الأحد، 20 نوفمبر 2022

فُقَاعية لمّ الشّمل في القمّة العربية

 

بسم الله الرحمن الرحيم


فُقَاعية لمّ الشّمل في القمّة العربية




دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

بداية أودّ التوضيح بأنّ هذه المقالة لا تتحدّث كثيرا عن مجريات القمّة العربية فعلا، ولا تُقدّم طروحاتها أو شروحا لنصّ البيان الختامي لها، أو ما تمخّض عنها من مبادارات وقرارات بلاستيكية، وإلّا لكان نشر المقالة بغير موعدها، هذا مع قناعاتي بأنّ موعدها هو في أي وقت من العام، لتناسخ وتشابه القمم من حيث إنفاذ أو تحقيق أعمال على أرض الواقع، أو حتى نوعية الخطابات وصياغة العبارات، إنّما محاولة للحديث عن بعض الإخفاقات المتناسخة، التي يُسَوّق لها في كلّ قمّة عربية على أنّها إنجازات.

احتضنت الجزائر القمّة العربية الـ 31 تحت شعار «لمّ الشّمل» وسط خلافات إقليمية مُعقّدة؛ تعذّر حلّها وتفاقم بعضها وعكس كثيرها مسار التنمية البشرية طيلة عقدين من الزمان، وهدّدت السّلام والأمن الإقليميين، جرّاء حروب غدت من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ودفعت بعض مؤسّسات الدول إلى حافة الانهيار.

افتُتحت الثلاثاء الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أولى أيام قمّة جامعة الدول العربية، بكلمة للرئيس التونسي قيس سعيّد، رئيس الدورة الماضية، دعا فيها إلى تجاوز الخلافات العربية، العربية ولمّ الشّمل.

وقد أرجأ سعيّد دموية الأنظمة إلى الثورات التي طالبت بالحرّيّة حين قال: «وطي النزاعات الدامية الموروثة عمّا سُمّيا بحقبة الربيع العربي»، واعتبر رفض القمعية والممارسات البوليسية ذريعة تُقرّها الجامعة العربية: «للانتصار على من يَشُنّون حربا ضروسا لإسقاط الدول»، حسب تصريحه.

الحرّيّة هي الحقّ المشروع الذي لا يمنحه سعيّد ولا يمنعه، ولا تُقرّه الجامعة العربية ولا يحقّ لها أن ترفضه، لأنّه وبكلّ الأعراف يُخلق مع الإنسان.

بدأت القمّة أعمالها في العاصمة الجزائرية بغياب عدّة دول وازنة؛ لم تكن ممثّلة بقادة دولها، لا سيما السعودية، الكويت، الإمارات، البحرين، عُمان، المغرب، الأردن ولبنان، والأخيرة لاعتبارات تخصّ انتهاء عُهدة ميشال عون الرئاسية في 31 من الشهر الماضي.

المِلفّ الإسرائيلي

أظنّ بأنّ سبب غياب الدول الخليجية ومعها الأردن يعود إلى رغبة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، هذا رغم تصريح زعماء دول الخليج بعدم الحضور قبل السعودية، ولكن حتى لا يصبح الأمر واضحا، لاعتبارات ارتأى الأمير محمد تجنّبها ولزوما تطبيقها حول القضيّة الفلسطينية، وهي القضّية الجوهرية في القمّة بحضور الدول المطبّعة وأخرى برسم التطبيع.  

في آخر قمّة عُقدت لجامعة الدول العربية في آذار/مارس 2019 في تونس، كانت بعض الدول الأعضاء تضع على رأس أولولياتها القضيّة الفلسطينية، وفي نهج نظامها ونصبها العِداء للاحتلال، حتى لو شكليا؛ أقامت اليوم إتفاقيات تطبيع معه، لا بل تجاوزت التطبيع التقليدي بالصهر والإندماج المُعيب الذي يُقوّض الحقّ الفلسطيني بالدعم العربي.

بهذا الشكل من التطبيع دخلت السودان والمغرب ودولة الإمارات والبحرين بعلاقات مع إسرائيل في 2020 في إطار سلسلة اتفاقيات أمنية وإقتصادية وسياحية، وكثيرة أخرى ترتّب عليها نشر نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي «باراك» ضد الصواريخ الباليستية الإيرانية وصواريخ «كروز» والطائرات المسيّرة، ومنظومة رادارية في عدّة دول في الشرق الأوسط، بما في ذلك البحرين، ثم سارت المغرب بركب الإمارات وأبرمت إتفاقيات أمنية مع الإحتلال، وصلت لمشاركة المفتّش العام للقوات الملكية المغربية الفاروق بلخير في مناورة عسكرية بقاعدة «تساليم»؛ حاكت هجمات صاروخية وجوية وبرّيّة، وفاقمت في ذات الآن الحالة المأزومة مع الجزائر، بسبب الخلافات الحادّة حول إقليم الصحراء الغربية؛ كان من شأنها قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ آب/أغسطس 2021 بقرار جزائري.

وقد يُبرّر غياب بعض الدول المطبّعة ضمن «إتفاقات أبراهام»، وأخرى قيد التطبيع، أو تجمعها مع الإحتلال إتفاقيات كاتفاقية الطيران الإسرائيلي السعودي، وللأهمية التي توليها الجزائر للقضيّة الفسطينية والتأييد، وخاصّة أنّها المضيفة للقمّة، كما وقد رعت في منتصف تشرين الأول/أكتوبر اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية، محاولة منها للَأم النجلاء الفلسطينية فيما بينها.

اللُّحمة العربية وتعليق عودة سوريا

اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بادرة تُحسب لتبّون، لكن فُرص تنفيذ المصالحة على أرض الواقع عقيمة، فقد جفّ حبر المصالحة قبل أن تصل الوفود الفلسطينية إلى أرضها، فالسلطة تنهج التواطؤ والتنسيق الأمني مع الإحتلال، وقادّة غزّة يحملون على عواتقهم الرّدع والرّدّ والمقاومة والكرامة.

بدأت قمّة لمّ الشّمل بيومها الأول بالفرقة العربية، حيث طغى الخلاف المغربي الجزائري على الأعمال التحضيرية لوزراء الخارجية العرب، بعد احتجاج الجامعة على قناة الجزائر الدولية لعرضها خريطة للوطن العربي غير المعتمدة؛ فصلت الصحراء الغربية عن المغرب، الشيء الذي أثار حفيظة الوفد المغربي.

سعت الجزائر منذ فترة بتشجيع من روسيا وإيران لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية، التي عُلّقت عضويتها منذ بداية 2011 بسبب الفظائع التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري، غير أنّ الجزائر تخلّت عن هذا المسعى بعد معارضة عدد من الدول الفاعلة؛ من بينها دول الخليج.

التخلّي عن ضم رئيس النظام السوري للحاضنة العربية مرّة أخرى قرار حكيم، وإلّا كان بمثابة مشاركة صريحة من الأنظمة العربية؛ ممثّلة بجامعتها بالمجازر التي أرتكبها الأسد بحقّ السوريين، ولكانت عودة الأسد بمنزلة المنتصر بدلا من المجرم المُدان.

نسخ عربي في البيان الختامي

تواصلت أعمال الجامعة العربية في يومها الثاني، حيث تشابهت كلمات القادة العرب في البيان الختامي للقمّة العربية من حيث المضمون، فقد أجمعوا على مواجهة الدول العربية لتحديات تُلقي بظلالها على الجانب الأمني لتطال المنطقة برمّتها؛ تحدّثوا عن الملف الليبي وتضميد جرحه من أجل لمّ الشّمل، والوساطة العربية الليبية، التي تساوي على أرض الواقع صفر، إضافة إلى عدم دخول الدول العربية لغاية الآن بوساطة لإنهاء المأساة اليمنية، وهو الدور الدبلوماسي المحوري الذي سبق ومارسته مسقط في الماضي للتقريب بين الأطراف اليمنية المتناحرة.

أمّا دور الشباب المهمّش، لا بل قمعه وتجييش الأنظمة البوليسية ضده لتكميم الأفواه وقمع الحرّيّات، لا بل اتهام المواطن عامّة من أجل ذلك بذرائع مهترئة تُهدّد أمن الدول، وهو الحديث الذي بدا بجلاء في خطاب سعيّد.

وتزامنا مع الخطابات الداعية لخلق مبادارات لحلّ الأزمة السورية، التي أثقل الحرب كاهلها عقدا من الزمن والانهيار الإقتصادي وانعكاساته ونتائجه الكارثية المأساوية على المواطن؛ تُشبه تلك الحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت السطات الجزائرية تدفع عشرات اللاجئين، لا بل «ترمي» - بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى - 62 لاجئ سوري، بينهم أطفالا ونساء وشيوخ على قلّتهم إلى قلب الصحراء.

هذه القمّة لم تختلف حقيقة عن القمم العربية الماضية؛ إجماع شكلي على مركزية القضية الفلسطينية، ودعم مطلق لحقوق الشعب الفلسطيني، وضرورة التمسّك بمبادرات السّلام بكلّ عناصرها وأولوياتها، بينما الإحتلال يتبنّى السياسة القمعيّة ويُصرّح بإستخدام كلّ القوى المتاحة للتنكيل بالفلسطيني، بالشراكة مع السلطة الفلسطينية ووجوم الأنظمة العربية، فضلا عن عدم تجريم القمّة للممارسات والقتل الإسرائيلي ضد أبناء شعبنا العُزّل في فلسطين. 

كلّ خطابات الجامعة العربية، وآخرها التي ألقاها عبد المجيد تبّون إنشائية متكرّرة خالية من المصداقية، ليس لها أي تأثير على الشارع العربي وقضاياه، بداية بلمّ الشّمل الدعائي، الذي أطّره الطرد السوري وتمزيق الخريطة العربية، مرورا بتعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي، ونهاية ضرورة مواصلة الجهود والمساعي الرامية لحماية مدينة القدس المحتلّة والمقدسات، التي لا تُشكّل غير بروتكولات ورقية متشابة؛ تستخدم القضية الفلسطينية مطية لتسويق الوهم.

أمّا بما يتعلّق بالتنديد لتدخّل تركيا وإيران بالشأن العربي فقد انشقت الدول على بعضها حسب وجهتها السياسية والطائفية ومصلحتها حينا آخر.

المعضلة في القمم العربية هي الخطابات الرّنّانة غير الصريحة والمنفصلة تماما عن الواقع، لأنّها بالحقيقة لا تلقي بالاً لمصالح الشعوب، إنّما لديمومتها.

هذه القمّة لا تختلف كثيرا عن التي سبقتها؛ مزايدات بالشعارات وتناسخ بالألفاظ أو البيانات الختامية، كما حصل مثلا في قمّة بيروت بعام 2002، التي شهدت مبادرة السّلام العربية أيضا.

 الجامعة العربية لا تُلزم أعضاءها بتنفيذ أي إتفاقية أو مشاريع من شأنها المُضيّ قُدما لتنفيذ ختاميات القمّة، ولا تشبه أبداً الاتحادات والكيانات الأخرى، كما هو الحال عربيا في مجلس التعاون الخليجي أو دول الإتحاد الأوروبي، مجموعة الدول الصناعية السبع أو مجموعة «بريكس»، أو أي تنظيمات مماثلة تعمل أكثر ممّا تتحدّث.

يعني بطرح آخر كما قال أبو حامد الغزالي في كتابه «إلجام العوام عن علم الكلام»، كلام لا يؤدّي إلّا إلى كلام. ومن عندي  أوله كآخره، لن يُغيّر الوضع الراهن في فلسطين ولا بالأمن القومي في المنطقة، ولا حتى إضافة نوعية بإختيار المفردات والتصريحات.

Ahmad.omari11@yahoo.de

الأربعاء، 20 يوليو 2022

زيارة بايدن لتطويع التوسّع الإسرائيلي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

زيارة بايدن لتطويع التوسّع الإسرائيلي

جو بايدن يصافح بن سلمان بالقبضة


دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

الزخم العربي الأخير بتبادل الزيارات بين الدول التي تُقيم علاقات تطبيعية مع إسرائيل وأخرى مرشّحة مثل السعودية، وعقد اللقاءات على مستوى القيادات لتشكيل حلف عسكري مزمع للإلتفاف على القضية الفلسطينية ومحاولات بائسة لإجهاض المقاومة والتجييش ضد طهران بدروع بشرية عربية وجمع حلفاء للتضييق على روسيا بعد تمخّضات الحرب التي آلت لحرب بالوكالة بينها وبين الناتو، والتحولات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط وما أسفر عنها من تهديدات جرّاء الحرب وتفاقمات أخرى قائمة كزيادة التنفّذ الإسرائيلي بدعم عربي.

الآن ومع زيارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن» إلى إسرائيل وضعت اللمسات الأخيرة لحلف عسكري؛ قد يمكّن من تغيير البنية الأمنية للمنطقة برمّتها بشكل دائم بذريعة الخطر الإيراني، وأولها بدأت بتوقيع «بايدن» و«يائير لابيد» بعد وصوله إلى إسرائيل الأربعاء 14 يوليو/تموز اتفاق مشترك أُصطلح على تسميته «إعلان القدس»؛ يتعهدان فيه بمنع إيران من حيازة سلاح نووي، وهو يعبّر عن موقف واضح وموحّد ضدّ طهران وبرنامجها النووي.

تسمية الاتفاق بإعلان القدس هو استفزاز للأمّة التي تطالب بعودة القدس الشرقية وحدودها على الـ 1967، بدلا من الخطوات الجدّيّة لحلّ الدولتين، التي باتت تعاني موتا سريريا ممنهجاً.

منذ أن صرّحت الإدارة الأمريكية بزيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية والتي بدأها في إسرائيل - كما هو متوقّع - الأربعاء 13 يوليو/تموز والتكهّنات حول إنشاء حلف شرق أوسطي لم تنته، إضافة إلى مستقبل العلاقات السعودية - الإسرائيلية.

غادر جو بايدن في 17 يوليو/تموز وترك خلفه مخرجات قمّة جدّة للأمن والتنمية، التي بحثت ضمن مواضيع أخرى المستجدات الإقليمية والدولية وسبل توسيع التعاون بين الدول المشاركة، لاسيما في المجالات الاقتصادية والأمن الغذائي والطاقة والمياه.

 

دمج إسرائيل في المنطقة ضمن محور عسكري

قمّة جدّة اعتبرها البعض نجاحاً سعودياً وإخفاقاً للرئيس الأمريكي، بينما أعتبرها البعض نجاحا كبيراً لما تمخضّ عنها من جمع السعودية في حلف مرتقب يجمع الدول المطبّعة في المنطقة وإسرائيل، حيث صرّحت مسؤول كبير في الإدارة الأمريكي بسياق متصل أنّ بايدن ناقش القدرات الدفاعية والصاروخية في الشرق الأوسط مع الزعماء العرب في السعودية، سعياً لإقناع حلفاء واشنطن في المنطقة بدمج إسرائيل في المنطقة ضمن محور جديد تحركه إلى حد كبير مخاوف مشتركة بشأن إيران.

هذا التصريح وحده كاف لوجود مستقبلي لحلف عسكري شرق أوسطي وإن اختلفت المسميات. في حين نفى وزير الخارجية السعودي أي نقاش بشأن تحالف دفاعي مع إسرائيل، وهو المشروع الذي طرحه الكونغرس تحت إسم «ردع الأعداء وتعزيز الدفاعات» لبناء تحالف أمني واقتصادي يضمّ دولا عربية بشراكة إسرائيلية، يدعو إلى دمج دفاعات دول المنطقة بذريعة التصدّي للاعتداءات الإيرانية، رغم موقف الضعف الذي اعتري بايدن في الرياض على عكس سلفه دونالد ترامب؛ كان يأخذ الجزية مقابل الحماية بصورة تجاوزت الوقاحة.

الأمر الذي يخلق تناقضاً بتشكيل ناتو عربي لمواجهة إيران هي الضمانات التي قدّمتها مصر لسلطنة عُمان خلال زيارة عبد الفتاح السيسي لها يوم الإثنين 27 يونيو/حزيران بعدم رغبة بلاده بالدخول في مواجهة عسكرية مع إيران بأي شكل، هذا مع الأخذ بعين الإعتبار بإنّ موقف السيسي ليس موقفاً شخصياً، إنّما يعبّر عن قناعات صخرية داخل المؤسّسة العسكرية المصرية لعدم وجود عداء مع طهران، لا بل على العكس، فإنّ الإتفاقيات غير المعلنة بين الدولتين تضمن عدم اعتداء أي طرف على الآخر.

 

توريط مصر في المحور

بايدن ودبلوماسيون غربيون يحاولون توريط مصر في هذا التحالف الذي سيضمّ إسرائيل بمواجهة مع إيران بإستثمار جيشه، وقد تناقلت مصادر غربية تصريحات بما معناها: «ماذا تفعل مصر بهذا الجيش الكبير، الذي من المفترض أن يواجه إيران بدلاً من إسرائيل والخليج». إضافة إلى الضغط الذي تمارسه دول خليجية على النظام المصري لإقحامه بالحلف من خلال الدعم المالي الهائل في الآونة الأخيرة؛ قد يُجبر الجانب المصري لسياسة الإزدواجية.

وهناك جزئية يجب الحديث عنها وهي الدعم أو الإستثمار الخليجي في مصر لا يقف خلفه حصراً الضغط عليها لإستثمار الجانب العسكري، كون جيشها هو الأقوى في الشرق الأوسط، إنما لمركزيتها وأهميتها خليجياً وعربياً ودورها بإستقرار المنطقة وعملية السلام المقرونة بحلّ الدولتين أو إجهاضها.
 

يعتبر اللقاء الأول  الذي عُقد سرياً في شرم الشيخ بشهر آذار/مارس الماضي هو الإنطلاقة للمحور المزمع تشكيله، والذي جمع رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية «آفيف كوخافي» ورئيس هيئة الأركان العامّة للقوات المسلحة السعودية فياض بن حامد الرويلي وممثّلين من قطر، الأردن، مصر، دولة الإمارات العربية والبحرين، إضافة إلى ضمّ الكويت والعراق؛ ناقشوا ما وصف بالخطوات الأولية تجاه تعاون لمواجهة تهديد الطائرات الإيرانية المسيّرة، تزامناً مع قمّة النقب التي جمعت وزراء خارجية إسرائيل والولايات المتحدة ومصر والبحرين والمغرب والإمارات العربية في ذات الشهر آذار/مارس بصحراء النقب في منزل «بن غوريون»، بعد أكثر من شهر بقليل من بدء حرب أوكرانيا في قمّة إذلالية توافقت مع الإنتهاكات الإسرائيلية والقتل في فلسطين؛ وصفها الجانب الإسرائيلي بالتاريخية.

ومع غياب وزير الخارجية الأردني في قمّة النقب، إلّا أنّ الملك عبدالله الثاني لن يكون لديه أي شيء ضد حلف «ناتو شرق أوسطي»، على العكس من ذلك فقد صرّح مؤخراً بأنّه سيكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيّدون إنشاءه.

الملك عبدالله أول المصرّحين الموافقين، ولكن هذا لا يعني أنّ الدول الأخرى لم توافق، فكما يبدو أنّه أخذ دور التصريح عن الحلف، وهو الشيء الذي كان ممكن أن يصرّح به حاكم آخر.

في الوقت الذي ساهم حلف الناتو في أوروبا على مدار 70 عاماً بالنمو الاقتصادي والتعاون السياسي، ينشغل الشرق الأوسط المأزوم بالصراعات المعقّدة بحلف سيجعل دول المنطقة أداة إسرائيلية للقضاء على القضية ومنح إسرائيل الوصاية على العرب وزيادة في توسّعها؛ مؤطّرة بإتفاقيات إذلالية بإسم السلام والإزدهار ومسمّيات أخرى.

يرجّح البعض فكرة الناتو العربي إلى عهد الرئيس الأمريكي الأسبق «باراك أوباما» الذي جمع للمرّة الأولى قادة الدول الخليجية في «كامب ديفيد» للعمل على إيجاد جبهة واحدة لمواجهة التحدّيات المشتركة، والذريعة تتناسخ؛ إيران.

وتجدّدت فكرة تحالف الشرق الأوسط مرّة أخرى الذي أُصطلح على تسميته سابقاَ إعلامياً «ميسا» أو «الناتو العربي» في حقبة «دونالد ترامب».

 

تجنيد المنطقة لإسرائيل وأمريكا

الجانب الآخر من ضرورة المحور العربي الجديد أمريكياً الذي يسعى إليه بايدن هو جذب السعودية والإمارات بعيداً عن حليفتيهما الصين وروسيا، وبناء جبهة مناهضة لروسيا بهدف زيادة إنتاج النفط أيضاً، وهذا الذي قاله بايدن في قمّة جدّة.

السعودية تلعب الدور الأهم بإنشاء المحور الذي تحدّث عنه الأخير خليجياً وعربياً، وإذا نجحت بعملية التقارب العربية - أظنّها نجحت - فلن يكون هناك الكثير لإتمامه.

زيارة بايدن للمنطقة تُعتبر فرصة إسرائيلية لتعميق التوجّه نحو التقارب والتنسيق مع السعودية بصفة خاصّة، وضربة قاسية لجسد الوطن العربي وفلسطن على وجه الخصوص؛ بعيداً عن فكرة إقامة ناتو إقليمي التي بدأت ضمنياً.

رغم عدم احتمالية توقيع الرياض على المدى القصير إتفاقية تطبيع، إلّا أنّ التعاون من وراء الكواليس وارد بالتأكيد، آخرها هبوط طائرة إسرائيلية في الرياض يوم الإثنين 11 يوليو/تموز كانت تابعة سابقا للموساد، نقلا عن تغريدة على تويتر كتبها الصحافي الإسرائيلي بصحيفة «هآرتس» «آفي سكارف».

إن صحّ الخبر فهي ليست المرّة الأولى، فقد حطّت العام الماضي في أكتوبر/تشرين أول بالرياض طائرة إسرائيلية، بعد زيارة للأردن.

وفق تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» تجري محادثات سرّيّة بالفعل حول مزيداً من التعاون الإسرائيلي السعودي في القضايا الأمنية؛ ظهرت أولى بوادرها الجمعة 15 يوليو/تموز، حين صرّحت الهيئة العامّة للطيران المدني السعودي عن فتح مجالها الجوي لجميع الناقلات الجوية الإسرائيلية، تزامناً مع وصول بايدن إلى جدّة بطيران مباشر من مطار بن غوريون، وهي الرحلة الأولى لرئيس أمريكي يسافر من إسرائيل إلى السعودية، ممّا يعكس ديناميكيّة التطوّرات بين البلدين، وتكهّنات حول محور أو ناتو شرق أوسطي، حسب الصحيفة.

واحد من أهم أهداف فكرة المحور العسكري الذي طرحه الرئيس الأمريكي في القمّة الخليجية التي جمعت الأردن ومصر والعراق هو خلق ذراع للحلف الأوروبي الأمريكي في المنطقة لمواجهة التمدّد الروسي وليس الإيراني فحسب، وخاصّة أنّ موسكو ترتبط بعلاقات وثيقة مع دول عربية مثل الجزائر ومصر، كما أنّها أمدّت الجزائر بصواريخ «اسكندر» الاستراتيجية التي أثارت قلقاً أوروبياً نظراً لقدراتها الهجومية الكبيرة ومداها شديد الاتساع.

إضافة إلى دور دول الخليج التي تبنّت موقفين مختلفين حيال الحرب الروسية الأوكرانية، والتي حاول بايدن جلبها لصفّه في القمّة.

الأمر الذي جعل إنشاء محور عربي، تحديداً الآن ضرورة أمريكية هي المواقف الرسمية للدول العربية تجاه روسيا، فالبعض أيّد الغزو الروسي وبرّره؛ سوريا مثلا، ودول أخرى انضمنت إلى الموقف الغربي على استحياء، بينما التزمت حكومات أخرى الحياد.

يعود الإنفتاح العربي تجاه روسيا جرّاء تجاهل بايدن لإبن سلمان والمنطقة، الأمر الذي دفع إلى التوجّه لجبهة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» والرئيس الصيني «شي جين بينغ»، ممّا جعل تقرّب بعض الدول الخليجية لموسكو وبكين مبرّراً، فغياب أمريكا يعني وجود دول أخرى مكانها لتبادل المصالح.

التضامن غير الجدّيّ والحياد من الدول العربية تجاه الأزمة هو عبارة عن فجوة قدّ تملأها روسيا أو أمريكا وحلفاؤها، لذلك أسرعت إدارة بايدن لإستثمار هذه الثُلمة بعقد قمّة جدّة، فضلا عن تراجع التواجد العسكري الأمريكي، فربما يكون المحور العربي هو البديل الأمني للقوات الأمريكية بالمنطقة.

 

سيطرة إسرائيلية بجيوش عربية

لو تمعّنا الماضي القريب حتى توقيع حلف بغداد العسكري في 24 فبراير/شباط 1955 الذي جمع العراق، تركيا وإيران، باكستان وبريطانيا، مع إختلاف الأعداء والأصدقاء بهدف إيقاف المدّ السوفيتي إبّان الحرب الباردة - تشبه الأزمة الغربية الروسية الآن - تزامناً مع بدء خطر الاحتلال لوجدنا أنّ الأنظمة العربية آنذاك كانت مجتمعة على رأي واحد، وهو نصب العِداء لإسرائيل، لذلك رفضت سوريا ومصر والسعودية الانضمام بسبب القناعات العربية الصخرية في ذلك الوقت بأنّ الخطر الحقيقي هو إسرائيل، ولذلك واجهت الدول الأخيرة الحلف الذي تفكّك بعد فترة ليست بالطويلة من إقامته.

 بينما وبعد مضي 62 عاماً تغيّرت المعايير فأصبحت دولة الإحتلال ترتبط مع جلّ دول المنطقة بمعاهدات سلام واقتصاد وأمن، وآخرها الآن قاصمة الظهر المحور العسكري المزمع تشكيله بذريعة الخطر الإيراني، الذي يجمع دول الشرق الأوسط العربية مع الإحتلال، إضافة إلى المغرب الذي يُعدّ ضمنياً مع الحلف لوجود الإتفاقية الأمنية معه.

أمريكا تعيد المحاولة تارة أخرى، ولكن هذه المرّة للحاجة الإسرائيلية في ضوء تطور القدرات العسكرية الإيرانية، ولإضعاف القضية الفلسطينية، والمطالبة الإسرائيلية والغربية والخليجية بتجميد البرنامج النووي الإيراني.

إذا أُنشئ المحور العربي الشرق أوسطي بشراكة إسرائيلية، كما ترغب به الدول العربية رغم اختلافها - وهو ضعف وتواطؤ وإلتفاف وتصفية للقضية - فسيمكّن إسرائيل في المنطقة برمّتها وينهي حلّ الدولتين والقضية للأبد.

‏تفرّقت الدول العربية والإسلامية رغم روابط الدين واللغة والعرف وجمعتهم مصلحة أمريكية - إسرائيلية وأطماع وخوف لا يبرّرهما غير العجز والتآمر.

ونختم بتصريح جو بايدن خلال زيارته الآن لإسرائيل: «لست بحاجة إلى أن تكون يهودياً كي تكون صهيونياً».

يا حبذا لو أكملها الأخير وقال كلّ الدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات تطبيعية مع إسرائيل هي دول صهيونية رغم لغتهم العربية ودينهم الإسلامي.

Ahmad.omari11@yahoo.de

 

الأربعاء، 8 يونيو 2022

رسالة الملك تظلم الأمير

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمير حمزة

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

كنّا نعتقد في الأردن أنّ قضية الأمير حمزة المسمّاة بالفتنة قد انتهت، واختفائه عن الأضواء بعض من العقاب الذي وقع عليه جرّاء الإتهامات الباطلة، فقد عاصرنا منذ بداية الأزمة يوم الأحد 3 أبريل/نيسان 2021م ولغاية 5 أبريل/نيسان أيام عصيبة بعد أن شهدت عمّان حملة اعتقالات طالت الشّريف حسن بن زيد وباسم عوض الله ومدير مكتب الأمير وبعض مرافقيه وآخرين بتهمة تحركات ونشاطات توظَّف لاستهداف أمن الدولة، كما وأخضعت قيادة الجيش سُمُوّ الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية.

أختفى الأمير عن الأنظار بعد التغيّرات التي طرأت في البلاد، وبين ليلة وضحاها مُنع الحديث عن القضية، ليلجأ الأردني إلى الصحف غير الأردنية والغربية تحديداً لمعرفة ما يدور في البلاد من ضعضعات واعتقالات، وصفت على أنّها محاولة انقلاب، حتّى أقرّ الملك عبدالله الثاني في التعامل مع الأمير حمزة ضمن إطار الأسرة الهاشمية الملتحمة، حيث أوكل لعمّه الأمير حسن بن طلال الذي تواصل بدوره مع الأمير حمزة الذي أكّد من خلال رسالة من بيت عمّهما أنّه يضع نفسه بين يديّ جلالة الملك وبقائه على عهد الآباء والأجداد وفياً لإرثهم سائراً على دربهم ليقطع بذلك دابر المتآمرين المتملّقين بعباءة الولاء والميثاق.

وبهذا القدر ظنّ الشارع الأردني بأنّ الأمر انتهى رغم التحفّظ على الأمير، أغلب الظنّ في القصر، وإذا برسالة مطوّلة أشبه برسائل العباسيين؛ أصدرها الديوان الملكي بإسم الملك عبد الله مساء الخميس 19 مايو/آيار، تتضمّن قرارات صدمت الشارع الأردني مجدّدا؛ تقييد اتصالات وإقامة الأمير حمزة وتحركاته، إذ قال الملك في رسالته أنّ أخاه الأمير استنفد كل فرص العودة إلى رشده والالتزام بسيرة الأسرة، فضلاً عن تجاهله الوقائع وتلاعبه بالحقائق.

مساء الخميس صرّح الديوان بصدور الإرادة الملكية السامية بالموافقة على توصية المجلس المشكّل بموجب قانون الأسرة المالكة بتقييد اتصالات وإقامة وتحركات الأمير، والتي رفعها المجلس إلى الملك منذ 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

بهذا رفع الملك الحرج عن نفسه وأرجأ الأمر إلى الأسرة المالكة بكلّ ما ترتّب على الأمير من عقوبات مجحفة.

 

بقاء الأمير تحت الإقامة الجبرية

الحكم الذي أصدره الملك بحقّ أخيه لا علاقة له بقضية الفتنة بشكل صريح، هذا لأنّ الأمر انتهى داخل العائلة ورسالة الإعتذار التي قدّمها الأمير حمزة لأخيه الملك المفروض أنّها أنهت الظنّة والضغينة والبغضاء، وقد قال الملك في حينه: «إن الأمير حمزة مع عائلته في قصره وتحت رعايتي»، إلّا أنّ هذا لم يغيّر من موقفه تجاه أخيه بالجانب الفعلي شيء، كونه أبقاه تحت الإقامة الجبرية في قصره - على حدّ تصريحه - وفصله عن العالم الخارجي تماماً.

في تلك الأثناء كانت التغطية الرسمية في الأردن حول جمال الجسور في العالم تزامناً مع اشتعال الشارع الأردنيّ واستقائه تطورات الأحداث عبر القنوات الخارجية أو تكهّنات الإعلام الموازي ليظهر الأمير من خلال فيديو وجّهه للعالم باللغة الإنجليزية والعربية بثّته قناة العربية، ليصدم محبوب الأردنيين كلّ الأردن بخطاب حزين يبرأ من الفساد والتغلغل في مؤسّسات الدولة والتنفّع والتنفّذ من مجموعة صغيرة على حساب الوطن؛ قربه من الشارع يُدفِعه الثمن وأخضعته حينها رئاسة هيئة الأركان العسكرية والمخابرات للإقامة الجبرية وعزلته كليّاً عن العالم الخارجي.

 

الترويج لإدانة الأمير

حينها صرّحت المصادر الرسمية في مؤتمر صحفي عُقد في 5 أبريل/ نيسان قدّمه نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي تضمّن إتهام صريح للأمير حمزة بنشاطات وتحركات تستهدف أمن الأردن، ورُبط اسمه مع أكثر الشخصيات الأردنيّة تنفّعاً؛ ارتبط اسمه بملفات فساد كثيرة، باسم عوض الله.

وقعت هذه التصريحات على مسامع الأردنيين كالصّاعقة وسابقة لم يعرفها الأردنيّ ولا الأسرة الهاشمية من قبل، فقد عُرف الأمير بقربه من الشارع وحديثه بنبضه ليفوز بقلوبهم ويذكّرهم بوالده المغفور له، ملك القلوب الملك حسين.

لقد حمل المؤتمر الصحفي توجيه صريح للأمير ووضعه أمام خيارين، إمّا التسوية داخل العائلة - وهذا الذي حصل - أو مثوله في محكمة أمن الدولة لرفع الغطاء عنه، ناهيك عن ضبابية المؤتمر الذي لم يتّسم بالشفافية على الإطلاق، بينما تصريحات رئيس الوزراء بشر الخصاونة سحبت يوم 12 أبريل/نيسان الخيار العائلي لتبقي مثول الأمير حمزة أمام محكمة أمن الدولة بتهمة التآمر كخيار أخير لا بديل له، وذلك في جلسات مغلقة لمجلسي الأعيان والنواب، الذي قدّم الخصاونة فيه شرحاً عن طبيعة العلاقة والاتصالات بين المعتقلين الثلاثة الأبرز في ملف المؤامرة.

بين اعتقال الأمير في 5 أبريل/ نيسان 2021 عقب تغريدته الأخيرة بأشهر في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020م والأخيرة في 3 أبريل/نيسان 2022م التي تنازل من خلالها برسالة مقتضبة عن لقب الأمير قرابة عام ونصف.

القصر لم يتفاعل مع تخلّي الأمير عن لقبه ولم يصرّح بشيء، الأمر الذي أثار كثير التساؤلات في الشارع والأوساط الإعلامية. والأمر اللافت للنظر أنّ تغريدة الأمير الأخيرة بقت وحيدة منذ ذلك الحين وحتى اللحظة، ممّا يفتح الباب لإحتمالات كثيرة، واحدة منها أنّه استعان من أحد الثقات في القصر ليتمكّن من نشر التغريدة، أي أنّ الأمير حمزة وصل إلى مرحلة يئس أثناء احتجازه جعلته يستخدم آخر كلمة يذود بها عن نفسه ويردّ لأخيه صفعة، وهي تنازله عن لقبه.

لذلك أظنّ بأنّ العقوبات التي أصدرها الملك بحقّ أخيه برسالته ما كانت ستُبرم دون تخلّي الأمير عن اللقب، والتعريض له برسالة التخلّي، التي بدى فيها تحميل الملك مسؤوليّة تنفّذ منظومة الفساد في الدولة، إذ قال: «إنّي وبعد الذي لمست وشاهدت خلال الأعوام الأخيرة، قد توصّلت إلى خلاصة بأنّ قناعاتي الشخصية والثوابت التي غرسها والدي فيّ، والتي حاولت جاهداً في حياتي التمسك بها لا تتماشى مع النهج والتوجهات والأساليب الحديثة لمؤسساتنا»، وأردف: «من باب الأمانة لله والضمير؛ لا أرى سوى الترفُّع والتخلّي عن لقب الأمير».

وصف الملك عبد الله الأمير بالهدّام عبر رسالته؛ وصف يتناسب والاتهامات المنسوبة إليه، وهذه هي ذات الاتهامات المتداولة لكلّ من ينتقد أداء الدولة الركيك. ‏مآل الأمير حمزة كمآل أي مواطن يتجرّأ على نظام الدولة، فكيف إذا كان هذا الشخص ولي عهد سابق أُطيح به، ومحبوب الشّعب وضحيّة القصر؟

الأزمة التي يمرّ بها الأمير حمزة وضعت الأردنيّين على المِحكّ ولا زالت، فرغم حبّهم للأمير وتوظيف هذا الودّ من بعض الجهات الحاقدة المغرضة وأعداء الدولة ليخلقوا شرخاً في الأمّة جرّاء الأداء الحكومي المترهّل والأزمات الإقتصادية وتفاقم المديونية وتهالك المنظومة الصّحّيّة والتعليميّة التي تمرّ بها الدولة، إلّا أنّهم مجتمعون على وحدة الصّف أمام أي فكرة أو خطوة تهدّد أمن البلاد.

 

الإلتفاف حول مؤسّسة العرش

الأردنيون ينتقدون أداء الحكومة وضعف المؤسّسات وهشاشة البرلمان دون هوادة ويختلفون بالمبتدأ والخبر، غير أنّهم ملتفّون حول مؤسّسة العرش. لذلك كان بالإمكان الإفراج عن الأمير والتعامل معه والفتنة المزعومة بشكل أكثر موضوعية ومصداقية وودّ داخل العائلة الهاشمية، مع حفظ حقّ الأمير بالحرّيّة، بدلاً من التهويل والقمعية وعدم التسرّع بعقابه وتقييد حياته.

عندما نتحدّث عن انقلاب، فالحديث يكون عن تواطؤ جهاز المخابرات وقيادة الجيش والداخلية، أمّا إذا كانت الاعتقالات التي أوكل إليها هذا الاتهام لا تتجاوز شخص، هو خلاصة فساد حكومي مُعضل وطاقم مرافقي الأمير ومدير مكتبه، فيجب أن يكون الحديث هنا عن شيء آخر أكثر بعداً عن تهديد أمن الدولة.

قال الملك في رسالته: «خلُصت إلى النتيجة المخيبة أنّه لن يغيّر ما هو عليه»، ما معناه المؤامرة.

فهل حملة الإعتقالات بوزن هؤلاء الأشخاص ومعهم الأمير كافية لإنقلاب أو ضعضعة الأمن؟ أم علّها أكثر من قرصة أذن لتصل إلى كسر ذراع ورُكبة؟ كما بيّنت رسالة الملك الآن.

حديث الأمير حمزة عن الفساد بات يؤرّق الملك، هذا كلّ ما في الأمر. تذكّرني أحداث القصر في الأردن بمكر نساء خلفاء بني عبّاس.

تقييد حرّيّة إنسان بزعم قضية الفتنة بأدلّة فُصّلت على مقاسه، فضلا عن كونه أمير، حتى لو تنازل عن لقبه، وبعيداً عن نفاذ التنازل من عدمه، هو استقواء لا يقبله القانون ولا العرف؛ تجاوز يمارسه نظام بوليسي مستبدّ؛ يحاول بكلّ ما أوتي من قمعية سلب حرّيّة التعبير، وهي حقّ كالماء المسروق والنفس المحزوق.

‏لم يسلُك الأمير حمزة كغيره من الأمراء؛ يأخذون مسّتحقاتهم بصمت - وبعضها من قوت الشعب - وأحياناً كثيرة أكثر ممّا تُخصّص لهم الدولة. قاسَم الشعب «المعثّر» اللقمة واطّلع على حالهم، فأوجعه وجعهم وتحدّث بصوتهم فطاله الظلم الذي يطول جلّهم.

إن ‏الظلم يستهدف الجميع، لذلك يخطئ من يظنّ أنّ الظلم الواقع على غيره لن يطاله، فلا حياة للظالم إلّا بعموم الظلم، ولا بدّ أن ينال من أعانه عليه عملاً وقولاً أو بغض الطرف، وسنّة الله تسليط المساهم بالظلم عليه.

نهاية أستحضر قول الله تعالى: «وجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ».

وقول الرسول الحبيب صلّى الله عليه وسلم: «اتقُوا الظُّلم؛ فإنّ الظلم ظلُمات يوم القيامة».

ما سقطت أمّة إلّا بالمحاباة والمداهنة في العقاب والخنوع. أُكلتم يوم أُكل الثور الأبيض.

Ahmad.omari11@yahoo.de

الخميس، 12 مايو 2022

‏اعدام الغادة الشهيدة ‎#شيرين_أبو_عاقلة تجاوز كلّ المعايير الأخلاقية.

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  3:26 م   بدون تعليقات

 ‏اعدام الغادة الشهيدة ‎#شيرين_أبو_عاقلة تجاوز كلّ المعايير الأخلاقية.



الاحتلال يستهدف العمل الصحافي لإخفاء الجرائم التي يرتكبها بحقّ الفلسطينيين.
أدّت واجبها ببسالة ومهنية؛ تجاوزت العمل الصحافي التقليدي لترتق فداء القضية شهيدة.

‏ سوف نبقى هنا... شيرين أبو عاقلة

 

بسم لله الرحمن الرحيم

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

منذ الفترة ما قبل رمضان وحتى الآن ونحن نفيق في كلّ يوم على فاجعة تنكيل أو اعتقال أو قتل في فلسطين؛ تُدينها الأنظمة العربية باليمين وتشجب تلك التي تقاوم الغزاة وتدافع عن الأرض والعرض بالشمال؛ تسعى خطابياً وشكلياً لإيقاف الانتهاكات الإسرائيلية وتوطّد العلاقات التطبيعية والإتفاقيات الاقتصادية والعسكرية على أرض الواقع.


أمّا اليوم فقد استقبلنا مصاب الأمّة بإغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين بشكل إجرامي بشع ومستهدف، تماما كتلك الطرق التي يمارسها الإحتلال في فلسطين ليلا نهارا.

أستشهدت أبو عاقلة متأثّرة بجراح خطيرة، إثر إصابتها في الرأس خلال تغطيتها اقتحام قوات إسرائيلية لمخيم جنين صباح الأربعاء، واللافت للنظر أنّها كانت ترتدي الزي الصحافي وخوذة والرصاصة أصابتها في المنطقة التي لا تغطيها الخوذة، ممّا يعني بالضرورة أنّها كانت هدف قناص محترف وليس رصاصة طائشة من مسلّحين فلسطينيين كما زعم "نفتالي بينيت" وغيره من قادة الإحتلال، والتي ناقضها تصريح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "أفيف كوخافي" الذي لم ينف ولم يحدّد مصدر إطلاق النار عليها، بما في ذلك نفي القطعية التي تحدّث بها "بينيت" وبعض المسؤولين الإسرائيليين، إضافة إلى ذلك شهادة المنظمة الحقوقية الإسرائيلية "بتسيلم" أن الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي واستشهد به نفتالي بينيت متهماً بذلك مسلّحين فلسطينيين بقتل مراسلة الجزيرة، هو بحدّ ذاته شهادة تُدين جيش الإحتلال، حيث تبيّن أنّ موقع المسلّحين الفلسطينيين يبعد أكثر من 300 متر عن المكان الذي أصيبت فيه أبو عاقلة، وهو في مخيم جنين المزدحم بالمباني المتلاصقة، ولا يمكن للخيال تصوّر رصاصة تجوب المنعطفات وتصيب الراحلة.

هذا كما أفاد مصوّر وكالة الأنباء الفرنسية عن إطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي، وشاهد جثّة الصحافية ملقاة على الأرض، حسب صحيفة "شبيجل" الألمانية.

هذه الشهادة كافية لإدانة قوات الإحتلال، إن لم تُستثنَ من التحقيق، ولا استبعد ذلك.

‏اعدام أبو عاقلة الجريئة المقدامة الغادة الشهيدة يتجاوز كلّ المعايير الأخلاقية العالمية، وهذا ليس بالجديد، فالاحتلال يستهدف العمل الصحافي لإخفاء الجرائم التي يرتكبها بحقّ الفلسطينيين. إسرائيل لم تتجاوز هذا الحدّ من العدوانية إلّا من تواطؤ الأنظمة العربية حوله.

الإعدام الميداني الذي قام به الإحتلال بحقّ صحافية الجزيرة ليس كأي إعدام أو اغتيال تمارسه إسرائيل بشكل يومي، حتى آل عند البعض إلى وجع واحد معهود يتكرّر.

في ظل التعتيم الإعلامي الذي تقوم به المؤسّسة الإعلامية العالمية، ومؤسف أن تشاركه العربية ذلك، إلّا ما رحم ربي، تقوم الجزيرة بتغطية غير مسبوقة، بحيث أصبحت عالمياً مرجعية لكثير الأخبار العالمية وتحديداً المحتوى الفلسطيني.

العمل الصحافي الذي قامت به شيرين أبو عاقلة في فلسطين منذ عام 1997م الذي يتجاوز ربع القرن يعتبر أكثر من تغطية مراسلة لصحيفة، فقد تجاوز العمل النضالي الشجاع، فصورها ما زالت خالدة في الضمير أثناء تغطيتها الإجتياح ليصل الإنتهاك الإسرائيلي والقتل إلى العالم.

التلفاز خير شاهد حي على البسالة والإقدام التي كانت تتحلّي بهمها الفقيدة، ولقد انتشر فيديو لسيدة فلسطينية من مخيم جنين وهي تستحضر مواقف شيرين أبو عاقلة، خلال تغطيتها انتفاضة الأقصى عام 2002م حيث قالت: "أبو عاقلة شهدت اقتحام المخيم من أول يوم لآخر يوم، وريقها ناشف، لم تجد ماء لتشرب"، وأردفت السّيدة أنّ الشهيدة كانت تبحث معها أيام الاجتياح عن أبنائها في ظل القصف الإسرائيلي.

تسارعت الدعاوي العالمية لإجراء تحقيق سريع في مقتل أبو عاقلة، أمّا عربيا فقد دانت جامعة الدول العربية بأشد العبارات الجريمة البشعة، وعالمياً بدأتها الحكومة الألمانية حيث قالت المتحدّثة بإسم وزارة الخارجية اليوم الأربعاء 11 مايو/أيار أن التقارير بشأن مقتل أبو عاقلة صادمة للغاية، وأن حماية الصحفيين هي جزء أساسي من دولة القانون ويشمل ذلك التأكيد على عمل ممثلي وسائل الإعلام، بحيث يكونوا قادرين على تغطية الصراعات، وأكّدت نهاية على محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، كما وشارك ذات الإدانة الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية "جوزيب بوريل"، ودعت أيضاً الولايات المتحدة الى إجراء تحقيق شفاف حول مقتل الصحافية الأمريكية الفلسطينية.

كلّ هذه الإدانات العالمية والعربية لا معنى لها، فالغرب مجبر على رفض هذه الجريمة البشعة، لكنّه لن يتّخذ أي إجراء ضد دولة الإحتلال، وواقعنا المرير خير دليل.

ليس للإحتلال من رادع غير المقاومة، لذلك يستطيع الأخير أن يقدّم أي سيناريو والسلطة والأنظمة العالمية والعربية ستشكره، لأنّها بذلك سترفع عن نفسها الحرج بالمطالبة بفتح تحقيق يدين إسرائيل، حتى لو شكلياً.

سينتهي الأمر عربياً وعالمياً بالشجب الكاذب والاستنكار الذي يستخفّ بالشعوب العربية الحرّة.

الحقيقة أنّ شيرين أبو عاقلة أدّت واجبها ببسالة ومهنية، وتجاوزت العمل التقليدي لترتق شهيدة فداء القضية، وهي بداية ونهاية فلسطينية، وهذه أقدارهم.

أنهي مقالتي المقتضبة بكلماتها:

"لن أنسى أبداً حجم الدمار ولا الشعور بأنّ الموت كان أحياناً على مسافة قريبة؛ ليس سهلاً ربما أن أغيّر الواقع، لكنّني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم، أنا شيرين أبو عاقلة.

رحم الله شهيدة الوطن.

ahmad.omari11@yahoo.de

 

 

الجمعة، 29 أبريل 2022

اللهم إني أسألك أمي وأبي وأخوتي

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  8:06 م   ليلة القدر، رمضان، أمي، أبي، أختي، أخي 1 تعليق

 

اللهم إني أسألك أمي وأبي سليمان سيد الرجال الشجعان وأخوتي؛ فريال لم ترها عيني، ووجع القلب الهام، وبكر أبي سامي الحاني وعامود البيت رغم صغر سنّه هشام؛ اللهم أجعل قبورهم أنس وأعيادهم في الجنّة أناة وإحسان.

اللهم أمي الزكيّة زكيّة مهجتي وبيت الروح والريحان «الفقيرة»، وهي بعض ابنتي، وابنتي قرّة عيني وسويداء قلبي لين وزوجي طعم الحياة والابتسام.

اللهم بحق العبرات الغاليات وقهر الرجال الجبال أجعل قبورهم روضة وجنان.

الخميس، 21 أبريل 2022

رمضان شهر الجهاد والغفران

 


بسم الله الرحمن الرحيم

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

أتى رمضان كعادته بزمان يشبه كلّ عام، فيه الحروب والظلم والمآسي، وبتفاضله أيضا بما فيه من هداية وخير، وبهذا المعنى قال الله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ».

وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: 

«إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنّة وغلقت أبواب النار وصُفّدت الشياطين».

وورد في الأثر أنّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، إذا دخل شهر رمضان صلَّى صلاة المغرب ثمّ تشهَّد فخطب خطبة خفيفة ثمّ قال: "أمّا بعد، فإنّ هذا الشّهر شهر كتَبَ الله عليكم صيامه ولم يكتب عليكم قيامه، من استطاع منكم أن يقوم فإنّها من نوافل الخير التي قال الله تعالى، ومن لم يستطع منكم أن يقوم فلينم على فراشه، وليتّقِ منكم إنسان أن يقول: أصوم إن صام فلان وأقوم إن قام فلان، من صام منكم أو قام فليجعل ذلك لله تعالى، وأقِلُّوا اللَّغو في بيوت الله عزّ وجلّ، واعلَموا أنّ أحدكم في صلاة ما انتظر الصّلاة، ألا لا يتقدّمنّ الشّهر منكم أحد ثلاث مرّات، ألا ولا تصوموا حتى تروه إلّا أن يُغمّ عليكم، فإن يُغمّ عليكم العدد فعُدّوا ثلاثين ثمّ أفطروا، ألا ولا تُفطِروا حتى تروا الليلّ يغسِقُ على الظِّراب».

وأورد ابن الجوزي شعراً:

الصَّومُ جُنَّةُ أقوامٍ من النَّار        والصَّوم حصنٌ لمَن يخشى من النَّار

والصَّوم سِتر لأهل الخير كلِّهمُ     الخائفين مِن الأوزار والعارِ

 

فضائل الصّيام

في هذا الشهر الفضيل تهذيب النفوس والأرواح، ولأنّه مدعاة لتوطيد الأواصر بين الأهل والناس وبين الغني والفقير، فالإذعان لطاعة الله والإحساس بالجوع والعطش داع إلى الإحسان بالعطف تجاه الآخرين من ذي الخصاصة.

وما أحسن ما قال أمير الشعراء أحمد شوقي في الصّيام: «الصّوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع؛ لكلّ فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة؛ يستثير الشفقة، ويحضّ على الصدقة؛ يكسر الكبر، ويعلّم الصبر، ويسنُّ خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، والجوع كيف ألمه إذا لذع».

ولعظم آثار الصّيام ورفعة منزلته بين العبادات لما فيه من تأديب للنفوس فإنّ الله تعالى تولَّى جزاءه بنفسه، وإذا تولَّى شيئا بنفسه دلّ على عظمه.

وفي ذلك قال سفيان بن عيينه: «هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده، ويؤدّي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلّا الصّوم، فيتحمّل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم، ويدخله بالصّوم الجنة».

وقد دعا الرسول الحبيب إلى فضيلة بسط اليد بالعطاء في هذا الشهر الكريم أكثر من باقي شهور السنة، لإعتباره موسم إحسان وسخاء وطمأنينة، فينتظر الفقير الصّيام لقدومه بالعطايا وراحة البال، وقال ابن عباس: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان». كما ودعا إلى الزيادة بتلاوة القرآن والذكر والأعمال الصالحة بمطلقها.

ينبغي على الصّائم في هذا الشهر تغيير الأولوليات، لما بالشهر من مادّة روحانية تمنح طاقة وإيمان، فالروتين اليومي بين عمل وأسرة ومشاغل ومتطلبات تبعدنا عن خطاب الروح والتأمّل بالحياة والتفكّر بالممات والآخرة، وبإعتباره نهج تربوي واجتماعي وصحّي، قائم على التزام الجماعة والتحلّي بالصبر ومخالفة النفس متطلباتها، بالمقابل كرّم الله الصائمين وأعطاهم سُبحانه وتعالى من واسع عطائه وفضّلهم على غيرهم، وبيّن سبحانه أنّه يُثيب على الصّيام بغير تقدير، كما جاء في الحديث: «كلّ عمل ابن آدم يُضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، وقال الله عزّ وجلّ: إلَّا الصّوم، فإنّه لي وأنا أَجزي به».

 

منهيات الصّيام

لقد نهى الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم الصّائم عن الرفث والفسوق، ويُعرّف الرفث في الإسلام على ذلك الذي يطلبه الرجل من امرأته من جماع ومعاشرة، فهو التصريح بذكر الجماع والإعراب به. ويأتي مباحا ومحرما، كما في شهر رمضان في الصّيام.

أمّا الفسوق فيعرّف على أنَّه الخروج عن الشرع وطاعة الله تعالى بفعل الحرام وترك الواجب، وقد يكون الفسوق فسوقا أكبر بارتكاب الكبائر أو فسوقا أصغر بارتكاب الصغائر. وجدير بالقول ذكر الله تعالى الفسوق والفاسقين في القرآن الكريم في مواضع عديدة، فقد قال: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ».

والنهي كذلك عن الصّياح والخصام والشتم والمشاجرة. والمراد بالنهيِ عن ذلك هو تَأكيد حالة الصّوم، وإلَّا فالنهي في عموم الحياة والأشهر كلّها.

وتمام الصّيام بمنع الجوارح عن الآثام باجتناب الفحش وقول الزُّور، فإن تَكلَّم أو فعل بما لا يفسد الصّيام، فتشابه الجوارح الروح قولا وفعلا فيصحّ الصّيام والأجر بالقيام، كذلك يكون الصّوم المشروع، وليس المقصود مُجرَّد إمساك عن الطّعام والشّراب.

فمن مقاصد الصّوم العظمى هي تَحقيق التقوى وكسر جماح الشّهوة، وترويض النّفس، وفي هذا الحديث يحذّر النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من اقتصار الصّيام على الامتناع عنِ الأكل والشّرب فحسب، فمن لا يترك الكذب والميل عن الحقّ وترك الباطل، فإنّ الله لا يريد منه أن يترك الطّعام والشّراب، وليس المعنى أن يؤمر الصّائم العاصي لأمر ما أن يترك صيامه، إنّما هو التحذير من الإستهانة بالمعاصي ونقصان الأجر في أكثر العبادات قربة من الله، فيترك المسلم الطعام والشراب ويمتنع عمّا حلّله له الله في غير هذا الشهر مع شدّة الصّيام والتعب لينقص ثوابه بالمعصية كبيرها أو صغيرها.

وقال الحبيب المصطفى: «مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ، والعمَلَ به، والجهْلَ؛ فليس للهِ حاجةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَه وشَرابَه»، وفي حديث آخر: «رُبَّ صائمٍ ليس له مِن صِيامِه إلَّا الجُوعُ»؛ فالصّوم مكتمل الأركان هو كبح الجوارح والنفس عن الآثام وتطويع النفس على تركها لما بعد الشهر، حتى تصبح المآثم جريمة يجتنبها العبد خوفا وطوعا وإذعانا لأمر الله ونيل الراحة والطمأنينة، التي لا تحصل إلّا بسلامة الروح وصفاء السجية وحسن النية وطيب العمل بالرضية.

وللصائم فرحتان عظيمتان إحداهما في الدنيا والثانية في الآخرة؛ أمّا الأُولى فهي فرحة الإفطار، وكأنّها هدية الصائم الكبرى، وبها تَمام صومه وخاتمة عبادته، أمّا الثانية إذا لقى ربّه فرحا به، وهو الفوز العظيم باللّقاءِ وقبول الله تعالى صومه وحسن الجزاء.

 

الجهاد في رمضان

وهناك جانب آخر لا بدّ من ذكره في الشهر للعبرة والعظة، وهي تلك الحروب والفتوحات التي خاضها المسلمون في رمضان وسنامها غزوة بدر؛ حقّق المسلمون النصر العظيم وهم قلة صائمون أمام كثرة منعّمون.

ومعارك أخرى في رمضان انتصر بها المسلمون كفتح مكّة وعين جالوت وحطين والقادسية، ومعارك كثيرة يخوضها الشعب الفلسطيني الباسل أمام الإحتلال في كلّ رمضان، كما رمضان هذا العام أيضا ونحن ننتصفه؛ ودّعنا أوّله ونستقبل أواخره بالحجارة والصدور العارية؛ تقف مدجّجة بالعزيمة والإيمان أمام جيش جرّار مسلّح بأحدث آلة حرب وخوف؛ يحفّه الرعب والانهزام. 

الجهاد في سبيل الله فيه عزّة الإسلام، كما أنّه أفضل الأعمال وأجلّها، وما وصل المسلمون إليه من ذلَّ إلّا عندما تركوا الجهاد، وركنوا إلى الدبلوماسية التطبيعية من حجم الضعف الذي يعتريهم، فتكالبت عليهم الأمم.

والتذكير بالجهاد في هذا الشهر المبارك هو نظرة للوراء بماض وضّاح، علّه يرشدنا للنهج الصحيح لنستطيع الخروج من مستنقع التطبيع أو الوجوم والخنوع، اعتادته الأنظمة العربية الإسلامية؛ قذف الله في ضمائرهم الوهن ونـزع المهابة من قلوب أعداء الأمّة.

إنّ فضائل رمضان لا تحصى، إلّا أنّ الذود عن العرض والأرض في هذا الشهر الفضيل هو أقرب الأعمال إلى الله تعالى، وخاصّة بعد اقتحام المسجد الأقصى والصّمت ودور المتفرّج المعيب تحترفه الدول أمام القتل والتنكيل وتدنيس القبلة الأولى.

فليكن الماضي الإسلامي والعربي المشرق عبرة نستشفّ منها الفائدة لمستقبل يمنحنا القوة للوقوف أمام الأمم النّدّ بالنّدّ، بدلا من دور التابع الذي آل إلى نهج دولة تتوارثه الأنظمة بينها.

جعل الله لنا هذا الشهر الكريم مع صيامه وقيامه شهر عزة وغلبة، وكلّ عام وأنتم والأمّة بخير. 

Ahmad.omari11@yahoo.de

 

Back to top ↑

كلمات من العمري

في بداية خطابي أشكر زائريّ ممن بحث عني بأسمي أو دخل منزلي صدفة فراق له البقاء. وجزيل شكري لكل أصدقائي وأحبتي ممن يعملوا في الخفاء لنشر كلماتي دون تقديم أشخاصهم، إيمانهم بها أو بي وإن زل قلمي حيناً يقينهم إذعانَ قلبي وعقلي لها. لقد ترددت كثيرا قبل أن أفتح هذا الباب الذي عمل عليه صديقي الأستاذ أنس عمرو وصديقي الدكتور ضياء الزعبي - جزاه الله كل الخير- ولم يتركني حتى كَمُل على وجه رضيناه للأخوة القراء الكرام ... المزيد
كن على تواصل واتصال معنا

© 2018 أحمد سليمان العمري.
Design By: Hebron Portal - Anas Amro .