الحسبة المركزيّة»، وقالوا له عليك بالعدس فهو كاللّحّمة البلدية وخبز «الكراديش» فإنّه يُضاهي الأرغفة الألمانية والكعكة الفرنسيّة.

لين يا ابنتي الدولة ليست مضافة صلح عشائريّة تُنهي الحدّ والقصاص والحبس بهزّة فُنجان قهوة زُعبيّة أو عُمريّة، الدولة تشريع وأحكام القضاء تُضيّق وتقضي بالسجن بإسم الفتن والكراهية، وقرارت مخادعة يُسمّونها حيناً دبلوماسيّة، الدولة قلمٌ حُرّ وطفلٌ أمن المأكل وشاخ بالعفّة والكرامة حتى المنيّة، الدولة حقّ الفقير بعنق الوزير الزير كحقّ الضعيف عند الأمير، الدولة حقّ دواء العليل كالحقّ في الداء بجسد الوالي وأمينه الغرير، ولا نتحدّث عن التعليم، فقد أقفلوا المدارس وأقالوا المُعلّمين، لأننا ختمنا العلّم واحترفنا الكلام والتنظير.

أمّا حُرّيّة التعبير فقد اختزلوها بنهج خطير، قانون الجرائم الألكترونية المرير؛ صوّت عليه النوّاب الحرامية، فأفضى إلى سابقة قانونية، تجاوزت النزاهة وهدرت الحقوق والحُرّيّات وجميع الأعراف الإنسانيّة، وانتهكت ما يقوم عليه الدستور والمبادئ القضائية.

يا ابنتي وأمي الصغيرة الزّكيّة؛ أركان دولتنا وأعمدتها العتيّة ركيكة هشّة قائمة على اختيار الأغلبية، والأغلبية تُقدّم القريب رغم جهله بالحُكم والأمور السياسيّة، لكنّه ابن العم فهو الأولى بالأريكة الجلديّة تحت القُبّة البرلمانيّة ونصيبه محفوظ من اللصوص وأصحاب الجوازات الدبلوماسيّة، وله الحق بالتصويت على القرارات العنجهيّة الإستخفافيّة، فهو ابن العشيرة أو الأقاليم الجهويّة.

 يا حبيبتي كُلّ أعمدة دولتنا، الوزاريّة والبرلمانيّة والمؤسّسيّة والفعليّة والأسميّة والكرتونية معروفة لهذا وسدُّ جميل لذاك واحتواء معارض الأمس سليط اللّسان لتقويض الحقيقة وتقديمها مرّة أخرى على شكلّ منسف و «الجميد مليحيّة».

أركان الحُرّيّة وأعمدتها والقانون الآن و معه القضاء في دولتنا  كلُّها أضغاض أحلام وأباطيل وقصّص «محمد الشّاطر» و «جعيدان» ومخازن القشّ الذهبية؛ لا يسمعها ولا يعرفها غيرك أنت حبيبتي وأشراف البريّة.

أبي وما علاقة الكاتب الساخر بالقانون وتصويت النوّاب الحراميّة الذين خانوا أمانة الشعب بألمعيّة؟ لأنّ لسان الكاتب هذا يا ابنتي بسبع شُعب، وكُلّها تقول على لسان أبناء الدولة الأبيّة، وترفض الظلم من ثُلّة صغيرة يضربون بسيف السُّلطان، فيَسجِنون ويعتقلون ويَسُنُّون القوانين العرفيّة.  

وهكذا بنيّتي حبيبتي هنأ بال السُّلطان الوسيم، فسكن القلوب وصار يُنادي بالإصلاحات السياسية وتفعيل الأدوار الشبابية ورفع سقف الحُرّيّة، فأثخنت الأجهزة الأمنية بالقمع والإعتقال ووقّع النوّاب الحراميّة على الإتفاقيات الإذلالية وسَنّوا فرمانات بيع الأوطان والجرائم الإلكترونية، فأذعنت رعيّة سلطنة الأحلام للّجام وانتظروا كرم حاشية السُّلطان منحهم السّرج للأمان وسلامة الأحلام.

Ahmad.Omari11@yahoo.de

الأحد، 13 أغسطس 2023

الحُرّيّة لأحمد حسن الزُعبي/أحمد سليمان العُمري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحُرّيّة لأحمد حسن الزُعبي

أحمد حسن الزُعبي

دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

بدأت اليوم في العاصمة الأردنية عمّان حملة التضامن الرقمية مع مُعتقلي الرأي الموسومة بـ «العاصفة الإلكترونية» «الأردن حُرّيّة سقفها السماء» للإفراج ورفع الأحكام الصادرة بحقّ الصحافي والكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي، هبة أبو طه والدكتور إبراهيم المنسي.

لمشاركة بكُلّ السُبل؛ الكترونيا وورقيا أو وعبر وقفات سلمية للمطالبة برفع الحُكم عن الزعبي وزملائه هو مطلب أردني قبل أن يكون مطلب لرفع الظلم عن كاتب، ناشط أو صاحب موقع إخباري فحسب، لأنّ الزعبي تحديدا وبكُلّ بساطة يُمثّل شرفاء الأردن؛ بين صامتين خوفا وآخرين عجزا، ويُشارك في ذات الآن أحرار هذا الوطن الكريم نشر الوعي للنهوض به.

جُرأة الزُعبي

عندما كانت الصُحف الأردنية تضيق أمام مقالتي، وهي التي تتحدّث عن الأزمات التي تُعانيها الأردن، بين قيادية واعتراك السريرية والحرامية تنافسا على مُقدّرات الوطن، وأخرى سياسية وإقتصادية وإدارية، بينما تُنشر بأمهات الصحف العربية، كان موقع الناشر الزعبي للأمانة تجاه الوطن ينشُرها بكُلّ ثقة؛ إيمانا منه الجُرأة بالحق لإحقاقه، ورفع الظلم ودُعاته.

لذلك المطالبة برفع الحُكم عن الزعبي هو مطلب أردني قبل أن يكون مطلب لرفع الظلم عن كاتب، ناشط أو صاحب موقع إخباري فحسب، لانّه وبكُلّ بساطة يُمثّل شرفاء الأردن بين صامتين خوفا وآخرين ضعفا، ويُشارك في ذات الآن أحرار هذا الوطن الكريم نشر الوعي للنهوض به.

لقد أتى حكم السجن عاما بحقّ الزعبي تزامنا مع سعي الحكومة تطبيق نهج خطير؛ مُتمثّلا بتقييد المُسلّمات من حُرّيّة التعبير، إذ اختزلتها بقانون الجرائم الإلكترونية بأضيق حدودها وأفقدتها كُلّ معانيها الهادفة إلى رفعة الوطن والمواطن، من خلال سوابق قضائية خرجت عن النزاهة لتهدر الحقوق والحُرّيّات، وانتهكت ما يقوم عليه الدستور من مبادئ وكرّست عوضا عن ذلك القمع بشتى أشكاله، بما في ذلك من وأد الفضاء العام، الذي يُشكّل جُلّه المواقع الرقمية؛ آخرها الحكم على ظاهرة الأردن بالجُرأة على قول الحقّ أحمد حسن الزعبي، الذي يحتضن كُلّ من يتبنّى رفع الظلم من خلال موقعه الإخباري، لطالما حفزّ أيضا كُلّ من يتردّد لإحقاقه.

إن الآليات التي تتبعها الحكومة في تقييم ما يُكتب تهدف بالمُطلق وبشكل واضح وصريح لمنع نقد الأداء الحكومي والمؤسّسي المُترهّل للدولة، فضلا عن حماية مُمارسات الفساد، التي يقودها عُرّاب النهب بتقديس رسمي إلى أن أصبحت مهمة القضاء جرّاء هذل القانون المُجحف النظر إلى مضمون المنشور، بدلا من الأصل بتوافر أركان المُخالفات القانونية.

أول الغيث  السجن

الحديث عن أحمدحسن الزعبي ليس حديثا عن كاتب حُرّ فحسب، إنّما عن ظاهرة سخّرت كُلّ ما تملك من قدرات وإمكانيات لنصرة قضايا الوطن، فضلا عن موقعه الذي يحتضن كُلّ الكُتّاب الأحرار الذين يُدافعون عن القضايا المصيرية في الأردن، فيما تأبى الصُحف الأخرى نشرها، ليس تواطؤا، إنّما خشية قمع نظام الدولة، حتى أن جُلّهم تبنّى موروث إرهاب الحكومة «امشي الحيط الحيط وقول يا الله الستيرة»، الأمر الذي رفضه الزعبي بكُلّ إقدام وجسارة، ووقف بشجاعة وشدّ من أزر أولائك الخائفين، فكتبوا وندّدوا وانتقدوا، لذلك سجن هذا الكاتب المُخلص بمثابة سجن الأردنيين كُلّهم.

لذلك ومن هنا أطالب برفع حُكم السجن عن الكاتب أحمد حسن الزعبي لما فيه من ظلم على الأردني، فالزعبي هو كبش الفداء الذي تُقدّمه الحكومة بإسم قانون وُظِّف لها لكبح جماح الجموع الأردنية الداعية للإصلاح، ومُحاسبة ثُلّة صغيرة تتحكّم بمصير الأردن، الذي آل إلى ضحية التنفّذ واستغلال موارده.  

ولهذا أتضامن مع الزعبي بكُلّ ما أملك من حُرّيّة، ومن الحُرّيّة أملك عدد كلماتي وأنفاسي؛ لا تنتهي إلّا بأقدار بحجم رفع الظلم ترنو لها أُمنياتي، كما وأرجو من الأردنيين وأنا بعضهم إجلاس «نوائبهم» الذين أقرّوا قانون الجرائم الإلكترونية جلسة حقّ وعزلهم عشائريا ومناطقيا وأخلاقيا لخيانة الأمانة، لأنّهم بهذا ظلموا الأردني شرقا وغربا وطولا ولم يبقوا لهم عرضا.  

إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَاةَ

                    فَلا بُدَّ أنْ «يُقصى القَذِر»

ولا بُدَّ لِلَّيْلِ أنْ يَنْجَلِي

                       ولا بُدَّ «للنَائب أَنْ ينعَثر»

 

الثلاثاء، 1 أغسطس 2023

نداء إلى عشيرتي «العُمَرية» لرفض قانون الجرائم الإلكترونية

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  4:17 ص   قانون الجرائم الإلكترونية، الأردن بدون تعليقات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

نداء إلى عشيرتي «العُمَرية» لرفض قانون الجرائم الإلكترونية

 



دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

ندّدت عشيرة العبيدات بقانون الجرائم الإلكترونية، واتهمت الحكومة و «النوائب» الذين أقرّوا القانون بجلسة قوامها خمس ساعات بالإرتجال، واعتبروه استخفافا بالشعب وتكميم أفواههم، وافتعال أزمة وصدام مع الشعب دون مُبرّر، واستبداد وظُلم يتصادم مع حقوق الأردنيين وتطلعاتهم.

 

بيان العبيدات يفتح الباب على مصراعيه أمام الرفض المناطقي والعشائري والحزبي والنقابي والشللي والأفقي والعامودي على القانون الذي يُحجّم حُرية التعبير الإلكترونية؛ هذا يعني أنّ الحملة التي تُشنّها اللجنة التنسيقية للأحزاب والقوى السياسية والمهنية أتت أُكلها وبدأت في استقطاب حواضن ومكوّنات مُجتمعية جديدة لمُواجهة القانون والإحتجاج عليه.

 

لذلك، ومن هذا المقام ومن خلال هذه المنبر الحريّ بالأحرار، وحتى يصل النداء إلى كُلّ من يُتابعه ويرفض هذا القمع والعنجهية، واقتداء بالعبيدات وتضامنا مع الجهات التنسيقية الداعية لردّ قانون الجرائم الإلكترونية أُنادي أهلي وعشيرتي «العُمَرية» الأبيّة؛ فيهم الهامات والقامات وأصحاب الرأي السديد والبأس الشديد، كما كان جدّنا عُمر، بأن يقفوا كما وقف اخوتهم العبيدات في وجه القرارات النيابية والحكومية غير المسبوقة وغير المحسوبة، وتقديم بيان صريح ودون تلميح فصيح يرفض هذا القانون، فنفاذه يُصادر الحريات ويُهدّد بالسجن والغرامات ويُنذر بتفعيل الأحكام العرفية ويحمي السرسرية والحرامية ويئد الشفافية والجدّية، ويرفع من كُلفة وتأزيم القضايا الإجتماعية والسياسية.

كذلك أناشد عشيرتي الأردنية الكبيرة بأن لا تتوانى عن المشاركات السلمية لكفّ هذه العنتريات وكبح جموح الدكتاتورية والغطرسة الحكومية بإسم القانون وتصويت العالات البرلمانية.

وجزاكم الله سلفا خير الجزاء

الخميس، 27 يوليو 2023

الأردن بين مشروع العطارات والإحتلالات/أحمد سليمان العُمري

بسم الله الرحمن الرحيم


تكرير الصخر الزيتي في الأردن عبر شركة العطارات

أحمد سليمان العُمري/دوسلدورف

اتفاقية مشروع العطارات تضمّنت أكثر من 600 صفحة؛ لم تُعرض على البرلمان الأردني إلّا بعد قضية التحكيم، فضلا عن إخفاء قرابة 30 صفحة من الإتفاقية المعروضة.

كثُر الحديث عن «الغُبن» بإتفاقية المشروع وآخر عن تورّط الحكومة بملفّات فساد مُمنهج، ووضع عراقيل أمام تخفيض استهلاك المحروقات وفرض الضرائب على الموطن الذي يُنتج الكهرباء من الطّاقة الشمسية.

وجانب آخر يرى بأن الإخفاق في مشروع العطارات الرائد يُسجّل للحكومة فشل ذريع، ومسوّغ لتبرير استمرارية اتفاقية الغاز مع الإحتلال، فضلا عن المادّة الدسم لأولئك الذين يحترفون فكرة «المؤامرة»، فيقدّمون المشروع المُحبط بصيغة «هوليوودية» بالأحداث غنيّة، بين شركات وهميّة وأخرى علنيّة، وبنود اتفاقيات مسرحيّة؛ ليس لها مصدر غير الصدور وأوراق مُربّعة وهرميّة ودائريّة.

طروحات عديدة يصُبّ جُلها نحو فشل الحكومات المتعاقبة بإدارة مِلف الطّاقة، والبعض الآخر يختصلها بذريعة الغُبن الركيكة، وهي الأكثر تسويقا لإخفاء القصور الحكومي وعجز الأداء المؤسّسي.

هذا الطرح وذاك تُفنّده هذه المقالة بخطوط عريضة وبإختصار يسير يفي بحاجة الباحث حول مشروع وطني يحتضر.   

تصوير الإتفاقية على أنّها استعمار صيني

أثار تقرير نشرته وكالة الأنباء الأمريكية «أسوشيتد برس» الأربعاء 5 يوليو/تموز 2023 موسوما بـ «بكين تحاصر عمّان بالديون» ضجة إعلامية كبيرة حول الخلافات القانونية بين الأردن والصين، بسبب عقد الشراكة بين البلدين لـ «محطة العطارات لتوليد الكهرباء» من الصخر الزيتي.

التقرير انتشر نسخا ولصقا كالنار في الهشيم، فقد صوّر الأردن مُستعمرة مُستقبلية للصين وأسهب بشرح تفاصيل الخلاف منذ توقيع الاتفاقية حتى وصولها إلى النزاع القانوني، وقدّم المحطة على أنّها مثال لما كانت وما أصبحت عليه مبادرة «الحزام والطريق»، التي أطلقها الرئيس الصيني «شي جين بينغ» خارج الصين، تزامنا مع تعاظم نفوذ «بكين» بإعتبار سياستها نموذجا يعتمد على إثقال كاهل العديد من الدول الآسيوية والإفريقية بالديون (...) والأردن حالة مثيرة للاهتمام، ليس لنجاح الإدارة الإقتصادية الصينية في المنطقة، ولكن لكيفية انخراطها في هذه البلدان، حسب وصف «جيسي ماركس» من مركز «ستيمسون للأبحاث» في واشنطن الذي شطّ تقريره في التسييس، فقد اعتبر عمّان مدينة للصين؛ وفي إشارة أيضا إلى مُخطّطها لتشييد بنية تحتية عالمية وتعزيز نفوذها السياسي عالميّا، فضلا عن تحول «العطارات» من مشروع يُبشّر بمُستقبل مُزهر للأردن إلى شيء لا حاجة له، لا بل عالة تُكلّف الدولة المليارات بسبب اتفاقيات أخرى أبرمتها الأردن منذ إنشاء المشروع بأسعار تنافسية، حسب التقرير.

لم يقتصر الإستثمار الأردني الصيني على تحليل صحيفة يعتريه صراع القوى الإقتصادية العالمية، بل أثار حفيظة الولايات المُتحدة، حيث صرّح «ديفيد شينكر»، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط: «انتابنا بالفعل بعض القلق بشأن الديمقراطية والشفافية والفساد، لكن الدول الاستبدادية، تتوافق مع الصين وتُقرّبها منها».

بداية الخلاف

حقيقة الأزمة التي بدأت إبّان حكومة رئيس الوزراء الأردني الأسبق عمر الرزّاز وبين الصين تكمُن بموجب الصفقة المُبرمة بين الأردن وشركة العطارات للطاقة بإئتلافها الإستوني، الماليزي والصيني، والتي تُلزم الجانب الأردني بشراء الطّاقة عالية الثمن لمدة 30 عاما، ما يُسبّب خسارة أردنية بنحو 280 مليون دولارا سنويا، ويرفع كتبعة بديهية أسعار الكهرباء للمستهلكين بنسبة ١٧٪، حسب خبراء.

يعود توجيه الأنظار نحو الصين إلى مُلكية شركة «غوانغدونغ إنيرجي غروب» الصينية الحكومية للطاقة 40% من الشركة الإئتلافية، لذلك الخلاف هو ليس مع الصين بعينها كما يُقدّم إعلاميا، إنّما مع الإئتلاف، ومثل هذه الخلافات واردة، بينما ما يُروّج له من ضغوطات على الطرفين من تسييس للخلاف وتصنيفه محاولات صينية لفرض نفوذها على المنطقة سياسيا واقتصاديا من خلال الأردن، يهدف بمنهجية لإستمرار العمل باتفاقية استيراد الغاز الطبيعي من الاحتلال، وهيمنة الأخير على مقدّرات المنطقة ومواردها، فضلا عن تراجع استيراد الغاز الإسرائيلي بنسبة تصل إلى 25% بسبب إنتاج محطة العطارات، إضافة إلى توظيف الخلاف ضد الصين في إطار الصراعات الاقتصادية؛ الشيء الذي أكّدته تصريحات الإدارة الأمريكية بتصويرها عقد الشراكة الأردنية الصينية على أنّه «دبلوماسية فخ الديون».

أمّا محطة العطارات التي صُمّمت منذ نحو 15 عاما بحدّ ذاتها فكرة رائدة لتحقيق طموحات الأردن نحو الاستقلال في مجال الطّاقة؛ عكس ما يُسوّق لها رغم كُلفتها، وقد قالت وزير الطاقة والثروة المعدنية الأسبق هالة زواتي آنذاك بكُلّ فخر واستبشار في حكومتي بشر الخصاونة وعمر الرزّاز: «إنّ الجهود الأردنية تكلّلت بقصّة نجاح لأوّل مشروع لإنتاج الكهرباء من الحرق المباشر للصخر الزيتي، بسعة 460 ميغاواط، والتي تُشكّل 15% من الطّاقة الكهربائية المستهلكة بالمملكة عام 2020».

الصفقة قوبلت بالموافقة والغبطة حكوميا، ما أفضى إلى توقيع الإتفاقية عام 2014، ولكن ومع تأخُّر العمل بالمشروع أبرمت الحكومة الأردنية، مُمثّلة بوزير الطاقة الأسبق محمد حامد بنهاية العام ذاته اتفاقية مع الإحتلال بقيمة 15 مليار دولار لإستيراد كميات هائلة من الغاز الطبيعي بأسعار تنافسية، ما أدّى إلى تضاؤل الإهتمام بمحطة العطارات.

أول القصّة

بدأ اتجاه الحكومة إلى تسويق الإستثمار التجاري في قطاع الصخر الزيتي منذ عام 2006، ودُعي إثر ذلك مستثمرون وشركات عالمية مختصة وأهمها الأستونية، وبعد عامين من بدء العمل طلبت الحكومة الأردنية من الأستونيين إنشاء محطة لإنتاج الكهرباء بالحرق المباشر للصخر الزيتي، بقدرة تصل إلى 540 ميغاواط سنويا، بما يشكل نسبة 22% من الاستهلاك حينذاك.

وقرّر الأستونيون رصد ملياري دولار للاستثمار لم تدفع منها الحكومة دينارا واحدا، وبدأ العمل الذي استغرقت دراساته الجيولوجية خمس سنوات؛ وخلال الأعوام الثلاث الأولى تقريبا اتفق الجانبان على جميع تفاصيل المحطة، بإستثناء تعرفة الشّراء؛ عُلقت لحين تحديد الكُلف، بين بناء وتعدين وتمويل حتى نهاية 2013، فقدّمت شركة الأردن للصخر الزيتي؛ مُمثّلة برئيسها «أندريس انجاليج» عرضها بقيمة 8 قروش لكُلّ كيلوواط، بينما طالبتها الحكومة بتخفيض العرض مضافا إليه رسوم التعدين.

وصل الجانبان إلى طريق مسدود أفضى إلى إلغاء قانون التصديق على اتفاقية الصخر الزيتي بين الحكومة وشركة الأردن للصخر الزيتي لسنة 2009.

مماطلة الحكومة وخلافاتها مع المستثمرين تودي بالاستثمارات الضخمة بنهاية المطاف لمغادرتها.

بعض الإنجازات لا تُقدّر بثمن

للحكومة الحقّ بالحصول على أفضل سعر ممكن، ولكن ما الذي يجعلها تقبل بسعر 12 قرشا لكُلّ كيلوواط من الطّاقة الشمسية؟ فيما كانت تسعى مع الشركة الأخيرة للحصول على سعر 10 قروش، رغم أنّ السعر الذي قدّمه الأستونيون أقل بنسبة كبيرة مقارنة بالمصادر الأخرى.

بعض الإنجازات لا يُمكن تقديرها بثمن، فالمفاوضات التي تفتقد الموضوعية لا يتمخّض عنها سوى هروب المستثمر، وهو في أغلب الأحيان مصدر التمويل الوحيد، فضلا عن حداثة الفكرة ومخاطرها، إذ أنّها لم تكن موجودة إلّا في أستونيا، إضافة إلى النفع الذي لا يتوقف عند تخفيض طفيف على السعر، بل بتوفير احتياجات البلد من الطّاقة ومن مصادرها المحلّية، وهو الذي تفتقده الأردن، وعوضا عن ذلك تدفع الحكومة قرابة 5 ملايين دولار مع كل طالع شمس، حسب تصريح للزواتي في ذلك الوقت.

التعنّت ووضع غير أهل الإختصاص بغير مكانهم يحول دون تطور قطاع الطّاقة في البلاد.

الحقيقة أنّ توقيع الإستثمار الإئتلافي بحصة الأسد الصينية في الأردن أزعج الإدارة الأميركية، فضغطت واشنطن على الحكومة الأردنية لتوقيع اتفاقية استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل كصفعة لبكين، غير أن الأردن هو الذي «لمع خدّ»" منها وليست الصين.

قضيّة التحكيم

تأجُّج الأزمة بين الأردن والصين بعد قيام حكومة الرزّاز بالطعن في بنود الصفقة والدخول في معركة قانونية تحكيمية بغرفة التجارة الدولية في باريس، استنادا في الدعوى إلى ادعاء «الغُبن الفاحش» باتفاقية شراء الطّاقة من العطارات، ولغايات إصدار حكم بوجود «الغبن» في التعرفة الكهربائية وتحديد مقداره، وتقرير حق شركة الكهرباء الوطنية بفسخ العقد، ما لم تتم إزالة الغبن، فضلا عن المطالبة بعدم تغريم عمّان في حالة عدم التزامه ببنود العقد، جرّاء الخسائر الجسيمة غير المدروسة، إذ سيتعين على الأردن سداد 8.4 مليارات دولار لبكين خلال 30 عاما، مقابل شراء كهرباء المحطة، في حال استمرار الاتفاقية الموقّعة للمشروع.

تقف الآن الحكومة؛ مُمثّلة بشركة الكهرباء الوطنية أمام جُملة من الشروط الصعبة في بنود الإتفاقية، أبرزها خسائر سنوية على الخزينة تُقدّر بـ 200 مليون دينار، إضافة إلى كميات كبيرة من الطّاقة الكهربائية الفائضة عن حاجة المملكة.

 كان من المُقرّر لهذا المشروع الرائد، الذي بدأت أعمال الإنشاء والبناء فيه منذ آذار/مارس عام 2017؛ بكلفة 2.2 مليار دولار حسب التقريب لتنفيذه، وقيل أنّه سيوظّف ما يقارب 3500 من الكفاءات الوطنية  في مختلف التخصّصات، كان من المُمكن أن يكون المصدر الرئيسي للطاقة في البلاد، والذي وُصف أردنيّا في السابق بالتاريخي.

لم تكن قضية التحكيم والمواجهة الحكومية السبب الوحيد وراء إيقاف المشروع الذي تجمّد العمل به مطلع أبريل/نيسان من عام 2020، إنّما استمرار العمل باتفاقية الغاز الطبيعي مع الاحتلال.

الإلتزام بالقضيّة الفلسطينية

الفكرة ليست بنود الإتفاقية الأردنية الصينية، إنّما بعجز الحكومة الأردنية وعدم رغبتها بتحقيق أي إنجاز يكفل لها الإستقرار كدولة على المدى البعيد، وعوضا عن ذلك آثرت «تسليم رقبتها» للعدو وسيطرته على الأردن لمُدّة 15 عاما، وإلّا فإن النزاع يمضي بإجراءات قانونية ستُفضي في النهاية إلى تسوية منصفة للطرفين، وعليه فإنّ تسييس الصفقة واستخدامها كمادّة إعلامية موجّهة ضد الصين في إطار الصراعات الاقتصادية بين الدول الكبرى، ولخدمة مشروع هيمنة الاحتلال على مُقدّرات المنطقة ومواردها غير منطقي ولا يُستصاغ ولا يقبله الشارع الأردني؛ فمن الجانب الأول استقلالية الدولة بمُقدّراتها ومن الآخر عملا بالدين والعروبة وتضامنا مع أهلنا في فلسطين المُحتلّة.


السبت، 25 مارس 2023

سبعون عاما والفلسطيني بين تخاذل القِمم وتعاظُم الهِمم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

سبعون عاما والفلسطيني بين تخاذل القِمم وتعاظُم الهِمم



دوسلدورف /أحمد سليمان العُمري

الدول العظمى والفاعلة عالميا تنادي بالحقوقية والمساواة؛ حقّ المرأة وحماية المثلية، التي يروّج لها بشكل لافت، وحُرّيّة التعبير ورفض القمع ومُحاسبة الأنظمة البوليسية بالحصار وكُلّ ما يتبعه من آليات لتحجيم دورها بالوقوف في وجه الإنسان وكرامته، ولكن تقف كُلّ هذه القرارات واللوائح؛ غير قابلة للتفاوض، والمُسلّمات والقناعات عند حدود دولة الإحتلال الإسرائيلي، فتختلف المعايير رأسا على عقب، فتُصبح الإنتاهاكات والقتل المُمنّهج والمجازر دفاعا عن أمن الدولة، وتؤول المطالبة بإنهاء الإحتلال إلى خطابات تسويقية بين رفض للعنف وحلّ الدولتين؛ لا تُسمن ولا تُغنِ من جوع؛ تأخذها الأنظمة المُطبّعة نسخا وتُلصقها على »قفا« الشعوب لتعميم الوهم جبرا.

 

جنين ومُخيّمها

منذ مطلع العام الحالي وحكومة «بنيامين نتنياهو» اليمينية تمارس القمع والقتل في الضّفّة الغربية؛ متعمّدة التصعيد والمواجهات ومتجاهلة كُلّ الدعوات الدولية والإقليمية للتهدئة، وسط تحذيرات من نشوب إنتفاضة جديدة أكثر شراسة من إنتفاضة 2002.

لقد آلت جنين ونابلس إلى كُتل نارية مؤجّجة تُؤرّق المنظومة الأمنية الإسرائيلية، فضلا عن القدس الشرقية، فقد قتلت المقاومة 14 إسرائيلياً في عمليات مُتفرّقة، بالمقابل أسفر التعطّش للدم الفلسطيني، الذي لا يهدأ عن إرتقاء 81 ونيّف شهيداً؛ آخرهم مُنفّذ عملية تل أبيب، الذي أصاب 5 أشخاص في إطلاق نار مساء يوم الخميس بشارع «ديزنغوف» وسط المدينة، بينهم اثنان في حالة حرجة، واستشهاد مُنفّذ العملية، البطل الصنديد مُعتز الخواجا، في حين صرّحت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بمسؤليتها عن العملية كردّ على جرائم الإحتلال والإعدامات الميدانية في بلدة «جبع» ومدينة جنين، والتي لا تتوانى عن قتل الأطفال أيضاً، وتوعدّت بمزيد من الضربات الموجعة.

قبل أيام اقتحم جيش الإحتلال جنين ومخيمّها بأعداد كبيرة، قُدّرت بنحو 40 آلية عسكرية مدعومة بقوات خاصّة؛ تسلّل جنودها إلى مخيم جنين بزي مدني، وحاصروا المنازل في شرق المخيّم، وقُصفت بعضها بالصواريخ، وبمشاركة مروحيّات ومسيّرات، راح ضحيتها 6 فلسطينيين وأصيب آخرون.

لقد سبق هذا الإقتحام الدموي مذبحة نابلس حصدت 11 شهيدا وإصابة 101 فلسطيني؛ أعقبها مجازر أخرى لا تقلّ دموية عن الأولى، تلتها بأربعة أيام قمّة العقبة الأمنية، والأصحّ قمّة العار، التي بدأ العمل بأوراقها يوم الأحد 26 فبراير/شباط، رافقها رفض شعبي واسع، وإعلان 11 فصيلاً فلسطينياً عدم المشاركة، إضافة إلى استمرار الجرائم الإسرائيلية أثناء انعقادها، الأمر الذي يدعو إلى الحنق باستخفاف الحكومة الإسرائيلية بالشعوب والقادة المشاركين في القمّة، ما يدلّ على انفصالها عن الواقع، فضلا عن رغبة الإحتلال بهذه الخطوة إضافة نصر جديد؛ ممثّلا بإلزام السلطة والدول المشاركة بتقديم ضمانات جديدة لحماية أمن إسرائيل بجهود عربية.

إرتهان ساذج للوعود الإسرائيلية الأمريكية، وكلاهما تجاه القضية الفلسطينية سواء.

أثناء اجتماع العقبة في الأردن، الذي جمع السلطة الفلسطينية، مصر والأردن مع الوفد الإسرائيلي، ورّدت عملية «حوّارة» في نابلس قلوب الفلسطينيين المكلومة، التي نفّذها الشهيد عبد الفتاح خروشة؛ تمخّض عنها هلاك إسرائيليين اثنين، ليرُدّ المستوطنون بحرق حوّارة بحماية جيش الإحتلال، ليتبعه تصريح وزير المالية الإسرائيلي «بتسلئيل سموتريتش»: «يجب أن تُمحى حوّارة»، بينما في الأثناء كان القادة العرب مجتمعون بالوفد الإسرائيلي بذريعة تهدئة الأوضاع؛ يحتسون القهوة، ولا أستبعد المناسف؛ تخلّلها نقاشات ودّيّة، وأقصى ما توصّلت إليه الإدارة الأمريكية تجاه ذلك التنديد، هو وصفها تصريحات وزير المالية بالمقيتة والمقزّزة، ليُترجم هذا المقت وزير الدفاع الأمريكي بزيارة لإسرائيل لتقديم التعهّدات «لنتنياهو»، فقد صرّح «لويد جيمس أوستن» في مؤتمر صحفي بأنّ بلاده مُلتزمة بأمن إسرائيل أكثر من أي وقت مضى.

رفض هنا وتنديد هناك، وتنفيذ مفقود وزركشات بتقريع مضروب؛ تمنح الإحتلال المسعور تحرُّك لإرتكاب المجازر غير المشروط.

 

قمّة العقبة

مضى عقدان على قمّة العقبة الأولى؛ عُقدت في يونيو/حزيران 2003، التي استضافتها الأردن وجمعت الرئيس الأميركي «جورج بوش»، برئيسي الوزراء الإسرائيلي الهالك «أرييل شارون» والفلسطيني محمود عباس ومشاركة مصرية، تحت رعاية الملك عبد الله الثاني لبحث تنفيذ خطّة سلام؛ عُرفت بإسم «خارطة الطريق»، والتي غيّبت عنها بإرادة دولية وإسرائيلية ياسر عرفات لدعمه لإنتفاضة الأقصى آنذاك، فأشركت محمود عباس بدلا منه، لإستعداده مجابهة المقاومة، وهو التوقّع الذي أصاب نهج الأخير منذ توليه الرئاسة حتى اللحظة.

 

في الأثناء تفاقمت الأصوات الإسرائيلية المتطرّفة جرّاء العمليات الفلسطينية الرّادعة المشروعة المبرّرة ردّا على قتل جيش الإحتلال المُمنهج في جنين ومخيّمها ونابلس منذ مطلع العام الجديد؛ تجسّدت بالتفاهمات مع السلطة في قمّة العقبة، وأفضت إلى استمرارية ممارسات العنف أمام الصمت العالمي والعربي.

لقد جاءت سياسة الحكومة الإسرائيلية بالعنف وبضراوة لتضليل الإستحقاق السياسي مواتية لمعارضة الشارع الإسرائيلي للاحتجاج وشلّ الحركة في عدّةّ مدن، خاصّة في تل أبيب وإغلاق الطريق إلى مطار «بن غوريون»؛ محاولة لمنع سفر نتنياهو إلى إيطاليا كتبعة لخطّة الأخير وإحداثه تغييرات في الجهاز القضائي، من شأنها تقويض القضاء والمحكمة العليا بغرض إلغاء محاكمته بتهم فساد وخيانة الأمانة.

فضلا عن إرجاء النُخب السياسية الاتفاق السعودي الإيراني، الذي رعته الصين إلى فشل كبير؛ يُسجّل لنتنياهو بعزل إيران والحدّ من برنامجها النووي، إضافة إلى اعتبار الإتفاقية إنعكاسا لعدم ثقة دول المنطقة بالإدارة الأمريكية.

 

الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة لم تُثر الحنق في الشارع العربي فحسب، إنما عند قادة الإحتلال أيضاً، فقد وصف «يائير لابيد» «بن غفير» بـ: «وزير التيك توك والساندويتشات (...) لقد اختلطت عليه الأمور من جديد (...) هذه أكثر الحكومات جنوناً في تاريخ إسرائيل»، وذلك بعدما أصدر الأخير تعليماته للشرطة بألّا تسمح بإغلاق الشوارع من قِبل المتظاهرين، واصفاً إياهم بالفوضويين.

 

بنود القمّة

الهدف الرئيس من وراء قمّة العقبة وبدون مواربة وتزيين للواقع الأكثر من المؤلم؛ يعيشه الفلسطيني وحده، هو نصر إضافي للإحتلال بدعم عربي دون ضمانات وتسليم ملف المقاومة وإخمادها إلى السلطة لتقوم بالعمل الذي أخفق به جيش الإحتلال أمام المقاومة الضروس والذود عن الأرض والعرض من أجل نيل الحرّيّة.

أهم ما أفضت إليه القمّة هي مجموعة بنود رنّانة؛ نسخ لأي إتفاق سابق، لن يلتزم به الإحتلال، ويُلزم السلطة بالمقابل بكبح جموح المقاومة بالتعاون مع مصر والأردن، منها:

1.       الوصول لصيغه أمنية تعاونية بين إسرائيل والأطراف المشاركة.

2.       تشكيل هيئة، أشبه بنظام عسكري استراتيجي دفاعي لدعم تعاون مشترك يجمع مصر، الأردن، السلطة وإسرائيل.

3.       تعمل مصر على متابعة تنفيذ عناصر المقاومة الفلسطينية في غزّة، بما يُسمّى «بالصبر الاستراتيجي».

4.       شراكة أردنية مع السلطة لرصد نشاط قيادات المقاومة وأسمائهم، فضلا عن متابعة الخلايا الفلسطينية النائمة. مُصطلح مُسيء؛ استخدمه الغرب لتبرير إدانة أي مسلم بذريعة الإرهاب بعد هجمات «11 سبتمبر»، والمقصود به في هذا السياق فلسطينيو الداخل، لعزلهم بمسوّغ العمليات الوارد تنفيذها في إسرائيل.

5.       خطّة «مايكل ڤينزل» لإستبدال قوات الإحتلال بـ ٥٠٠٠ من قوات أمن السلطة لمجابهة المقاومة في جنين ونابلس.

 

الفلسطيني سئم ضعف السلطة وعجز الجيلين الماضيين، التي أصابهما الوهن واعتراهما التواطؤ، فقد اختار الإنتفاضة والحرّيّة بدلا من الإنهزام المتكرّر من سلطة لم تمثّله البتّة، لا بل تُمنيه بالإخفاق المتواصل وخيبة الأمل، كما هو الحال الآن في قمّة العار، والمآل الذي وصلت إليه بتضامن من قادة المنطقة العرب؛ حضروا مع  المفاوض الإسرائيلي إلى العقبة لإضفاء الشرعية على مصادقة ١٠٠٠ مستوطنة في الضّفّة باعتبارها «روابط قرى جديدة»، إضافة إلى «تنظيف» الضّفّة من الإرهابيين - على حدّ وصفهم - بعدما عجزت هي عن مقاومتهم.

 

بيت القصيد

الآن وبعد أنّ أفصح الصبح بإلتفاف الأنظمة العربية على القضية الفلسطينية بمساهمتها لإضعاف الفلسطيني المقاوم وكسر ظهره بالإتفاقيات التطبيعية، وتقديم المواثيق للإحتلال بالإلتزام من جديد؛ لا يُقابله غير نكوث للعهود وغطرسة مُدّعمة عالميا.

وقاصمة الظهر الأخيرة كلمة »بتسلئيل سموتريتش «فيباريس؛ ألقاها على منبر أظهر خارطةإسرائيل؛ تضُمّ الأردن كُلّها وبعض السعودية.
في ظل الاتفاقيات الإذلالية وصمت الخارجية الأردنية وتواطؤ الأنظمة العربية، وتعاطف الحكومات الغربية مع السيناريوهات الصهيونية الاستخفافية، وتلاقي المصالح الأمنية والإقتصادية والعنصرية والإزدرائية، وتحالفات القوى العنجهية، فلا ضير أن يُنكر وزير المالية الإسرائيلية كلّ الشعوب العربية، واستدارة «البندورة» والبرتقالة الفلسطينية، أو يعتبرهم «بطيخا» في المزارع الإسرائيلية.

أنظمتنا لا تُتقن استثمار الفرص، فكما أخفقت بإدانة الغرب وإتخاذ موقف حاسم لإزدواجية المعايير مطلع الحرب الروسية الأوكرانية، تفشل مجدّدا بعدم استثمار الإنقسام والإنهيار داخل دول الإحتلال غير المسبوق، فضلا عن فشل الحكومة الحالية بتنفيذ وعودها بإقصاء إيران ومشروعها النووي؛ يحتاج إلى وقفة ولاء والبقاء على الميثاق لهدم الدولة ضعيفة الأركان الآن، ولكن يبدو أن العجز تمكّن من الحكومات العربية فاحترفت الوهن واختارت  الاستسلام والانهزام بدلاً؛ فوافق ذلك مصالح قادتها الشّخصية على حساب الشعوب ومُستقبل الأمّة وقرارتها المصيرية.

وفي هذا المقام أستحضر قول الشّاعر أمل دنقل

هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟              أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء

تلبس فوق دمائي ثياباً ُمطرَّزَةً بالقصب؟      إنها الحربُ، قد تُثقل القلب

لكن خلفك عار العرب... لا تصالح            ولا تتوخَّ الهرب

الجمعة، 6 يناير 2023

أضرب الأردني فاتّهموه بالمؤامرة

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  11:10 ص   بدون تعليقات

بسم الله الرحمن الرحيم


أضرب الأردني فاتّهموه بالمؤامرة





دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

سيناريو مُتكرّر ركيك، أصبح مدعاة للسخرية والحنق في ذات الآن، لإنهاء إضراب سائقي الشاحنات والإضرابات الأخرى المتضامنة معها والمطالبة أيضاً بذات الحقوق المشروعة، أوّلها شرعية الإضراب بدلاً من تجريمها، أو إقحامها بثورات الجوار والربيع العربي الذي التفّت عليه هشاشة الأنظمة لمواجهتها بأسوار من الهراوات والقمع ووصفها بالمؤامرات، بدلاً من إحتوائها والتفاوض والإلتقاء معها لتحقيق مطالبها التي تُنصف المواطن ولا تجور على ميزانية الدولة المسروقة.

إضراب سائقي الشاحنات

أعلنت نقابة أصحاب الشاحنات والنقل البرّي في 4 ديسمبر/كانون الأول الحالي إضراباً عن العمل ليتوسّع إلى حافلات النقل العام وأصحاب التاكسي وسيارات الأجرة والنقل عبر التطبيقات الذكيّة، وحافلات المدارس، مطالبين بخفض أسعار المشتقّات النفطية ورفع أجور النقل، وتعنّت الدولة بالمقابل وتمسّكها بأسعار المحروقات وضريبتها، والوضع المتأزّم لأصحاب الشاحنات البالغ عددها نحو 21 ألف، وفق هيئة تنظيم النقل البري الحكومية في الجانب الآخر، هذا لأنّ الديزل يُشكّل 40 بالمائة من الكلفة في قطاع النقل العام؛ الأمر الذي يجعل إفلاس المصالح الصغيرة مهدّدة بالإقتران مع إرتفاع أسعاره، التي تفوق قدرة المواطن، كذلك أسعار قطع الغيار والزيوت والإطارات.

لقد تأثّر هذا الإرتفاع عالمياً، إضافة إلى ارتفاع أسعار سلاسل الإمداد والتأمين والتخزين، وهي الكلفة الإضافية على المشتقّ نفسه والضريبة المفروضة عليه.

إعادة النظر بضرائب المحروقات، تخفيضها أو تجميدها لمدّة محدودة - وهو ما حصل بأمر ملكي السبت 1 يناير/ كانون الثاني على «الكاز» بعد إخفاق الحكومة من احتواء الأزمة - ووضع سقف لأسعارها، وبالضرورة معالجة التشوّهات لإختلاف التكلفة بين الشركات هي الحلّ المثالي للخروج من المعضلة الحالية، إلى أن ينخفض السعر العالمي.

والجدير بالذكر أنّ أسعار المحروقات في الأردن بالمرتبة الرابعة عربياً، رغم الأسعار التفضيلية التي تحصل عليها الدولة، وأحياناً بسعر «البلاش»، لا بالعكس؛ آخذة بالإرتفاع، فمنذ عام 2020 وصلت إلى 36 بالمائة.

واللافت للنظر رفع الحكومة الأسعار رغم إنخفاضها في نوفمبر/تشرين الثاني مقارنة بالشهر الذي سبقه، أكتوبر/تشرين الأول، ومع حلول الشتاء، ليجتمع على الأردني «المستوي» البرد والفقر.

حلول ألمانية

الطرح الآنف ذكره حول خفض ضريبة المحروقات سبق وطبّقتها ألمانيا في العام الماضي، تزامناً مع وصول النفط لأرقام قياسية، فقد عملت على برامج عدّة؛ أهمّها تخفيض أسعار المحروقات 30 بالمائة لمدة ثلاثة شهور، فضلا عن طرح تذكرة المواصلات بقيمة 9 يورو للشهر الواحد لجميع انحاء ألمانيا طيلة الشهور الثلاثة، وتفعيل ذات الفكرة لهذا العام بدءاً من ربيع أول/مارس بقيمة 49 يورو وتسمّى «تذكرة 49» أو «تذكرة ألمانيا» لمدّة عامين تماشياً مع إرتفاع نسبة التضخّم في الدولة.

الحلول موجودة إذا حضرت رغبة الحكومة الأردنية، وهذه الأمثلة تُحاكي ذات الأزمة، ولا أقدّم ألمانيا كمقارنة مجحفة مع الأردن، إنّما وصفات نجحت وتغلّبت على إرتفاع أسعار المحروقات الأعلى في تاريخ الدولة لمساعدة المواطن واحتواء الغضب الشعبي.

إضراب الشاحنات والنقل والمطالبات أيضاً بتحسين الطرق المؤدّية إلى مناجم الرشيدية، والشارع الخلفي المخصّص للشاحنات في العقبة يُسبّب لا محال خسائر ضخمة للعديد من القطاعات؛ على رأسها القطاع الصناعي، والصادرات الصناعية الأردنية، التي حقّقت نمواً كبيراً منذ بداية العام الحالي، وحسب مسحٍ أجرته غرفة صناعة عمّان في الأيام الأولى من الإضراب فإنّ 160 شركة صناعية لديها 1200 حاوية مدخلات إنتاج عالقة في العقبة، وما يقارب من 750 حاوية تنتظر النقل للتصدير.

 ولهذا يبقى الإضراب الأداة الوحيدة لإخضاع الحكومة لمطالب المواطنين المشروعة، ويُحسب هذه المرّة بالدرجة الأولى لمدينة معان وجنوب الأردن؛ استطاع كشف عورة الحكومة ليتفاعل الملك بدلاً منها.

اجتماعات  الكيك  والقهوة

لم تُفلح المحاولات الحكومية الخجولة والبرلمانية الركيكة لإنهاء الإضراب، فعلى المستوى البرلماني ومجلس الأعيان تصريحات لا تتجاوز الحنجرة، يرافقها فنجان قهوة وقطعة «كيك» بضرورة إبتعاد الحكومة عن جيب المواطن، وخلق قنوات حوارية بين جميع الأطراف ذات العلاقة، وإدراك المجلس بحجم الضغوطات الإقتصادية والمعيشية التي يعانيها المواطن؛ تزاحمها عدم جديّة الطرح وتقييم الأزمة والعمل عليها بإحترام سيادة القانون وأمن الوطن واستقراره.

خطابات تسويقية لا ترقى وحجم الأزمة الحقيقية التي تعانيها البلاد والمواطن في ذات الآن، قد تصلُح لصلحة عشائرية أو دعاية انتخابية، أو خطاب دوري لوزير يدعو فيه لتعزيز دور المرأة ليوهم الشّعب بنشاط وزارته.

عدم جدّية الحكومة بالتعامل مع الأزمة جعلها تُقدّم رجال الأمن العام لمواجهة الإضرابات السّلميّة، فجعلت منها بيئة خصبة لدخول الخارجين عن القانون ومهربي المخدرات المطلوبين بينهم، الشيء الذي خلّف مع الأسف بداية مقتل العقيد الدكتور عبد الرزاق الدلابيح، نائب مدير شرطة مدينة معان، الأمر الذي دعا لتحرّك الجهات الأمنية لمداهمة المكان المتواجد فيه المتّهمين، وبدلاً من اعتقال القاتل وتقديمه للمحاكمة وسماع دوافعه وذرائعه خلّف قبل أن تُنحّيه القوات الأمنية ثلاثة ضُبّاط بعمر الورد، رحمهم الله وصبّر ذويهم.

تفاقم الإضراب

تطوّرت هذه الأحداث تزامناً مع تفاقم وتيرة الإضراب، التي استجاب لها مواطنو المملكة، ودعوة خرجت من مدينة الكرك جنوبي الأردن، من المجلس البلدي لإضراب يوم الإثنين 19 ديسمبر/ كانون الأول، بالرغم من الضغوطات الرامية لتأجيلها، أو إلغائها بأحسن حال.

شمل الإضراب أيضاً معظم محافظات البلاد إن لم تكن كلّها، حيث أُغلقت المحال التجارية في الكرك ومعها بعض المدن الأخرى استجابة للإضراب وتنديداً بنهج الدولة برفع السلع وغلاء المعيشة عامّة والمحروقات، رافقتها مُطالبات برحيل الحكومة.

ومع تعالي الأصوات والمناشدات التضامنية للمحافظات الأخرى لإضراب يوم الإثنين، التي انطلقت من الكرك، بدأت معها مساء الأحد على ما يبدو اعتقالات احترازية، طالت الشيخ ياسر أحمد آل خطّاب، والناشط السياسي ورئيس بلدية معان الأسبق، المهندس ماجد الشراري، الذي أوقفه مُدّعي عام عمّان أسبوعا في سجن ماركا بتُهمة مقاومة رجال الأمن وإثارة النعرات وتهم بالإرهاب كافيه لإعدامه، أو سجنه بأخفّ الحالات مؤبّد.

تُهم مُعلّبة مُتناسخة جاهزة سهلة لتقديمها لأيّ شخص يُمارس حقّه في التعبير عن رأيه.

خانة اليّك

أصبحت الحكومة بعد مقتل العقيد الدلابيح مضطرّة للتفاعل، وهو مطلب وطني وشعبي وضرورة حتميّة لمواجهة العنف ضد رجال الأمن الأوفياء، لكنّها وجدت نفسها في «خانة اليّك»؛ مطالب عشيرة الدلابيح بني حسن، وهي العشيرة الأكبر في الأردن من الحكومة بالقاتل، وعلى الضّفّة الأخرى الإضراب الآخذ بالتفاقم حينذاك، وإذا بالخلايا الإرهابية هي ضالّة الحكومة، فقد فُجعنا صبيحة الإثنين 19 ديسمبر/ كانون الأوّل من العام الماضي بمقتل ثلاثة ضُبّاط أثناء مداهمة قوة أمنيّة خاصّة لخلية إرهابية في منطقة الحسينية بمحافظة معان، «بعد أن قادت التحقيقات، التي قام بها الفريق التحقيقي المكلّف بحادثة استشهاد العميد الدلابيح، وحصر الإشتباه بمجموعة من أصحاب الفكر التكفيري»، حسب المصادر الرسمية الأردنية، التي لا يثق بها أردني.

في الأثناء، قبل مقتل الضُبّاط وبعد مقتلهم - رحمهم الله - انتشرت الأخبار محلياً وعربياً عن ثورة ومؤامرة ضد الأردن، وعلى مستوى الإعلام الرسمي أو ذاك الذي يتحدّث بإسم الجهات الحكومية وبرسم الرسمي، وكأنّ المطالبة بالحقّ آلت إلى تواطؤ على الدولة؛ تستدعي حصراً تضامناً عربياً، كون الأمم الأخرى تعتبر حرّيّة التعبير أحد أهم ركائزها.

ما يدور الآن في الأردن ليس ثورة كما يروّج لها، ولا فوضى أو مؤامرة كما تستثيرها الحكومة لتقلب الطاولة على الشعب، لتساومه على قبول التنفّع والتنفّذ والتهالك الإقتصادي والتعليمي والصّحّي وحياة الإملاق، وبطالة تتزايد، حتى بلغت الأطباء والمهندسين والأكاديمين أصحاب الشهادات العليا، مقابل العيش الآمن ومصادرة الحرّيّات وتكميم الأفواه، لممارسة نظام بوليسي مقيت بذريعة التآمر.

ما يدور الآن هو إضراب مشروع، وحقّ يُمارسة المواطن رفضاً لأداء الحكومة المهترئ وأسعار المحروقات التي فاقت قدرة المواطن، وكردّة فعل حكومية تقابله بالدروع الأمنية؛ يختبؤون وراءها السّاسة وأصحاب القرار، بدلاً من الجلوس معهم للتفاوض بمدنيّة.

عندما أضربت المؤسّسات الطبية الألمانية العام الماضي ثلاثة شهور لم يُجابههم أحد ولم يُتّهموا بالتآمر على الدولة، لا بل بالعكس؛ وقفت وراءهم النقابة والمؤسّسات المدنية والإعلامية، فلماذا في الأردن والدول العربية؟

Ahmad.omari11@yahoo.de

Back to top ↑

كلمات من العمري

في بداية خطابي أشكر زائريّ ممن بحث عني بأسمي أو دخل منزلي صدفة فراق له البقاء. وجزيل شكري لكل أصدقائي وأحبتي ممن يعملوا في الخفاء لنشر كلماتي دون تقديم أشخاصهم، إيمانهم بها أو بي وإن زل قلمي حيناً يقينهم إذعانَ قلبي وعقلي لها. لقد ترددت كثيرا قبل أن أفتح هذا الباب الذي عمل عليه صديقي الأستاذ أنس عمرو وصديقي الدكتور ضياء الزعبي - جزاه الله كل الخير- ولم يتركني حتى كَمُل على وجه رضيناه للأخوة القراء الكرام ... المزيد
كن على تواصل واتصال معنا

© 2018 أحمد سليمان العمري.
Design By: Hebron Portal - Anas Amro .