الجمعة، 6 يناير 2023

أضرب الأردني فاتّهموه بالمؤامرة

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  11:10 ص   بدون تعليقات

بسم الله الرحمن الرحيم


أضرب الأردني فاتّهموه بالمؤامرة





دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

سيناريو مُتكرّر ركيك، أصبح مدعاة للسخرية والحنق في ذات الآن، لإنهاء إضراب سائقي الشاحنات والإضرابات الأخرى المتضامنة معها والمطالبة أيضاً بذات الحقوق المشروعة، أوّلها شرعية الإضراب بدلاً من تجريمها، أو إقحامها بثورات الجوار والربيع العربي الذي التفّت عليه هشاشة الأنظمة لمواجهتها بأسوار من الهراوات والقمع ووصفها بالمؤامرات، بدلاً من إحتوائها والتفاوض والإلتقاء معها لتحقيق مطالبها التي تُنصف المواطن ولا تجور على ميزانية الدولة المسروقة.

إضراب سائقي الشاحنات

أعلنت نقابة أصحاب الشاحنات والنقل البرّي في 4 ديسمبر/كانون الأول الحالي إضراباً عن العمل ليتوسّع إلى حافلات النقل العام وأصحاب التاكسي وسيارات الأجرة والنقل عبر التطبيقات الذكيّة، وحافلات المدارس، مطالبين بخفض أسعار المشتقّات النفطية ورفع أجور النقل، وتعنّت الدولة بالمقابل وتمسّكها بأسعار المحروقات وضريبتها، والوضع المتأزّم لأصحاب الشاحنات البالغ عددها نحو 21 ألف، وفق هيئة تنظيم النقل البري الحكومية في الجانب الآخر، هذا لأنّ الديزل يُشكّل 40 بالمائة من الكلفة في قطاع النقل العام؛ الأمر الذي يجعل إفلاس المصالح الصغيرة مهدّدة بالإقتران مع إرتفاع أسعاره، التي تفوق قدرة المواطن، كذلك أسعار قطع الغيار والزيوت والإطارات.

لقد تأثّر هذا الإرتفاع عالمياً، إضافة إلى ارتفاع أسعار سلاسل الإمداد والتأمين والتخزين، وهي الكلفة الإضافية على المشتقّ نفسه والضريبة المفروضة عليه.

إعادة النظر بضرائب المحروقات، تخفيضها أو تجميدها لمدّة محدودة - وهو ما حصل بأمر ملكي السبت 1 يناير/ كانون الثاني على «الكاز» بعد إخفاق الحكومة من احتواء الأزمة - ووضع سقف لأسعارها، وبالضرورة معالجة التشوّهات لإختلاف التكلفة بين الشركات هي الحلّ المثالي للخروج من المعضلة الحالية، إلى أن ينخفض السعر العالمي.

والجدير بالذكر أنّ أسعار المحروقات في الأردن بالمرتبة الرابعة عربياً، رغم الأسعار التفضيلية التي تحصل عليها الدولة، وأحياناً بسعر «البلاش»، لا بالعكس؛ آخذة بالإرتفاع، فمنذ عام 2020 وصلت إلى 36 بالمائة.

واللافت للنظر رفع الحكومة الأسعار رغم إنخفاضها في نوفمبر/تشرين الثاني مقارنة بالشهر الذي سبقه، أكتوبر/تشرين الأول، ومع حلول الشتاء، ليجتمع على الأردني «المستوي» البرد والفقر.

حلول ألمانية

الطرح الآنف ذكره حول خفض ضريبة المحروقات سبق وطبّقتها ألمانيا في العام الماضي، تزامناً مع وصول النفط لأرقام قياسية، فقد عملت على برامج عدّة؛ أهمّها تخفيض أسعار المحروقات 30 بالمائة لمدة ثلاثة شهور، فضلا عن طرح تذكرة المواصلات بقيمة 9 يورو للشهر الواحد لجميع انحاء ألمانيا طيلة الشهور الثلاثة، وتفعيل ذات الفكرة لهذا العام بدءاً من ربيع أول/مارس بقيمة 49 يورو وتسمّى «تذكرة 49» أو «تذكرة ألمانيا» لمدّة عامين تماشياً مع إرتفاع نسبة التضخّم في الدولة.

الحلول موجودة إذا حضرت رغبة الحكومة الأردنية، وهذه الأمثلة تُحاكي ذات الأزمة، ولا أقدّم ألمانيا كمقارنة مجحفة مع الأردن، إنّما وصفات نجحت وتغلّبت على إرتفاع أسعار المحروقات الأعلى في تاريخ الدولة لمساعدة المواطن واحتواء الغضب الشعبي.

إضراب الشاحنات والنقل والمطالبات أيضاً بتحسين الطرق المؤدّية إلى مناجم الرشيدية، والشارع الخلفي المخصّص للشاحنات في العقبة يُسبّب لا محال خسائر ضخمة للعديد من القطاعات؛ على رأسها القطاع الصناعي، والصادرات الصناعية الأردنية، التي حقّقت نمواً كبيراً منذ بداية العام الحالي، وحسب مسحٍ أجرته غرفة صناعة عمّان في الأيام الأولى من الإضراب فإنّ 160 شركة صناعية لديها 1200 حاوية مدخلات إنتاج عالقة في العقبة، وما يقارب من 750 حاوية تنتظر النقل للتصدير.

 ولهذا يبقى الإضراب الأداة الوحيدة لإخضاع الحكومة لمطالب المواطنين المشروعة، ويُحسب هذه المرّة بالدرجة الأولى لمدينة معان وجنوب الأردن؛ استطاع كشف عورة الحكومة ليتفاعل الملك بدلاً منها.

اجتماعات  الكيك  والقهوة

لم تُفلح المحاولات الحكومية الخجولة والبرلمانية الركيكة لإنهاء الإضراب، فعلى المستوى البرلماني ومجلس الأعيان تصريحات لا تتجاوز الحنجرة، يرافقها فنجان قهوة وقطعة «كيك» بضرورة إبتعاد الحكومة عن جيب المواطن، وخلق قنوات حوارية بين جميع الأطراف ذات العلاقة، وإدراك المجلس بحجم الضغوطات الإقتصادية والمعيشية التي يعانيها المواطن؛ تزاحمها عدم جديّة الطرح وتقييم الأزمة والعمل عليها بإحترام سيادة القانون وأمن الوطن واستقراره.

خطابات تسويقية لا ترقى وحجم الأزمة الحقيقية التي تعانيها البلاد والمواطن في ذات الآن، قد تصلُح لصلحة عشائرية أو دعاية انتخابية، أو خطاب دوري لوزير يدعو فيه لتعزيز دور المرأة ليوهم الشّعب بنشاط وزارته.

عدم جدّية الحكومة بالتعامل مع الأزمة جعلها تُقدّم رجال الأمن العام لمواجهة الإضرابات السّلميّة، فجعلت منها بيئة خصبة لدخول الخارجين عن القانون ومهربي المخدرات المطلوبين بينهم، الشيء الذي خلّف مع الأسف بداية مقتل العقيد الدكتور عبد الرزاق الدلابيح، نائب مدير شرطة مدينة معان، الأمر الذي دعا لتحرّك الجهات الأمنية لمداهمة المكان المتواجد فيه المتّهمين، وبدلاً من اعتقال القاتل وتقديمه للمحاكمة وسماع دوافعه وذرائعه خلّف قبل أن تُنحّيه القوات الأمنية ثلاثة ضُبّاط بعمر الورد، رحمهم الله وصبّر ذويهم.

تفاقم الإضراب

تطوّرت هذه الأحداث تزامناً مع تفاقم وتيرة الإضراب، التي استجاب لها مواطنو المملكة، ودعوة خرجت من مدينة الكرك جنوبي الأردن، من المجلس البلدي لإضراب يوم الإثنين 19 ديسمبر/ كانون الأول، بالرغم من الضغوطات الرامية لتأجيلها، أو إلغائها بأحسن حال.

شمل الإضراب أيضاً معظم محافظات البلاد إن لم تكن كلّها، حيث أُغلقت المحال التجارية في الكرك ومعها بعض المدن الأخرى استجابة للإضراب وتنديداً بنهج الدولة برفع السلع وغلاء المعيشة عامّة والمحروقات، رافقتها مُطالبات برحيل الحكومة.

ومع تعالي الأصوات والمناشدات التضامنية للمحافظات الأخرى لإضراب يوم الإثنين، التي انطلقت من الكرك، بدأت معها مساء الأحد على ما يبدو اعتقالات احترازية، طالت الشيخ ياسر أحمد آل خطّاب، والناشط السياسي ورئيس بلدية معان الأسبق، المهندس ماجد الشراري، الذي أوقفه مُدّعي عام عمّان أسبوعا في سجن ماركا بتُهمة مقاومة رجال الأمن وإثارة النعرات وتهم بالإرهاب كافيه لإعدامه، أو سجنه بأخفّ الحالات مؤبّد.

تُهم مُعلّبة مُتناسخة جاهزة سهلة لتقديمها لأيّ شخص يُمارس حقّه في التعبير عن رأيه.

خانة اليّك

أصبحت الحكومة بعد مقتل العقيد الدلابيح مضطرّة للتفاعل، وهو مطلب وطني وشعبي وضرورة حتميّة لمواجهة العنف ضد رجال الأمن الأوفياء، لكنّها وجدت نفسها في «خانة اليّك»؛ مطالب عشيرة الدلابيح بني حسن، وهي العشيرة الأكبر في الأردن من الحكومة بالقاتل، وعلى الضّفّة الأخرى الإضراب الآخذ بالتفاقم حينذاك، وإذا بالخلايا الإرهابية هي ضالّة الحكومة، فقد فُجعنا صبيحة الإثنين 19 ديسمبر/ كانون الأوّل من العام الماضي بمقتل ثلاثة ضُبّاط أثناء مداهمة قوة أمنيّة خاصّة لخلية إرهابية في منطقة الحسينية بمحافظة معان، «بعد أن قادت التحقيقات، التي قام بها الفريق التحقيقي المكلّف بحادثة استشهاد العميد الدلابيح، وحصر الإشتباه بمجموعة من أصحاب الفكر التكفيري»، حسب المصادر الرسمية الأردنية، التي لا يثق بها أردني.

في الأثناء، قبل مقتل الضُبّاط وبعد مقتلهم - رحمهم الله - انتشرت الأخبار محلياً وعربياً عن ثورة ومؤامرة ضد الأردن، وعلى مستوى الإعلام الرسمي أو ذاك الذي يتحدّث بإسم الجهات الحكومية وبرسم الرسمي، وكأنّ المطالبة بالحقّ آلت إلى تواطؤ على الدولة؛ تستدعي حصراً تضامناً عربياً، كون الأمم الأخرى تعتبر حرّيّة التعبير أحد أهم ركائزها.

ما يدور الآن في الأردن ليس ثورة كما يروّج لها، ولا فوضى أو مؤامرة كما تستثيرها الحكومة لتقلب الطاولة على الشعب، لتساومه على قبول التنفّع والتنفّذ والتهالك الإقتصادي والتعليمي والصّحّي وحياة الإملاق، وبطالة تتزايد، حتى بلغت الأطباء والمهندسين والأكاديمين أصحاب الشهادات العليا، مقابل العيش الآمن ومصادرة الحرّيّات وتكميم الأفواه، لممارسة نظام بوليسي مقيت بذريعة التآمر.

ما يدور الآن هو إضراب مشروع، وحقّ يُمارسة المواطن رفضاً لأداء الحكومة المهترئ وأسعار المحروقات التي فاقت قدرة المواطن، وكردّة فعل حكومية تقابله بالدروع الأمنية؛ يختبؤون وراءها السّاسة وأصحاب القرار، بدلاً من الجلوس معهم للتفاوض بمدنيّة.

عندما أضربت المؤسّسات الطبية الألمانية العام الماضي ثلاثة شهور لم يُجابههم أحد ولم يُتّهموا بالتآمر على الدولة، لا بل بالعكس؛ وقفت وراءهم النقابة والمؤسّسات المدنية والإعلامية، فلماذا في الأردن والدول العربية؟

Ahmad.omari11@yahoo.de

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2022

الحملة الألمانية ضد مونديال قطر العربية

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  5:06 ص   Katar بدون تعليقات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحملة الألمانية ضد مونديال قطر العربية

صورة افتراضية


#دوسلدورف#أحمد سليمان #العُمري
مع قرابة إنتهاء التحضيرات النهائية لمونديال قطر، وقبل أيام فقط من وضع اللمسات الأخيرة له؛ تزامنت هجمة ألمانية ودعوات لمقاطعة كأس العالم، أو بالأحرى التجييش له؛ الشيء الذي لم يلفت نظر المراقبين العرب فحسب، إنما الألمان أيضاً، فقد كثرت السجالات المنتقاة في الداخل الألماني حول هذه الجزئية تحديدا؛ قلّة يرفضون المقاطعة والسواد الأعظم من الساسة والإعلام يروّجون الأكاذيب لهذه الحملة الحقوقية المخدوعة، التي بدت أعراضها غريبة وتطورها أسرع من رغبة الشارع، هذا مع تعامل نائب المستشار الألماني «روبرت هابيك» بإزدواجية مع الدوحة؛ محاولة منه للحفاظ على حسن العلاقات مع الأمير تميم بن حمد آل ثاني.

#التصريحات غير المقبولة

تفاعلت قطر مع الهجمة الألمانية غير المبرّرة، وأعلنت الجمعة 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 استدعاء السفير الألماني في الدوحة رفضا للتصريحات غير المقبولة المستهجنة والمستفزة في آن للشعب القطري والعرب عامّة، مرفق بمذكرة احتجاج على بيان أدلت به وزيرة الداخلية الألمانية «نانسي فيزر»، وهي التي خلعت سترتها لتُضهر شارة «حب واحد» بالمدرّج؛ ضاربة التعاليم القطرية بوقاحة بعرض الحائط، فضلا عن تكميم لاعبي ألمانيا أفواههم قبل بداية مباراتهم ضد اليابان كردّة فعل لمنعهم من إرتداء شارة المثليين.
السؤال الذي يطرح نفسه، كيف ستُطالب من المهاجرين الأجانب الآن في ألمانيا الالتزام بأعراف البلد وهي التي اخترقتها في الخارج رغم تمثيلها دولتها؟

#مقاطعة #ألمانيا

ارتبطت هذه الأحداث مع إشعال نحو 20 ألف شمعة في ملعب كرة قدم في ألمانيا بذريعة الإحتجاج على ملف حقوق الإنسان في قطر، ووضع 6500 كرة قدم مليئة برمل صحراء تخليدا لذكرى آلاف العُمّال؛ ماتوا - زعما - في مواقع كأس العالم، إضافة إلى تصريحات القائمين على هذا التجييش التي اعتبرت الألعاب الرياضية الدموية الأكثر على الإطلاق؛ اشترتها قطر بالألم والموت، دون الإشارة إلى كبرى شركات المقاولات من الدول الغربية في مشاريع المونديال في قطر، فضلا عن رواتب العُمّال الغربيون في هذه الصناعات الذين يتقاضون رواتب أعلى بكثير من عمالة آسيا، غير أن هذه الحقائق لم يتناولها النقد الألماني أو الغربي عامّة بسجلّ قطر في مجال حقوق الإنسان.
وقد علّق الصحفي الألماني «أولريش رايتس»: «عملنا نحن الألمان بجد من أجل بلدنا، بعد أن تسبّبنا في الماضي في تيارات الدم في جميع أنحاء العالم. ربما يجب أن نكون أكثر حذرا بشأن تعليم الآخرين المبادئ والقيم الحميدة».
لا تُعتبر هذه البادرة غير تهييج مُمنهج واستفزاز واضح ضد ‎الدوحة، فلو ضربنا مثالا لإستقبال دولة ما لألمانيا تريد برلين إبرام إتفاقية غاز معها بإضاءة ما يفوق ستة ملايين شمعة بكثير إحياء لذكرى المحرقة اليهودية لأخذت ذات المعنى، طبعا مع أخذ الحقائق والاتهامات والتضليل المُراد ترويجه ضد الدوحة بعين الإعتبار.

#ذرائع واهية

تتفاقم الانتقادات الموجّهة ضد قطر بذرائع واهية؛ سوء معاملتها للعُمّال المهاجرين واضطهاد النساء ومحاولة استخدام المونديال لفرض المثلية في بلد عربي إسلامي يرفضه دينا وعرفا، فضلاً عن الشكوك حول كيفية منحها استضافة كأس العالم.
وأصوات أخرى بالجانب الآخر تتعالى في ذات الوقت من داخل ألمانيا وخارجها عن سبب تعرّض قطر لهذه الانتقادات الشديدة، مما يشير إلى أن تلك الانتقادات كثيرها ابتعد عن القضايا السياسية ليتطرّق إلى الإسلاموفوبيا، والغطرسة الأوروبية والألمانية خاصّة؛ الأمر الذي تحدّث عنه السياسي الألماني المخضرم، زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي السابق، ووزير الخارجية الأسبق «سيغمار غابرييل»، فقد صرّح بأكثر من مكان وغرّد على تويتر، لتُثير تغريدته حفيظة كثير الألمان المنجرّون وراء تجييش بعض الساسة والإعلام ضد الدوحة.
وقد قال في تغريدته:
«بالطبع كانت تغريدتي استفزازية، ويجب أن تكون كذلك، لأنّني منذ بعض الوقت منزعج من الغطرسة تجاه قطر. الإصلاحات في الطريق، حتى لو كان هناك أوجه قصور».

«سيغمار» منزعج من الانتقادات المفرطة ضد قطر، ويقف وراء مونديال الدوحة، وقد وبّخ الغطرسة الألمانية بهذا الصدد بأكثر من مناسبة.
خطوات للأفضل
وقد صرّح لصحيفة «شتيرن»: «ليس الأمر بأي حال من الأحوال أنّني لا أرى المشاكل الموجودة في قطر، وبالمناسبة أقول ذلك للقطريين، لكنّني أرى أيضاً ما يحدث هناك في السنوات الأخيرة هي خطوات للأفضل، وهذا الجانب مخفي في ألمانيا، وبدلاً من ذلك فإنّنا نوجّه انتقادات شديدة إلى الدولة ونساعد دون قصد أولئك الذين يعارضون إصلاحات الأمير في قطر. تحدّثوا عن الأشياء التي لاتزال بحاجة إلى التغيير، واحترموا أيضاً ما تم تحقيقه بالفعل. ما حققناه الآن هو أن القطريين بدأوا يتجاهلوننا»، وأردف بأن ألمانيا استغرقت عقودا لتصبح ليبرالية.
الانتقادات لم تكن حصرا من ألمانيا أو كثير دول الغرب، إنّما مع شديد الأسف وصل هذا التحريض للإعلام المصري، الذي يقود هذا الجانب منه - وليس بالغريب - عمرو أديب، إبراهيم عيسى و أحمد موسى بإستثمار أي معلومة وتأويلها لتُقَدم للمشاهد على شكل إدانة لقطر، بالإضافة إلى الحديث حول المبالغ التي أنفقتها، وقلّ بمكان آخر الكلام عن الجهود والإنجازات التي قامت بها الدولة لخلق مدن مضيئة بهية في قلب صحراء قحط قحل مُمحلة؛ أولئك اعتبروا من باب الأولى إنفاق هذه الأموال على الدول الفقيرة والشعوب المحتاجة، متجاهلين بذات الآن التبرعات القطرية والسعودية والأمريكية والألمانية والباكستانية، وأخرى غير موجودة على الخارطة، وتلك التي تأتي من كلّ حدب وصوب ولم تُغيّر من حال الدول الفقيرة أو الفقراء شيء؛ فهم على حالهم، لأنّ أنظمة تلك الدول وببساطة يأكلون الأخضر واليابس.
للمراقب أن يتنبأ عن سياحة قطر مستقبلا، وله أيضا أن يُخمّن عن عائداتها التي ستعوّض كل النفقات التي يُغرّد بها مُتحامل هنا ومجحف هناك.

لذلك اتركوا قطر تستثمر إمكانيات البشر وبمونديال قطر وبالشمس والقمر.

وعلى الضفة الأخرى من الإدانات المستهلكة المغرضة الجاهزة للتداول غُضّ الطرف عن الإنجازات القطرية الهائلة بتجهيزات كأس العالم، ومعها في البنية التحتية، وجعلها وجهة سياحية وفرض نفسها سياسيا وتمريغ أنف الغرب جرّاء فرض تشريعنا الإسلامي وأعرافنا العربية.
لو أستثنينا هذا كلّه وتحدّثنا بسطحية المُراد منها إدانة الدوحة تنظيميا، ومعها بالضرورة أخلاقيا فسنُخطئ الهدف أيضاً، لأنّنا أخفقنا تضامنيا مع القضايا العربية، التي استطاعت قطر أن تُنصفها.

#اتفاقيات #الغاز القطرية

القضية تجاوزت المنافسات الرياضية، فالأمر شطّ عن الرياضة وأصبحت حرباً ونظرة فوقية ومركزية أوروبية يستخدمها كثير ساسة الغرب ضد العرب بإزدراء، وأخصّ ألمانيا تحديدا، وعلّ توقيع شركة قطر للطاقة، الاثنين 21 نوفمبر/تشرين الثاني، اتفاقية بيع مع مؤسّسة الصين للبترول والكيماويات «سينوبك» لتوريد 4 ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال لها لمدّة 27 عاماً؛ بدءاً من عام 2026 يبرّر الهجمة الضروس، التي بدأت بعد التوقيع؛ تباعاً مع خطابات البرلمان الأوروبي المثيرة للحنق حول حقوق المرأة العربية، وتهييج أوروبا ليخلُص البرلمان بإنتهاك حقّ المرأة العربية وتقديمه كعصورهم المظلمة.
وما فتئت الحملة ذروتها حتى ضربت الدولة مبادئها بعرض الحائط، لتوقّع اتفاقية غاز يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني؛ جمعت بين قطر للطاقة و «كونوكو فيليبس» الألمانية؛ تضمّنت توفير مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا لألمانيا، ولمدة ١٥ عاما، بدءاً من عام 2026.
وصَفَ وزير الاقتصاد الألماني «روبرت هابيك» مدّة الاتفاق بالرائعة. ولكن من غير الرائع أن تبادل قطر مقاطعة ألمانيا ‎المونديال بإتفاقية غاز، بدلا من استثمار الحاجة الألمانية لردّ الصفعة.

#استثمار مواطن القوى

الإدارة الألمانية خدعت شعبها وفريقها عندما أقنعته بتسويق المثلية في مونديال قطر، ومعها مدرّب المنتخب؛ وزيرة الداخلية حملت معها على مدرّجات الدوحة شارة المثلية، وعلى ذات الطائرة كان وزير الاقتصاد يحمل أوراق توقيع اتفاقية عقد الغاز.
وبينما كانت حملة المقاطعة قائمة سياسيا واعلاميا على قدم وساق، كان يعيش الشارع الألماني انفصام أراده له إعلام بلده، فقد شاهد كأس العالم في مباراة ألمانيا-إسبانيا قرابة ١٧ مليون ألماني؛ فوق سن الثالثة تقريبا بين كلّ اثنين واحد (49.3 بالمائة)، وتمّ قياس 58.8 بالمائة بين 14 إلى 49 سنة، حسب بيانات «أبحاث الفيديو AGF» الألماني.
من لا يغار على قطر بهذه المناسبة، لا أظنّه يغار على أي قضية عربية، لذلك أراني أعتبر هذا المونديال تضامنا عربيا لزاما. وشجّعوا المغرب، فإنّ فوزها بمثابة ردّ الصفعة، وفوزها اليوم أمام كندا وتصدّرها المجموعة السادسة، ولأول مرّة في الدور الثاني من كأس العالم منذ مونديال عام 1986 أعُدّها فرحة عربية.
Ahmad.omari11@yahoo.de

الأحد، 20 نوفمبر 2022

فُقَاعية لمّ الشّمل في القمّة العربية

 

بسم الله الرحمن الرحيم


فُقَاعية لمّ الشّمل في القمّة العربية




دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

بداية أودّ التوضيح بأنّ هذه المقالة لا تتحدّث كثيرا عن مجريات القمّة العربية فعلا، ولا تُقدّم طروحاتها أو شروحا لنصّ البيان الختامي لها، أو ما تمخّض عنها من مبادارات وقرارات بلاستيكية، وإلّا لكان نشر المقالة بغير موعدها، هذا مع قناعاتي بأنّ موعدها هو في أي وقت من العام، لتناسخ وتشابه القمم من حيث إنفاذ أو تحقيق أعمال على أرض الواقع، أو حتى نوعية الخطابات وصياغة العبارات، إنّما محاولة للحديث عن بعض الإخفاقات المتناسخة، التي يُسَوّق لها في كلّ قمّة عربية على أنّها إنجازات.

احتضنت الجزائر القمّة العربية الـ 31 تحت شعار «لمّ الشّمل» وسط خلافات إقليمية مُعقّدة؛ تعذّر حلّها وتفاقم بعضها وعكس كثيرها مسار التنمية البشرية طيلة عقدين من الزمان، وهدّدت السّلام والأمن الإقليميين، جرّاء حروب غدت من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ودفعت بعض مؤسّسات الدول إلى حافة الانهيار.

افتُتحت الثلاثاء الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أولى أيام قمّة جامعة الدول العربية، بكلمة للرئيس التونسي قيس سعيّد، رئيس الدورة الماضية، دعا فيها إلى تجاوز الخلافات العربية، العربية ولمّ الشّمل.

وقد أرجأ سعيّد دموية الأنظمة إلى الثورات التي طالبت بالحرّيّة حين قال: «وطي النزاعات الدامية الموروثة عمّا سُمّيا بحقبة الربيع العربي»، واعتبر رفض القمعية والممارسات البوليسية ذريعة تُقرّها الجامعة العربية: «للانتصار على من يَشُنّون حربا ضروسا لإسقاط الدول»، حسب تصريحه.

الحرّيّة هي الحقّ المشروع الذي لا يمنحه سعيّد ولا يمنعه، ولا تُقرّه الجامعة العربية ولا يحقّ لها أن ترفضه، لأنّه وبكلّ الأعراف يُخلق مع الإنسان.

بدأت القمّة أعمالها في العاصمة الجزائرية بغياب عدّة دول وازنة؛ لم تكن ممثّلة بقادة دولها، لا سيما السعودية، الكويت، الإمارات، البحرين، عُمان، المغرب، الأردن ولبنان، والأخيرة لاعتبارات تخصّ انتهاء عُهدة ميشال عون الرئاسية في 31 من الشهر الماضي.

المِلفّ الإسرائيلي

أظنّ بأنّ سبب غياب الدول الخليجية ومعها الأردن يعود إلى رغبة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، هذا رغم تصريح زعماء دول الخليج بعدم الحضور قبل السعودية، ولكن حتى لا يصبح الأمر واضحا، لاعتبارات ارتأى الأمير محمد تجنّبها ولزوما تطبيقها حول القضيّة الفلسطينية، وهي القضّية الجوهرية في القمّة بحضور الدول المطبّعة وأخرى برسم التطبيع.  

في آخر قمّة عُقدت لجامعة الدول العربية في آذار/مارس 2019 في تونس، كانت بعض الدول الأعضاء تضع على رأس أولولياتها القضيّة الفلسطينية، وفي نهج نظامها ونصبها العِداء للاحتلال، حتى لو شكليا؛ أقامت اليوم إتفاقيات تطبيع معه، لا بل تجاوزت التطبيع التقليدي بالصهر والإندماج المُعيب الذي يُقوّض الحقّ الفلسطيني بالدعم العربي.

بهذا الشكل من التطبيع دخلت السودان والمغرب ودولة الإمارات والبحرين بعلاقات مع إسرائيل في 2020 في إطار سلسلة اتفاقيات أمنية وإقتصادية وسياحية، وكثيرة أخرى ترتّب عليها نشر نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي «باراك» ضد الصواريخ الباليستية الإيرانية وصواريخ «كروز» والطائرات المسيّرة، ومنظومة رادارية في عدّة دول في الشرق الأوسط، بما في ذلك البحرين، ثم سارت المغرب بركب الإمارات وأبرمت إتفاقيات أمنية مع الإحتلال، وصلت لمشاركة المفتّش العام للقوات الملكية المغربية الفاروق بلخير في مناورة عسكرية بقاعدة «تساليم»؛ حاكت هجمات صاروخية وجوية وبرّيّة، وفاقمت في ذات الآن الحالة المأزومة مع الجزائر، بسبب الخلافات الحادّة حول إقليم الصحراء الغربية؛ كان من شأنها قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ آب/أغسطس 2021 بقرار جزائري.

وقد يُبرّر غياب بعض الدول المطبّعة ضمن «إتفاقات أبراهام»، وأخرى قيد التطبيع، أو تجمعها مع الإحتلال إتفاقيات كاتفاقية الطيران الإسرائيلي السعودي، وللأهمية التي توليها الجزائر للقضيّة الفسطينية والتأييد، وخاصّة أنّها المضيفة للقمّة، كما وقد رعت في منتصف تشرين الأول/أكتوبر اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية، محاولة منها للَأم النجلاء الفلسطينية فيما بينها.

اللُّحمة العربية وتعليق عودة سوريا

اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بادرة تُحسب لتبّون، لكن فُرص تنفيذ المصالحة على أرض الواقع عقيمة، فقد جفّ حبر المصالحة قبل أن تصل الوفود الفلسطينية إلى أرضها، فالسلطة تنهج التواطؤ والتنسيق الأمني مع الإحتلال، وقادّة غزّة يحملون على عواتقهم الرّدع والرّدّ والمقاومة والكرامة.

بدأت قمّة لمّ الشّمل بيومها الأول بالفرقة العربية، حيث طغى الخلاف المغربي الجزائري على الأعمال التحضيرية لوزراء الخارجية العرب، بعد احتجاج الجامعة على قناة الجزائر الدولية لعرضها خريطة للوطن العربي غير المعتمدة؛ فصلت الصحراء الغربية عن المغرب، الشيء الذي أثار حفيظة الوفد المغربي.

سعت الجزائر منذ فترة بتشجيع من روسيا وإيران لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية، التي عُلّقت عضويتها منذ بداية 2011 بسبب الفظائع التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري، غير أنّ الجزائر تخلّت عن هذا المسعى بعد معارضة عدد من الدول الفاعلة؛ من بينها دول الخليج.

التخلّي عن ضم رئيس النظام السوري للحاضنة العربية مرّة أخرى قرار حكيم، وإلّا كان بمثابة مشاركة صريحة من الأنظمة العربية؛ ممثّلة بجامعتها بالمجازر التي أرتكبها الأسد بحقّ السوريين، ولكانت عودة الأسد بمنزلة المنتصر بدلا من المجرم المُدان.

نسخ عربي في البيان الختامي

تواصلت أعمال الجامعة العربية في يومها الثاني، حيث تشابهت كلمات القادة العرب في البيان الختامي للقمّة العربية من حيث المضمون، فقد أجمعوا على مواجهة الدول العربية لتحديات تُلقي بظلالها على الجانب الأمني لتطال المنطقة برمّتها؛ تحدّثوا عن الملف الليبي وتضميد جرحه من أجل لمّ الشّمل، والوساطة العربية الليبية، التي تساوي على أرض الواقع صفر، إضافة إلى عدم دخول الدول العربية لغاية الآن بوساطة لإنهاء المأساة اليمنية، وهو الدور الدبلوماسي المحوري الذي سبق ومارسته مسقط في الماضي للتقريب بين الأطراف اليمنية المتناحرة.

أمّا دور الشباب المهمّش، لا بل قمعه وتجييش الأنظمة البوليسية ضده لتكميم الأفواه وقمع الحرّيّات، لا بل اتهام المواطن عامّة من أجل ذلك بذرائع مهترئة تُهدّد أمن الدول، وهو الحديث الذي بدا بجلاء في خطاب سعيّد.

وتزامنا مع الخطابات الداعية لخلق مبادارات لحلّ الأزمة السورية، التي أثقل الحرب كاهلها عقدا من الزمن والانهيار الإقتصادي وانعكاساته ونتائجه الكارثية المأساوية على المواطن؛ تُشبه تلك الحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت السطات الجزائرية تدفع عشرات اللاجئين، لا بل «ترمي» - بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى - 62 لاجئ سوري، بينهم أطفالا ونساء وشيوخ على قلّتهم إلى قلب الصحراء.

هذه القمّة لم تختلف حقيقة عن القمم العربية الماضية؛ إجماع شكلي على مركزية القضية الفلسطينية، ودعم مطلق لحقوق الشعب الفلسطيني، وضرورة التمسّك بمبادرات السّلام بكلّ عناصرها وأولوياتها، بينما الإحتلال يتبنّى السياسة القمعيّة ويُصرّح بإستخدام كلّ القوى المتاحة للتنكيل بالفلسطيني، بالشراكة مع السلطة الفلسطينية ووجوم الأنظمة العربية، فضلا عن عدم تجريم القمّة للممارسات والقتل الإسرائيلي ضد أبناء شعبنا العُزّل في فلسطين. 

كلّ خطابات الجامعة العربية، وآخرها التي ألقاها عبد المجيد تبّون إنشائية متكرّرة خالية من المصداقية، ليس لها أي تأثير على الشارع العربي وقضاياه، بداية بلمّ الشّمل الدعائي، الذي أطّره الطرد السوري وتمزيق الخريطة العربية، مرورا بتعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي، ونهاية ضرورة مواصلة الجهود والمساعي الرامية لحماية مدينة القدس المحتلّة والمقدسات، التي لا تُشكّل غير بروتكولات ورقية متشابة؛ تستخدم القضية الفلسطينية مطية لتسويق الوهم.

أمّا بما يتعلّق بالتنديد لتدخّل تركيا وإيران بالشأن العربي فقد انشقت الدول على بعضها حسب وجهتها السياسية والطائفية ومصلحتها حينا آخر.

المعضلة في القمم العربية هي الخطابات الرّنّانة غير الصريحة والمنفصلة تماما عن الواقع، لأنّها بالحقيقة لا تلقي بالاً لمصالح الشعوب، إنّما لديمومتها.

هذه القمّة لا تختلف كثيرا عن التي سبقتها؛ مزايدات بالشعارات وتناسخ بالألفاظ أو البيانات الختامية، كما حصل مثلا في قمّة بيروت بعام 2002، التي شهدت مبادرة السّلام العربية أيضا.

 الجامعة العربية لا تُلزم أعضاءها بتنفيذ أي إتفاقية أو مشاريع من شأنها المُضيّ قُدما لتنفيذ ختاميات القمّة، ولا تشبه أبداً الاتحادات والكيانات الأخرى، كما هو الحال عربيا في مجلس التعاون الخليجي أو دول الإتحاد الأوروبي، مجموعة الدول الصناعية السبع أو مجموعة «بريكس»، أو أي تنظيمات مماثلة تعمل أكثر ممّا تتحدّث.

يعني بطرح آخر كما قال أبو حامد الغزالي في كتابه «إلجام العوام عن علم الكلام»، كلام لا يؤدّي إلّا إلى كلام. ومن عندي  أوله كآخره، لن يُغيّر الوضع الراهن في فلسطين ولا بالأمن القومي في المنطقة، ولا حتى إضافة نوعية بإختيار المفردات والتصريحات.

Ahmad.omari11@yahoo.de

الأربعاء، 20 يوليو 2022

زيارة بايدن لتطويع التوسّع الإسرائيلي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

زيارة بايدن لتطويع التوسّع الإسرائيلي

جو بايدن يصافح بن سلمان بالقبضة


دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

الزخم العربي الأخير بتبادل الزيارات بين الدول التي تُقيم علاقات تطبيعية مع إسرائيل وأخرى مرشّحة مثل السعودية، وعقد اللقاءات على مستوى القيادات لتشكيل حلف عسكري مزمع للإلتفاف على القضية الفلسطينية ومحاولات بائسة لإجهاض المقاومة والتجييش ضد طهران بدروع بشرية عربية وجمع حلفاء للتضييق على روسيا بعد تمخّضات الحرب التي آلت لحرب بالوكالة بينها وبين الناتو، والتحولات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط وما أسفر عنها من تهديدات جرّاء الحرب وتفاقمات أخرى قائمة كزيادة التنفّذ الإسرائيلي بدعم عربي.

الآن ومع زيارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن» إلى إسرائيل وضعت اللمسات الأخيرة لحلف عسكري؛ قد يمكّن من تغيير البنية الأمنية للمنطقة برمّتها بشكل دائم بذريعة الخطر الإيراني، وأولها بدأت بتوقيع «بايدن» و«يائير لابيد» بعد وصوله إلى إسرائيل الأربعاء 14 يوليو/تموز اتفاق مشترك أُصطلح على تسميته «إعلان القدس»؛ يتعهدان فيه بمنع إيران من حيازة سلاح نووي، وهو يعبّر عن موقف واضح وموحّد ضدّ طهران وبرنامجها النووي.

تسمية الاتفاق بإعلان القدس هو استفزاز للأمّة التي تطالب بعودة القدس الشرقية وحدودها على الـ 1967، بدلا من الخطوات الجدّيّة لحلّ الدولتين، التي باتت تعاني موتا سريريا ممنهجاً.

منذ أن صرّحت الإدارة الأمريكية بزيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية والتي بدأها في إسرائيل - كما هو متوقّع - الأربعاء 13 يوليو/تموز والتكهّنات حول إنشاء حلف شرق أوسطي لم تنته، إضافة إلى مستقبل العلاقات السعودية - الإسرائيلية.

غادر جو بايدن في 17 يوليو/تموز وترك خلفه مخرجات قمّة جدّة للأمن والتنمية، التي بحثت ضمن مواضيع أخرى المستجدات الإقليمية والدولية وسبل توسيع التعاون بين الدول المشاركة، لاسيما في المجالات الاقتصادية والأمن الغذائي والطاقة والمياه.

 

دمج إسرائيل في المنطقة ضمن محور عسكري

قمّة جدّة اعتبرها البعض نجاحاً سعودياً وإخفاقاً للرئيس الأمريكي، بينما أعتبرها البعض نجاحا كبيراً لما تمخضّ عنها من جمع السعودية في حلف مرتقب يجمع الدول المطبّعة في المنطقة وإسرائيل، حيث صرّحت مسؤول كبير في الإدارة الأمريكي بسياق متصل أنّ بايدن ناقش القدرات الدفاعية والصاروخية في الشرق الأوسط مع الزعماء العرب في السعودية، سعياً لإقناع حلفاء واشنطن في المنطقة بدمج إسرائيل في المنطقة ضمن محور جديد تحركه إلى حد كبير مخاوف مشتركة بشأن إيران.

هذا التصريح وحده كاف لوجود مستقبلي لحلف عسكري شرق أوسطي وإن اختلفت المسميات. في حين نفى وزير الخارجية السعودي أي نقاش بشأن تحالف دفاعي مع إسرائيل، وهو المشروع الذي طرحه الكونغرس تحت إسم «ردع الأعداء وتعزيز الدفاعات» لبناء تحالف أمني واقتصادي يضمّ دولا عربية بشراكة إسرائيلية، يدعو إلى دمج دفاعات دول المنطقة بذريعة التصدّي للاعتداءات الإيرانية، رغم موقف الضعف الذي اعتري بايدن في الرياض على عكس سلفه دونالد ترامب؛ كان يأخذ الجزية مقابل الحماية بصورة تجاوزت الوقاحة.

الأمر الذي يخلق تناقضاً بتشكيل ناتو عربي لمواجهة إيران هي الضمانات التي قدّمتها مصر لسلطنة عُمان خلال زيارة عبد الفتاح السيسي لها يوم الإثنين 27 يونيو/حزيران بعدم رغبة بلاده بالدخول في مواجهة عسكرية مع إيران بأي شكل، هذا مع الأخذ بعين الإعتبار بإنّ موقف السيسي ليس موقفاً شخصياً، إنّما يعبّر عن قناعات صخرية داخل المؤسّسة العسكرية المصرية لعدم وجود عداء مع طهران، لا بل على العكس، فإنّ الإتفاقيات غير المعلنة بين الدولتين تضمن عدم اعتداء أي طرف على الآخر.

 

توريط مصر في المحور

بايدن ودبلوماسيون غربيون يحاولون توريط مصر في هذا التحالف الذي سيضمّ إسرائيل بمواجهة مع إيران بإستثمار جيشه، وقد تناقلت مصادر غربية تصريحات بما معناها: «ماذا تفعل مصر بهذا الجيش الكبير، الذي من المفترض أن يواجه إيران بدلاً من إسرائيل والخليج». إضافة إلى الضغط الذي تمارسه دول خليجية على النظام المصري لإقحامه بالحلف من خلال الدعم المالي الهائل في الآونة الأخيرة؛ قد يُجبر الجانب المصري لسياسة الإزدواجية.

وهناك جزئية يجب الحديث عنها وهي الدعم أو الإستثمار الخليجي في مصر لا يقف خلفه حصراً الضغط عليها لإستثمار الجانب العسكري، كون جيشها هو الأقوى في الشرق الأوسط، إنما لمركزيتها وأهميتها خليجياً وعربياً ودورها بإستقرار المنطقة وعملية السلام المقرونة بحلّ الدولتين أو إجهاضها.
 

يعتبر اللقاء الأول  الذي عُقد سرياً في شرم الشيخ بشهر آذار/مارس الماضي هو الإنطلاقة للمحور المزمع تشكيله، والذي جمع رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية «آفيف كوخافي» ورئيس هيئة الأركان العامّة للقوات المسلحة السعودية فياض بن حامد الرويلي وممثّلين من قطر، الأردن، مصر، دولة الإمارات العربية والبحرين، إضافة إلى ضمّ الكويت والعراق؛ ناقشوا ما وصف بالخطوات الأولية تجاه تعاون لمواجهة تهديد الطائرات الإيرانية المسيّرة، تزامناً مع قمّة النقب التي جمعت وزراء خارجية إسرائيل والولايات المتحدة ومصر والبحرين والمغرب والإمارات العربية في ذات الشهر آذار/مارس بصحراء النقب في منزل «بن غوريون»، بعد أكثر من شهر بقليل من بدء حرب أوكرانيا في قمّة إذلالية توافقت مع الإنتهاكات الإسرائيلية والقتل في فلسطين؛ وصفها الجانب الإسرائيلي بالتاريخية.

ومع غياب وزير الخارجية الأردني في قمّة النقب، إلّا أنّ الملك عبدالله الثاني لن يكون لديه أي شيء ضد حلف «ناتو شرق أوسطي»، على العكس من ذلك فقد صرّح مؤخراً بأنّه سيكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيّدون إنشاءه.

الملك عبدالله أول المصرّحين الموافقين، ولكن هذا لا يعني أنّ الدول الأخرى لم توافق، فكما يبدو أنّه أخذ دور التصريح عن الحلف، وهو الشيء الذي كان ممكن أن يصرّح به حاكم آخر.

في الوقت الذي ساهم حلف الناتو في أوروبا على مدار 70 عاماً بالنمو الاقتصادي والتعاون السياسي، ينشغل الشرق الأوسط المأزوم بالصراعات المعقّدة بحلف سيجعل دول المنطقة أداة إسرائيلية للقضاء على القضية ومنح إسرائيل الوصاية على العرب وزيادة في توسّعها؛ مؤطّرة بإتفاقيات إذلالية بإسم السلام والإزدهار ومسمّيات أخرى.

يرجّح البعض فكرة الناتو العربي إلى عهد الرئيس الأمريكي الأسبق «باراك أوباما» الذي جمع للمرّة الأولى قادة الدول الخليجية في «كامب ديفيد» للعمل على إيجاد جبهة واحدة لمواجهة التحدّيات المشتركة، والذريعة تتناسخ؛ إيران.

وتجدّدت فكرة تحالف الشرق الأوسط مرّة أخرى الذي أُصطلح على تسميته سابقاَ إعلامياً «ميسا» أو «الناتو العربي» في حقبة «دونالد ترامب».

 

تجنيد المنطقة لإسرائيل وأمريكا

الجانب الآخر من ضرورة المحور العربي الجديد أمريكياً الذي يسعى إليه بايدن هو جذب السعودية والإمارات بعيداً عن حليفتيهما الصين وروسيا، وبناء جبهة مناهضة لروسيا بهدف زيادة إنتاج النفط أيضاً، وهذا الذي قاله بايدن في قمّة جدّة.

السعودية تلعب الدور الأهم بإنشاء المحور الذي تحدّث عنه الأخير خليجياً وعربياً، وإذا نجحت بعملية التقارب العربية - أظنّها نجحت - فلن يكون هناك الكثير لإتمامه.

زيارة بايدن للمنطقة تُعتبر فرصة إسرائيلية لتعميق التوجّه نحو التقارب والتنسيق مع السعودية بصفة خاصّة، وضربة قاسية لجسد الوطن العربي وفلسطن على وجه الخصوص؛ بعيداً عن فكرة إقامة ناتو إقليمي التي بدأت ضمنياً.

رغم عدم احتمالية توقيع الرياض على المدى القصير إتفاقية تطبيع، إلّا أنّ التعاون من وراء الكواليس وارد بالتأكيد، آخرها هبوط طائرة إسرائيلية في الرياض يوم الإثنين 11 يوليو/تموز كانت تابعة سابقا للموساد، نقلا عن تغريدة على تويتر كتبها الصحافي الإسرائيلي بصحيفة «هآرتس» «آفي سكارف».

إن صحّ الخبر فهي ليست المرّة الأولى، فقد حطّت العام الماضي في أكتوبر/تشرين أول بالرياض طائرة إسرائيلية، بعد زيارة للأردن.

وفق تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» تجري محادثات سرّيّة بالفعل حول مزيداً من التعاون الإسرائيلي السعودي في القضايا الأمنية؛ ظهرت أولى بوادرها الجمعة 15 يوليو/تموز، حين صرّحت الهيئة العامّة للطيران المدني السعودي عن فتح مجالها الجوي لجميع الناقلات الجوية الإسرائيلية، تزامناً مع وصول بايدن إلى جدّة بطيران مباشر من مطار بن غوريون، وهي الرحلة الأولى لرئيس أمريكي يسافر من إسرائيل إلى السعودية، ممّا يعكس ديناميكيّة التطوّرات بين البلدين، وتكهّنات حول محور أو ناتو شرق أوسطي، حسب الصحيفة.

واحد من أهم أهداف فكرة المحور العسكري الذي طرحه الرئيس الأمريكي في القمّة الخليجية التي جمعت الأردن ومصر والعراق هو خلق ذراع للحلف الأوروبي الأمريكي في المنطقة لمواجهة التمدّد الروسي وليس الإيراني فحسب، وخاصّة أنّ موسكو ترتبط بعلاقات وثيقة مع دول عربية مثل الجزائر ومصر، كما أنّها أمدّت الجزائر بصواريخ «اسكندر» الاستراتيجية التي أثارت قلقاً أوروبياً نظراً لقدراتها الهجومية الكبيرة ومداها شديد الاتساع.

إضافة إلى دور دول الخليج التي تبنّت موقفين مختلفين حيال الحرب الروسية الأوكرانية، والتي حاول بايدن جلبها لصفّه في القمّة.

الأمر الذي جعل إنشاء محور عربي، تحديداً الآن ضرورة أمريكية هي المواقف الرسمية للدول العربية تجاه روسيا، فالبعض أيّد الغزو الروسي وبرّره؛ سوريا مثلا، ودول أخرى انضمنت إلى الموقف الغربي على استحياء، بينما التزمت حكومات أخرى الحياد.

يعود الإنفتاح العربي تجاه روسيا جرّاء تجاهل بايدن لإبن سلمان والمنطقة، الأمر الذي دفع إلى التوجّه لجبهة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» والرئيس الصيني «شي جين بينغ»، ممّا جعل تقرّب بعض الدول الخليجية لموسكو وبكين مبرّراً، فغياب أمريكا يعني وجود دول أخرى مكانها لتبادل المصالح.

التضامن غير الجدّيّ والحياد من الدول العربية تجاه الأزمة هو عبارة عن فجوة قدّ تملأها روسيا أو أمريكا وحلفاؤها، لذلك أسرعت إدارة بايدن لإستثمار هذه الثُلمة بعقد قمّة جدّة، فضلا عن تراجع التواجد العسكري الأمريكي، فربما يكون المحور العربي هو البديل الأمني للقوات الأمريكية بالمنطقة.

 

سيطرة إسرائيلية بجيوش عربية

لو تمعّنا الماضي القريب حتى توقيع حلف بغداد العسكري في 24 فبراير/شباط 1955 الذي جمع العراق، تركيا وإيران، باكستان وبريطانيا، مع إختلاف الأعداء والأصدقاء بهدف إيقاف المدّ السوفيتي إبّان الحرب الباردة - تشبه الأزمة الغربية الروسية الآن - تزامناً مع بدء خطر الاحتلال لوجدنا أنّ الأنظمة العربية آنذاك كانت مجتمعة على رأي واحد، وهو نصب العِداء لإسرائيل، لذلك رفضت سوريا ومصر والسعودية الانضمام بسبب القناعات العربية الصخرية في ذلك الوقت بأنّ الخطر الحقيقي هو إسرائيل، ولذلك واجهت الدول الأخيرة الحلف الذي تفكّك بعد فترة ليست بالطويلة من إقامته.

 بينما وبعد مضي 62 عاماً تغيّرت المعايير فأصبحت دولة الإحتلال ترتبط مع جلّ دول المنطقة بمعاهدات سلام واقتصاد وأمن، وآخرها الآن قاصمة الظهر المحور العسكري المزمع تشكيله بذريعة الخطر الإيراني، الذي يجمع دول الشرق الأوسط العربية مع الإحتلال، إضافة إلى المغرب الذي يُعدّ ضمنياً مع الحلف لوجود الإتفاقية الأمنية معه.

أمريكا تعيد المحاولة تارة أخرى، ولكن هذه المرّة للحاجة الإسرائيلية في ضوء تطور القدرات العسكرية الإيرانية، ولإضعاف القضية الفلسطينية، والمطالبة الإسرائيلية والغربية والخليجية بتجميد البرنامج النووي الإيراني.

إذا أُنشئ المحور العربي الشرق أوسطي بشراكة إسرائيلية، كما ترغب به الدول العربية رغم اختلافها - وهو ضعف وتواطؤ وإلتفاف وتصفية للقضية - فسيمكّن إسرائيل في المنطقة برمّتها وينهي حلّ الدولتين والقضية للأبد.

‏تفرّقت الدول العربية والإسلامية رغم روابط الدين واللغة والعرف وجمعتهم مصلحة أمريكية - إسرائيلية وأطماع وخوف لا يبرّرهما غير العجز والتآمر.

ونختم بتصريح جو بايدن خلال زيارته الآن لإسرائيل: «لست بحاجة إلى أن تكون يهودياً كي تكون صهيونياً».

يا حبذا لو أكملها الأخير وقال كلّ الدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات تطبيعية مع إسرائيل هي دول صهيونية رغم لغتهم العربية ودينهم الإسلامي.

Ahmad.omari11@yahoo.de

 

الأربعاء، 8 يونيو 2022

رسالة الملك تظلم الأمير

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمير حمزة

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

كنّا نعتقد في الأردن أنّ قضية الأمير حمزة المسمّاة بالفتنة قد انتهت، واختفائه عن الأضواء بعض من العقاب الذي وقع عليه جرّاء الإتهامات الباطلة، فقد عاصرنا منذ بداية الأزمة يوم الأحد 3 أبريل/نيسان 2021م ولغاية 5 أبريل/نيسان أيام عصيبة بعد أن شهدت عمّان حملة اعتقالات طالت الشّريف حسن بن زيد وباسم عوض الله ومدير مكتب الأمير وبعض مرافقيه وآخرين بتهمة تحركات ونشاطات توظَّف لاستهداف أمن الدولة، كما وأخضعت قيادة الجيش سُمُوّ الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية.

أختفى الأمير عن الأنظار بعد التغيّرات التي طرأت في البلاد، وبين ليلة وضحاها مُنع الحديث عن القضية، ليلجأ الأردني إلى الصحف غير الأردنية والغربية تحديداً لمعرفة ما يدور في البلاد من ضعضعات واعتقالات، وصفت على أنّها محاولة انقلاب، حتّى أقرّ الملك عبدالله الثاني في التعامل مع الأمير حمزة ضمن إطار الأسرة الهاشمية الملتحمة، حيث أوكل لعمّه الأمير حسن بن طلال الذي تواصل بدوره مع الأمير حمزة الذي أكّد من خلال رسالة من بيت عمّهما أنّه يضع نفسه بين يديّ جلالة الملك وبقائه على عهد الآباء والأجداد وفياً لإرثهم سائراً على دربهم ليقطع بذلك دابر المتآمرين المتملّقين بعباءة الولاء والميثاق.

وبهذا القدر ظنّ الشارع الأردني بأنّ الأمر انتهى رغم التحفّظ على الأمير، أغلب الظنّ في القصر، وإذا برسالة مطوّلة أشبه برسائل العباسيين؛ أصدرها الديوان الملكي بإسم الملك عبد الله مساء الخميس 19 مايو/آيار، تتضمّن قرارات صدمت الشارع الأردني مجدّدا؛ تقييد اتصالات وإقامة الأمير حمزة وتحركاته، إذ قال الملك في رسالته أنّ أخاه الأمير استنفد كل فرص العودة إلى رشده والالتزام بسيرة الأسرة، فضلاً عن تجاهله الوقائع وتلاعبه بالحقائق.

مساء الخميس صرّح الديوان بصدور الإرادة الملكية السامية بالموافقة على توصية المجلس المشكّل بموجب قانون الأسرة المالكة بتقييد اتصالات وإقامة وتحركات الأمير، والتي رفعها المجلس إلى الملك منذ 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

بهذا رفع الملك الحرج عن نفسه وأرجأ الأمر إلى الأسرة المالكة بكلّ ما ترتّب على الأمير من عقوبات مجحفة.

 

بقاء الأمير تحت الإقامة الجبرية

الحكم الذي أصدره الملك بحقّ أخيه لا علاقة له بقضية الفتنة بشكل صريح، هذا لأنّ الأمر انتهى داخل العائلة ورسالة الإعتذار التي قدّمها الأمير حمزة لأخيه الملك المفروض أنّها أنهت الظنّة والضغينة والبغضاء، وقد قال الملك في حينه: «إن الأمير حمزة مع عائلته في قصره وتحت رعايتي»، إلّا أنّ هذا لم يغيّر من موقفه تجاه أخيه بالجانب الفعلي شيء، كونه أبقاه تحت الإقامة الجبرية في قصره - على حدّ تصريحه - وفصله عن العالم الخارجي تماماً.

في تلك الأثناء كانت التغطية الرسمية في الأردن حول جمال الجسور في العالم تزامناً مع اشتعال الشارع الأردنيّ واستقائه تطورات الأحداث عبر القنوات الخارجية أو تكهّنات الإعلام الموازي ليظهر الأمير من خلال فيديو وجّهه للعالم باللغة الإنجليزية والعربية بثّته قناة العربية، ليصدم محبوب الأردنيين كلّ الأردن بخطاب حزين يبرأ من الفساد والتغلغل في مؤسّسات الدولة والتنفّع والتنفّذ من مجموعة صغيرة على حساب الوطن؛ قربه من الشارع يُدفِعه الثمن وأخضعته حينها رئاسة هيئة الأركان العسكرية والمخابرات للإقامة الجبرية وعزلته كليّاً عن العالم الخارجي.

 

الترويج لإدانة الأمير

حينها صرّحت المصادر الرسمية في مؤتمر صحفي عُقد في 5 أبريل/ نيسان قدّمه نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي تضمّن إتهام صريح للأمير حمزة بنشاطات وتحركات تستهدف أمن الأردن، ورُبط اسمه مع أكثر الشخصيات الأردنيّة تنفّعاً؛ ارتبط اسمه بملفات فساد كثيرة، باسم عوض الله.

وقعت هذه التصريحات على مسامع الأردنيين كالصّاعقة وسابقة لم يعرفها الأردنيّ ولا الأسرة الهاشمية من قبل، فقد عُرف الأمير بقربه من الشارع وحديثه بنبضه ليفوز بقلوبهم ويذكّرهم بوالده المغفور له، ملك القلوب الملك حسين.

لقد حمل المؤتمر الصحفي توجيه صريح للأمير ووضعه أمام خيارين، إمّا التسوية داخل العائلة - وهذا الذي حصل - أو مثوله في محكمة أمن الدولة لرفع الغطاء عنه، ناهيك عن ضبابية المؤتمر الذي لم يتّسم بالشفافية على الإطلاق، بينما تصريحات رئيس الوزراء بشر الخصاونة سحبت يوم 12 أبريل/نيسان الخيار العائلي لتبقي مثول الأمير حمزة أمام محكمة أمن الدولة بتهمة التآمر كخيار أخير لا بديل له، وذلك في جلسات مغلقة لمجلسي الأعيان والنواب، الذي قدّم الخصاونة فيه شرحاً عن طبيعة العلاقة والاتصالات بين المعتقلين الثلاثة الأبرز في ملف المؤامرة.

بين اعتقال الأمير في 5 أبريل/ نيسان 2021 عقب تغريدته الأخيرة بأشهر في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020م والأخيرة في 3 أبريل/نيسان 2022م التي تنازل من خلالها برسالة مقتضبة عن لقب الأمير قرابة عام ونصف.

القصر لم يتفاعل مع تخلّي الأمير عن لقبه ولم يصرّح بشيء، الأمر الذي أثار كثير التساؤلات في الشارع والأوساط الإعلامية. والأمر اللافت للنظر أنّ تغريدة الأمير الأخيرة بقت وحيدة منذ ذلك الحين وحتى اللحظة، ممّا يفتح الباب لإحتمالات كثيرة، واحدة منها أنّه استعان من أحد الثقات في القصر ليتمكّن من نشر التغريدة، أي أنّ الأمير حمزة وصل إلى مرحلة يئس أثناء احتجازه جعلته يستخدم آخر كلمة يذود بها عن نفسه ويردّ لأخيه صفعة، وهي تنازله عن لقبه.

لذلك أظنّ بأنّ العقوبات التي أصدرها الملك بحقّ أخيه برسالته ما كانت ستُبرم دون تخلّي الأمير عن اللقب، والتعريض له برسالة التخلّي، التي بدى فيها تحميل الملك مسؤوليّة تنفّذ منظومة الفساد في الدولة، إذ قال: «إنّي وبعد الذي لمست وشاهدت خلال الأعوام الأخيرة، قد توصّلت إلى خلاصة بأنّ قناعاتي الشخصية والثوابت التي غرسها والدي فيّ، والتي حاولت جاهداً في حياتي التمسك بها لا تتماشى مع النهج والتوجهات والأساليب الحديثة لمؤسساتنا»، وأردف: «من باب الأمانة لله والضمير؛ لا أرى سوى الترفُّع والتخلّي عن لقب الأمير».

وصف الملك عبد الله الأمير بالهدّام عبر رسالته؛ وصف يتناسب والاتهامات المنسوبة إليه، وهذه هي ذات الاتهامات المتداولة لكلّ من ينتقد أداء الدولة الركيك. ‏مآل الأمير حمزة كمآل أي مواطن يتجرّأ على نظام الدولة، فكيف إذا كان هذا الشخص ولي عهد سابق أُطيح به، ومحبوب الشّعب وضحيّة القصر؟

الأزمة التي يمرّ بها الأمير حمزة وضعت الأردنيّين على المِحكّ ولا زالت، فرغم حبّهم للأمير وتوظيف هذا الودّ من بعض الجهات الحاقدة المغرضة وأعداء الدولة ليخلقوا شرخاً في الأمّة جرّاء الأداء الحكومي المترهّل والأزمات الإقتصادية وتفاقم المديونية وتهالك المنظومة الصّحّيّة والتعليميّة التي تمرّ بها الدولة، إلّا أنّهم مجتمعون على وحدة الصّف أمام أي فكرة أو خطوة تهدّد أمن البلاد.

 

الإلتفاف حول مؤسّسة العرش

الأردنيون ينتقدون أداء الحكومة وضعف المؤسّسات وهشاشة البرلمان دون هوادة ويختلفون بالمبتدأ والخبر، غير أنّهم ملتفّون حول مؤسّسة العرش. لذلك كان بالإمكان الإفراج عن الأمير والتعامل معه والفتنة المزعومة بشكل أكثر موضوعية ومصداقية وودّ داخل العائلة الهاشمية، مع حفظ حقّ الأمير بالحرّيّة، بدلاً من التهويل والقمعية وعدم التسرّع بعقابه وتقييد حياته.

عندما نتحدّث عن انقلاب، فالحديث يكون عن تواطؤ جهاز المخابرات وقيادة الجيش والداخلية، أمّا إذا كانت الاعتقالات التي أوكل إليها هذا الاتهام لا تتجاوز شخص، هو خلاصة فساد حكومي مُعضل وطاقم مرافقي الأمير ومدير مكتبه، فيجب أن يكون الحديث هنا عن شيء آخر أكثر بعداً عن تهديد أمن الدولة.

قال الملك في رسالته: «خلُصت إلى النتيجة المخيبة أنّه لن يغيّر ما هو عليه»، ما معناه المؤامرة.

فهل حملة الإعتقالات بوزن هؤلاء الأشخاص ومعهم الأمير كافية لإنقلاب أو ضعضعة الأمن؟ أم علّها أكثر من قرصة أذن لتصل إلى كسر ذراع ورُكبة؟ كما بيّنت رسالة الملك الآن.

حديث الأمير حمزة عن الفساد بات يؤرّق الملك، هذا كلّ ما في الأمر. تذكّرني أحداث القصر في الأردن بمكر نساء خلفاء بني عبّاس.

تقييد حرّيّة إنسان بزعم قضية الفتنة بأدلّة فُصّلت على مقاسه، فضلا عن كونه أمير، حتى لو تنازل عن لقبه، وبعيداً عن نفاذ التنازل من عدمه، هو استقواء لا يقبله القانون ولا العرف؛ تجاوز يمارسه نظام بوليسي مستبدّ؛ يحاول بكلّ ما أوتي من قمعية سلب حرّيّة التعبير، وهي حقّ كالماء المسروق والنفس المحزوق.

‏لم يسلُك الأمير حمزة كغيره من الأمراء؛ يأخذون مسّتحقاتهم بصمت - وبعضها من قوت الشعب - وأحياناً كثيرة أكثر ممّا تُخصّص لهم الدولة. قاسَم الشعب «المعثّر» اللقمة واطّلع على حالهم، فأوجعه وجعهم وتحدّث بصوتهم فطاله الظلم الذي يطول جلّهم.

إن ‏الظلم يستهدف الجميع، لذلك يخطئ من يظنّ أنّ الظلم الواقع على غيره لن يطاله، فلا حياة للظالم إلّا بعموم الظلم، ولا بدّ أن ينال من أعانه عليه عملاً وقولاً أو بغض الطرف، وسنّة الله تسليط المساهم بالظلم عليه.

نهاية أستحضر قول الله تعالى: «وجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ».

وقول الرسول الحبيب صلّى الله عليه وسلم: «اتقُوا الظُّلم؛ فإنّ الظلم ظلُمات يوم القيامة».

ما سقطت أمّة إلّا بالمحاباة والمداهنة في العقاب والخنوع. أُكلتم يوم أُكل الثور الأبيض.

Ahmad.omari11@yahoo.de

Back to top ↑

كلمات من العمري

في بداية خطابي أشكر زائريّ ممن بحث عني بأسمي أو دخل منزلي صدفة فراق له البقاء. وجزيل شكري لكل أصدقائي وأحبتي ممن يعملوا في الخفاء لنشر كلماتي دون تقديم أشخاصهم، إيمانهم بها أو بي وإن زل قلمي حيناً يقينهم إذعانَ قلبي وعقلي لها. لقد ترددت كثيرا قبل أن أفتح هذا الباب الذي عمل عليه صديقي الأستاذ أنس عمرو وصديقي الدكتور ضياء الزعبي - جزاه الله كل الخير- ولم يتركني حتى كَمُل على وجه رضيناه للأخوة القراء الكرام ... المزيد
كن على تواصل واتصال معنا

© 2018 أحمد سليمان العمري.
Design By: Hebron Portal - Anas Amro .