السبت، 27 فبراير 2021

العرب الحالمون بصلاح باي-الدين الأمريكي

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  12:16 م   بدون تعليقات

 دوسلدورف/أحمد سليمان العمري -اقتصرت مراسم التنصيب الأمريكية هذه المرّة كغير المعهود على حضور محدود، وذلك بسبب القيود المفروضة لمواجهة انتشار كورونا مؤطّرة بإجراءات أمنية مكثّفة لتأمينها في مبنى«كابيتول هيل» عقب اقتحام المقر من مؤيدي ترامب في 6 يناير/كانون الثاني، كذلك عدم الحضور المعيب لسلفه «دونالد ترامب» المتوقع، ليخالف بذلك التقليد الأمريكي.


كانت أول تصريحات «جو بايدن» بعد ساعات من أداء اليمين إبطال أبرز قرارات ترامب، وأهمّها تغيّر المناخ والهجرة وإعادة الإنضمام إلى «اتفاق باريس للمناخ» المبرم في 2015م، كما وتهدف حكومته - مثل البلدان الصناعية الأخرى - إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050م، وإلغاء التصريح الرئاسي لخط أنابيب «كيستون» المثير للجدل من كندا إلى أمريكا، والذي احتجت عليه الحكومة الكندية بشدّة، كما وأنهى حظراً على دخول مواطني عدد من الدول ذات الغالبية المسلمة، بالإضافة إلى المساواة بين الأعراق والأجناس، والعودة إلى منظمة الصحة العالمية، وما سيتمخّض عنها من تحسّن في فرص التعاون مع الدول الأخرى والتعامل مع كورونا والأوبئة المستقبلية، إلّا أنّ التغيّر الذي - قد يصفه البعض بـ «الجذري» - لن يعيد كثير القرارت إلى ما كانت عليه في سابق عهدها.


حاول دونالد ترامب حتى آخر 48 ساعة له كرئيس العبث بالقرارات لتعقيد المهمّة أمام خلفه، حيث أمر الأخير يوم الاثنين 18 يناير/كانون الثاني 2021م برفع حظر الدخول المتعلّق بكورونا للأجانب من معظم الدول الأوروبية والبرازيل الساري منذ مارس/آذار من العام الماضي، بدءاً من 26 يناير/كانون الثاني، إلّا أنّ المتحدّثة بإسم البيت الأبيض «جين بساكي» صرّحت أنّ قرارات الأخير لن يتم تنفيذها بسبب الوضع الوبائي الدراماتيكي، لا بل من المتوقّع تشديدها.


لقد فرضت إدارة ترامب يوم الثلاثاء 19 يناير/كانون الثاني 2021م عقوبات على مشروع خط الأنابيب الألماني الروسي «نورد ستريم 2» وبهذا نفّذ الرئيس المنتهية ولايته القرارات التشريعية التي أقرّها الكونجرس عام 2019م بأغلبية كبيرة من الحزبين. لذلك، لم يكن هناك اعتراض من جهة بايدن، بدلالة التصريحات السابقة للأخير ووزير خارجيته «أنتوني بلينكين» التي تشير إلى أنّ الحكومة الجديدة ستتّخذ إجراءات أكثر حسماً ضد مشروع خط الأنابيب، حيث تتهم الأخيرة ألمانيا بجعل أوروبا مع استكماله معتمدة بشكل كبير على إمدادات الطاقة الروسية، ممّا قد يؤدي إلى صراع مع حكومة «أنجيلا ميركل» المتمسّكة بالمشروع. من ناحية أخرى يتهم أنصار نورد ستريم 2 الولايات المتحدة بأنّها تريد جرّاء ذلك التسويق لغازها المسال بشكل أفضل في أوروبا.


وعود بايدن بحلّ الدولتين


ما إن تمّ تحديد بايدن كفائز في الانتخابات الرئاسية حتى فتحت السلطة الفلسطينية القنوات الدبلوماسية التي أغلقتها في ظلّ إدارة ترامب، فقد أجرت السلطة الاتصالات الأولى مع الإدارة الأمريكية، وزار الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأردن ومصر لإجراء محادثات تنسيقية، كما استأنفت حكومته التعاون مع إسرائيل الذي كانت قد علّقته في مايو/أيّار رداً على خطط الضّمّ الإسرائيلية.


يبدو أنّ بايدن سينفّذ بعض وعوده تجاه الفلسطينيين بما لا يتناقض ومصلحة إسرائيل، حيث عزم الأخير على استئناف تقديم مساعدات كان دونالد ترامب قد أوقفها، فضلاً عن استئناف نشاط البعثات الدبلوماسية، بالإضافة إلى تأييد بايدن «الشكلي» بحلّ الدولتين لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حسب تصريح «ريتشارد ميلز» القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى الأممّ المتحدة.


وهذا ما صرّح به إبّان حملته الإنتخابية في لقاء افتراضي جمعه بمتبرعين يهود أمريكيين يوم الثلاثاء 19 مايو/أيّار، حيث بدا كثير الحنكة، فقد قال بأنّه سيعكس سياسات ترامب تجاه إسرائيل، والتي تضرّ وتقوّض بشكل كبير آلية السلام مع الفلسطينيين، ومعارضته «بنيامين نتنياهو» مشروع الضّمّ، متعهداً في ذات الوقت بالحفاظ على مذكّرة التفاهم لعام 2016م التي أُبرمت بين إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق «باراك أوباما» وإسرائيل، والتي تُخصّص لإسرائيل 38 مليار دولار لمدّة عشر سنوات، على الرغم من طرح بعض منافسي بايدن السابقين طيلة الإنتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي استخدام منع المساعدات كآلية لردع الحكومة الإسرائيلية عن تفعيل قرارات تضرّ بحلّ الدولتين.


بالمقابل كان قد نوّه الأخير أثناء حملته بأنّه لن يسعَ لإعادة السفارة إلى القدس لوضعها السابق كقنصلية، كما لم يتطرّق إلى العمل لمنع الضّمّ إذا قامت حكومة نتنياهو بإقرارها قبل انتخابات نوفمبر 2020م، وأنّه ملتزم بقانون «تايلور فورس»، الذي أُبرم عام 2018م وينص على حجب أجزاء من المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية واقتطاع دولة الإحتلال عائدات الضرائب «المقاصة» التي تصل إلى 2.6 مليار شيقل سنوياً، بسبب صرف حكومة عباس رواتب شهرية لأُسر الأسرى والشهداء الفلسطينيين.


الأكثر قرباً من الواقع ألّا تأخذ القضيّة الفلسطينية ومشروع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين مكانة مميّزة في القريب العاجل أو أنّ تكون واحدة من أولوليات الحكومة الأمريكية الجديدة، وتحديداً المصلحة الفلسطينية، وللمراقب أن يرى بجلاء الإهتمام الأول للرئيس وهو البيئة والمناخ تزامناً مع سياسته المقبلة مع روسيا والصين والإتفاق النووي مع إيران ودعمها الراسخ لإسرائيل على حدّ تعبير ميلز.


روسيا الخصم


سبق ووصف الرئيس الحالي روسيا بأنّها «الخصم الرئيس» للولايات المتحدة أثناء حملته الانتخابية، بينما كان ترامب دائمًا يعهد بهذا الدور إلى الصين. وعلى الرغم من اختلاف بايدن بالسياسة الخارجية لسلفه، فستتمثّل المناقضة في استمرار القيادة الأمريكية الجديدة في مختلف مجالات العلاقات الدولية والسياسية.


بصرف النظر عن الحقيقة التي يبدو بايدن من خلالها وبلينكين ونائبة الرئيس «كامالا هاريس» أكثر موضوعيّة ووديّة من سلفه، ستحاول حكومة الأخير تصحيح مسار سياسة ترامب جزئياً أو كلياً في بعض الإتجاهات، لكنّها ستستمر لا محال في مجالات أخرى كخلفها أو ستفاقمها وفقاً للمصلحة القومية الأمريكية. ولا يزال غير واضح كيف سيتوافق التزام بايدن وبلينكين بموضوع «التعدّدية» والتعاون الدولي مع مطالبهم المُصاغة بوضوح بدور قيادي عالمي. الأكثر وضوحاً هو الابتعاد عن سياسة ترامب ونهجه الفجّ الفظّ الغليظ.


الصراع الإيراني الصيني وحلف الناتو


من ناحية أخرى تطالب طهران الولايات المتحدة برفع العقوبات المفروضة في عهد ترامب، وممّا قد يزيد الصراع تعقيداً هي الدعوات إلى الاتفاق النووي ليشمل قيوداً على الصواريخ التقليدية الإيرانية، فأهمية التوصّل إلى اتفاق هي ضرورة ملحّة، لأنّ قوة المتشدّدين في إيران تعزّزت بفعل سياسة ترامب المتمثّلة بالضغط الهائل على إيران.


ستلتزم حكومة بايدن بحلف شمال الأطلسي، الذي وصفه ترامب بالذي عفا عليه الزمن؛ وبمعزل عن جميع الخلافات الداخلية، إلّا أنّ الحلف لا يزال الأداة الأهم للولايات المتحدة لممارسة نفوذها وسيطرتها الجزئية على أوروبا، ومع ذلك سيزداد الضغط الذي تمارسه واشنطن على الحلفاء الأوروبيين وتحميلهم المزيد من الأعباء المالية والعسكرية.


أمضت إدارة أوباما بالإضافة إلى بايدن ثماني سنوات دون جدوى في مناقشة استراتيجية صحيحة تجاه الصين، تضمّنت مواجهات عسكرية من خلال تزايد القوات المسلحة الأمريكية في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي، أو اندماج الصين في اللوائح والتعاون مع المؤسسات الدولية. أمّا في عهد ترامب فكان أول إجراء رسمي لحكومته قبل أربع سنوات هو إعلان منطقة التجارة الحرّة - التي تم التفاوض عليها في عهد أوباما - بين الولايات المتحدة وجميع الدول ذات الصلة اقتصادياً في آسيا باستثناء الصين، بالإضافة إلى شنّ ترامب حرباً اقتصادية ضد الأخيرة، أدّت إلى إلحاق ضرر أكبر بالاقتصاد الأمريكي.


الولايات المتحدة مستمرّة بفقدان نفوذها


سيكون العامل الحاسم في السلوك المستقبلي للولايات المتحدة تجاه الصين هو ما إذا كانت الحكومة الحالية ستأخذ حقاً مطالبتها بدور قيادي عالمي على محمل الجدّ، أو ما إذا كانت عبارات الرئيس الحالي تسويقيّة فارغة جوفاء أو صيّغ لفظية رنانة، فبالنظر إلى الإطار السياسي العالمي اليوم، فإنّ هذا المطلب أو الاستحقاق الذي ترنو إليه الحكومة الأمريكية غير واقعي. أوروبا بالمقابل ناتجها القومي الإجمالي أكبر بالفعل من الناتج القومي الأمريكي، ومن المتوقّع تفوّق الصين على الولايات المتحدة في غضون أعوام في مجال العلوم والتكنولوجيا أيضاً، فقد وصلت القوة العالمية الصينية المستقبلية للمستوى الأمريكي، وربما تجاوزتها. أمّا روسيا فتقف متساوية معها كقوة نوويّة تقريباً، بالإضافة إلى الهند التي ستنضم في غضون سنوات قليلة إلى القوى العالمية الفاعلة.


نهاية، سؤال إلى العرب الحالمين بصلاح الدين الأمريكي عن حدود تبدّل القرارات الأمريكية حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهل سيقيم بايدن دولة فلسطينية ويخضِع إسرائيل للمطالب الفلسطينية؟ أم أنّ الأخير يدغدغ المشاعر العربية بوعود معسولة لا غير، لا تتجاوز حد الخطابة والتخدير؟


لن يتراجع بايدن عن قرارت ترامب، إنّما سيتحدّث خطابياً لا غير عن ضرورة حلّ الدولتين دون ممارسة أي نوع من الضغوطات على إسرائيل لإقامة دولة فلسطينية أو لوقف التوسّع الإستيطاني على حساب الفلسطيني، هذا لإختراق إسرائيل النظام الأمريكي الواضح، بحيث تجدّ المفاوضين الأمريكيين يتذّرعون لإسرائيل ويدافعون ويخلقون مبرّرات بدل دورهم كوسيط نزيه، و«جاريد كوشنير» وصفقته «السلام من أجل الإزدهار» التي أثقلت وأثخنت بالقضية أكبر مثال، فقد تضمّنت الضّمّ الذي يؤرّق الجانب الفلسطيني وحده.


النظام الأمريكي بحزبيه الديمقراطي والجمهوري لا يقيم وزناً للعرب أو لحفائه من المطبّعين، لذلك لن تلعب الإدارة الأمريكية دور الوسيط النزيه أبداً إن لم يكن هناك كلفة تترتّب على الإستهتار بالمطالب الفلسطينية. وحدة الصف الفلسطيني بجميع فصائلها هي وحدها القادرة على تحقيق مطالبهم لإقامة دولة على حدود 1967م، وهي وحدها القادرة على إخضاع الإحتلال وإجلاسه معهم «النِّدّ بالنِّدّ» على طاولة المفاوضات، وإعادة قراءة الملف الفلسطيني من جديد. ما دون ذلك، فقد قفزت إسرائيل عن السلطة الفلسطينية وأقامت معاهدات إذلالية تطبيعية مع أخوتهم العرب الطامعين بتنفّذ وهمي في المنطقة.

الخميس، 18 فبراير 2021

ثمن اللّقاح للفلسطيني

 



دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

بعد ستة أسابيع من حملة التطعيم في إسرائيل؛ تلقّى أكثر من واحد بين كلّ ثلاثة إسرائيليين الجرعة الأولى، ليصل الآن إلى 3.7 مليون بما يعادل 42,6 بالمائة والجرعة الثانية 2.3 مليون بنسبة 26,9 بالمائة من أصل تسعة ملايين نسمة حسب إحصائية قدّمتها جريدة «دير شبيغل» الألمانية 10 فبراير/شباط 2021م. لا توجد أي دولة في العالم تقوم بالتطعيم بسرعة إسرائيل.

مع بدء دولة الاحتلال التطعيم صرّحت عن نيّتها إرسال 5000 جرعة للضفّة الغربية وغزّة، وهي بالكاد تكفي للكوادر الطبية، مع التنويه بأنّ عدد سكان الضفّة يصل لثلاث ملايين نسمة وغزّة مليونيين.

الدكتورة «شيلي كامين فريدمان» المحامية وخبيرة في القانون الطبي والصحي، الأستاذة في جامعة بن غوريون في بئر السبع وجامعة حيفا تقدّمت بتقرير نيابة عن منظمتين لحقوق الإنسان طالبت فيهما حق التطعيم للفلسطينيين. بالمقابل السلطة الفلسطينية رفضت بشدّة الحصول على اللّقاح من الاحتلال دون أن تقدّم بدائل ناجعة للشعب، فقد حصلت في المرّة الأولى يوم الإثنين 1 فبراير/ شباط على 2000 جرعة يتيمة من «موديرنا» دون أن تفصح عن مصدرها، واستقبلت أيضاً 10 آلاف جرعة منحة روسية يوم 4 فبراير/شباط من اللّقاح الروسي «سبوتنيك»، الذي أثبت فعالية تصل إلى 90 بالمائة حسب دراسة حالية من قبل علماء رفيعي المستوى. كما وأعلنت منظمة الصحة العالمية في أوائل فبراير/شباط في إطار مبادرة «كوفاكس» من أجل ضمان استفادة دول العالم من اللّقاحات في تقديم عشرات الآلاف من الجرعات للفلسطينيين، إلّا أنّ الأخيرة لم تتجاوز لغاية اللحظة حدّ التصريحات.

أمّا الأنظمة العربية فهي منهمكة بالوضع الداخلي مستثنية الشأن الفلسطيني وكيفية الوقوف معه للحصول على اللّقاح؛ وبهذا تمنح الأخيرة دولة الاحتلال لعب دور الإنسان عالمياً وتلميع صورته أكثر على حساب الحق الفلسطيني الضائع.

التطعيم متاح أيضاً لعرب إسرائيل الذين يعيشون في أماكن تعتبرها الأخيرة رسمياً أراضيها، وهذا يشمل على سبيل المثال القدس الشرقية، لكن لا يشمل الضفّة الغربية على الرغم من احتلال إسرائيل لأجزاء من المنطقة منذ عام 1967م. وقد قوبل تطعيم المستوطنين الإسرائيليين في المناطق الفلسطينية دوناً عن الفلسطينيين بانتقادات دولية، متذرّعة إسرائيل بذلك عدم تقديم القيادة الفلسطينية طلباً رسمياً للحصول عليه، بينما ترى فريدمان أنّ على دولتها واجب أخلاقي وإنساني لتوفير اللّقاح للفلسطينيين، فعلى الأقل يجب أن تعرضه على الإدارة الفلسطينية ولها الخيار حينها الرفض أو القبول.

ما إذا كانت إسرائيل مسؤولة قانونياً عن تطعيم الفلسطينيين باعتبارها قوة محتلّة، كونها تتمتّع بالسيادة على الحدود وعلى أجزاء من الضفّة الغربية بإستنثاء قطاع غزّة، هو أمر تقرّه على أرض الواقع معايير القوة والضعف. من ناحية أخرى تتكئ إسرائيل على اتفاقية أوسلو، والتي بموجبها تتحمّل السلطة الفلسطينية كامل المسؤولية في الرعاية الصحية لمواطنيها. ويتّضح من خلال هذه المعادلة بجلاء التزام الإدارة الإسرائيلية ببعض بنود أوسلو التي تخدم مصالحها وتوظّف أخرى لإخفاق الحق الفلسطيني.

وهنا جزئية أخرى يبدو أنّ دولة الإحتلال لم تأخذها بعين الإعتبار، أو علّها أهملتها بإدراك كامل وغير حكيم؛ فلدى الجانبين  اتصالات منتظمة وأهمّها العمالة الفلسطينية في الداخل، والتي تتجاوز 120 ألف فلسطيني من الضفّة الغربية. فالفيروس لا يتوقف عند المعابر، ولو أرادت إسرائيل الحصول على المناعة المجتمعيّة - وعلّ هذا المسمّى هو الأصح من القطيع - لكان لزوماً منح اللّقاح لكلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

سؤال تناولته جهات كثيرة وتداولته صحف ومواقع عدّه عن الآلية التي عملت بها إسرائيل لتأمين اللّقاح الكافي للدولة برمّتها، لتصبح الأولى عالمياً بعدد متلقيه، لا بل وتسبق الدول المنتجة.

يرى البروفسور «أرنون آفيك» المدير العام السابق لوزارة الصحة الإسرائيلية أسباباً مختلفة للمسار الناجح وبشكلّ خاص لحملة التطعيم في إسرائيل، فيعزو أولاً التفوّق إلى المنظومة الصحية القوية واعتماد النموذج الألماني بشركات التأمين الصحي والمستشفيات، فاليهود الألمان الذين هاجروا إلى إسرائيل جلبوا معهم العلم والمعرفة وأقاموها. ثانياً التقنيات الحديثة مع المعدات الطبية عالمية المستوى ومرافق تخزين ممتازة للقاح.

بينما الحقيقة الأخرى الأكثر فعالية مع هذا التفوّق هي وصول الجرعات الأولى التي بلغت ثمانية ملايين من شركة «بيونتك - فايزر» وستة ملايين من موديرنا في 9 ديسمبر/ كانون الأول والتي استقبلها بنيامين نتنياهو شخصياً وصرّح عن كميتها. أمّا عن أعداد الكميات الحقيقية والأرقام الدقيقة فهي سريّة ولم يُعلن عنها، وتتجاوز التصريحات الرسمية بكثير، بالإضافة إلى مساهمة

المدير الطبي الإسرائيلي لشركة موديرنا الدكتور «تال زكس» الذي أنهى دراسته في بئر السبع، ودفْع حكومته 40 بالمائة زيادة على سعر اللقاح المتداول.

 وفي نفس الوقت تتذرّع الدول المصنّعة بضعف القدرات الإنتاجية  كألمانيا مثلاً! والمثير للاستهجان في هذا الصدد هو التراجع الحكومي الألماني عن وعوده وتضاربها الدائم حول عدم توفير اللقاح الكافي وبالوقت المحدّد. حيث بلغ عدد الملقّحين بالجرعة الأولى ما يزيد عن 2 مليون و 600 ألف 3,17 بالمائة والجرعة الثانية أقل من مليون و400 ألف 1,6 بالمائة من أصل 83.1 مليون نسمة حسب المكتب الفدرالي الألماني للإحصاء.

أمّا المنظومة الصحية الفلسطينية فهي معتمدة بشكل كبير على إسرائيل لضعفها الجسيم، لذلك عدم وجود تنسيق من الجانب الفلسطيني، لا بل رفضه هو دلالة على إهمال لا يغتفر للسيطرة على الجائحة، فليس هناك أي مبرّر - عدا الجهل - لعمل لجان صحيّة علنيّة مع الجانب الإسرائيلي لغياب الدور العربي، مع العلم أنّ هناك محادثات سريّة ثنائية جارية تتناول البرنامج الإنتخابي الفلسطيني.

الأكثر قرباً إلى الحقيقة هو الفلسطيني الذي يقف أمام مواجهة مجحفة لخصمين وحده؛ الجائحة التي تتركها إدارة رام الله لوعي المواطن وقلّة حيلته وعجزه، ومحتلّ يستنزف رمقه الأخير مستثمراً أطماع السلطة والفيروس لنخره وهدمه.

الأربعاء، 27 يناير 2021

من القارّة الباردة أحيّيكم

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  12:06 م   بدون تعليقات

 



الثلاثاء، 19 يناير 2021

كورونا المتحوّر: هل اللقاح فعّال ضد الطفرة الجديدة؟

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  3:42 م   بدون تعليقات

 



دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

يُعتبر عيد الميلاد هذا العام في بريطانيا هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. قبل أيام من نهاية الفترة الانتقالية لخروج الأخيرة من الإتحاد الأوروبي اندلعت الفوضى في بريطانيا بسبب انتشار السلالة الجديدة من كورونا والتي تحمل 17 طفرة تحت اسم «B.1.1.7» أو «VUI-2020/12/01» «كورونا المتحوّرة»، سريعة العدوى بنسبة تصل إلى ٧٠ ٪ من الفيروس المعروف لغاية الآن، وهي التي تجتاح بريطانيا وخارجة عن السيطرة.

أراء متضاربة بين جهات تعزو العترة الأخيرة من الفيروس أنّها السبب وراء تفشّيه في ألمانيا كون الطفرة منتشر في بريطانيا منذ ثلاثة أشهر مع استمرار البريطانيين آنذاك بالتنقل بحريّة داخل الدولة الفدرالية دون أي قيد، حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2020م حين أتخذت ألمانيا قرار الإغلاق الثاني وما كان الأخير سوى سيناريو رعب بعيد المنال. استمرت الحياة طبيعية نسبياً، يرتدي الناس الكمامات، وبخلاف ذلك لم يتغيّر الكثير، المطاعم والمقاهي والمتاجر تعجّ بالزوار وتجوال في المدن وبينها ومشاركات في المناسبات، بالإضافة إلى السفر كون الحدود مفتوحة بين دول أوروبا ومعها بريطانيا طبعاَ والعالم.


ترخيص الإتحاد الأوروبي

في هذه الأثناء كانت الطفرة B.1.1.7 منتشرة بالفعل في بريطانيا ومع ذلك لم يُفرض الحجر الصحي على المسافرين القادمين من المملكة المتحدة إلّا بعد 24 أكتوبر/تشرين الأول، لذلك كان أمام الفيروس عدّة أسابيع للوصول إلى القارة الأوروبية دون أي عائق.

وهذا ما أكدّه رئيس معهد «روبرت كوخ» «لوثار فيلر» الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول بأنّ الفيروس موجود بالفعل في أوروبا، حيث هناك أدّلة على وجود إصابات في الدول المجاورة مثل هولندا والدنمارك. وفي ألمانيا ثبتت لغاية 31 ديسمبر/كانون الأول حالتين واحدة قدمت من بريطانيا في 20 ديسمبر/كانون الثاني، والحالة الثانية تم العثور عليها في نوفمبر/تشرين الثاني من خلال فحص لاحق لعينات أسرة من ثلاثة أفراد توفي الوالد منهم، ومع ذلك فإنّ احتمالية وجوده في ألمانيا حسب «فيلر» عالية جداً.

 بينما خبراء آخرون ينفون ذلك استناداً إلى الفحوصات التي تُجرى لغاية الآن على المصابين، وهي منحة هذه المحنة أنّه ليس هناك أي دليل واضح  قد يجعل اللقاح عديم الفعالية، غير أنّ التحليلات الأولية التي أجراها علماء بريطانيون تُظهر أنّ الطفرة الجديد تحتوي على عدد كبير وغير عادي من التغيّرات الجينية في «بروتين السنبلة»، وهو الأمر الذي قد يثير مخاوف، حيث أنّ لقاح «بيونتك» مع شريكه الأمريكي «فايزر» يولّد استجابة مناعية ضد هذا البروتين على وجه التحديد، لذلك يخشى بعض الباحثين أن يؤثّر ذلك على فعالية اللقاح.

ولقد استبقت بريطانيا الدول الأخرى وأعلنت الأربعاء 2 ديسمبر/كانون الأول عن استخدام اللقاح بترخيص طارئ قبل السماح من الإتحاد الأوروبي الذي صدر 21 ديسمبر/كانون الأول.

تسبّبت هذه السلالة الجديدة من الفيروس في ألمانيا في الأيام الأولى بتوقيف جزءاً كبيراً من الرحلات الجوية من وإلى بريطانيا، فقد أوقف مطار  «هانوفر» في 19 ديسمبر/كانون الأول دخول 63 راكباً على متن رحلة من لندن بسبب الخوف من إصابتهم بكورونا المتحوّرة، حيث أُجبر الركاب على البقاء في مبنى المطار لحين ظهور نتيجة فحص كورونا. ووفقاً للمعلومات الواردة من مطار هانوفر، تم حجر أحد مسافري الطائرة البريطانية بعدما تبيّن أصابته بالفيروس مع أسرتة وتحويله إلى شقة للحجر الصحي، وأعيد جميع المسافرين بعد مضيّ يومين إلى بريطانيا.

وقالت نائبة رئيس قسم الصحة العامّة في مدينة هانوفر «مارلين جراف» أنّه لا يمكن معرفة الفرق بين كورونا التقليدي والطفرة الجديدة إلّا من خلال المركز المرجعي في برلين، حيث سيتلقّى عالم الفيروسات ومدير معهد «شاريتيه» البروفيسور «كرستيان دروستن» العينة، وهو من سيجيب على السؤال. ولقد سبق وصرّح الأخير في مناسبة أخرى أنّه لا يتوقع أنّ سلالة الفيروس الجديدة ستجعل اللقاح أقل فعالية. ومع ذلك لم يتم توضيح هذه النقطة بشكل دقيق، فهناك حاجة لمزيد من الإختبارات للوصول إلى جواب يقين. ولكن بدا وزير الصحة الألماني «ينس شبان» ورئيس شركة بيونتك «أوغور شاهين» واثقين من أنّ اللقاح سيكون فعّالاً ضد الطفرة الجديدة واحتمالات تأثيره عالية جداً. حيث أُختبر اللقاح ضد حوالي 20 نوعاً مختلفاً من الفيروسات مع طفرات أخرى، وثبت أنّ الإستجابة المناعية التي أثارها اللقاح قد عطّلت في جميع المحاولات كلّ أشكال الفيروس.


جنوب إفريقيا

أغلقت ألمانيا بدءاً من منتصف ليلة 20 ديسمبر/كانون الأول جميع الحدود الجوية والبرية والبحرية مع بريطانيا، بالإضافة إلى العديد من الدول الأوروبية التي حذت حذو ألمانيا مثل فرنسا وبلجيكا، فقد أُغلق «نفق المانش» ويسمّى أيضاً «النفق الأوروبي»، وهو نفق سكة حديدية يربط من خلال القطار السريع «يوروستار» بريطانيا بفرنسا مروراً ببلجيكا لينتهي في هولندا، ويعتبر النفق أطول نفق مائي في العالم، بالإضافة إلى إغلاق «ميناء دوفر»، ويعد واحد من أكبر موانئ الركاب في أوروبا.

على الرغم من خطورة الطفرة إلّا أنّ مفوضية الإتحاد الأوروبي تعارض الحظر الشامل للرحلات الجوية من وإلى المملكة، رغم أهمية اتخاذ تدابير وقائية مؤقتة وبسرعة، ولكن المفوضية أوصت في نفس الوقت ضرورة السفر وإتاحة حركة البضائع.

‏في الوقت الذي وقّعت فيه رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي «أورسولا فون دير لاين» ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي «تشارلز ميشيل» الإتفاقية التجارية التي تضمّنت 1250 صفحة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بسبب انسحاب الأخيرة من الإتحاد في 1 يناير/كانون الأول، يرى البريطانيون بفعل الأمر الواقع الذي فُرض عليهم جرّاء الطفرة الجديدة أنّهم معزولين لإنسحاب المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي، حيث أتت هذه الإجراءات في وقت يعتري الرأي العام الإنجليزي حالة عدم اليقين بشأن نتيجة مفاوضات خروج بريطانيا من الإتحاد. فقد بدأت القارة الأوروبية بإغلاق نفسها أمامهم وفرض العديد من دول الإتحاد قيوداً على الحركة الجوية والبرية والبحرية بشكل متزايد نظراً للمتغيرات الأخيرة، بالإضافة إلى تشديد إجراءات كورونا الإحترازية في لندن ممّا أدّى من خلال هذه العوامل مجتمعة لإنخفاض الجنيه الإسترليني بنسبة 0.8٪.

مساء الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول أعلن وزير الصحة في جنوب إفريقيا «زويلي مخيزي» أنّ باحثين اكتشفوا سلالة جديدة من كورونا مماثلة كالتي في بريطانيا، تحمل إسم «501. VS»، ولقد صرّح خبير علم الفيروسات البروفيسور الألماني المقيم في جنوب إفريقيا «فولفغانغ برايزر» أنّ الفيروس الموجود في جنوب إفريقيا ليس ذاته كالمنتشر في بريطانيا، ومن الواضح أنهم نشأوا بشكل مستقلّ عن بعضهم البعض، وأنّه لا يُعرف حتى الآن مدى فعالية اللقاح ضد هذه الطفرة الجديدة.

أسئلة كثيرة تفتح المرتاج على مصراعيه لأصحاب نظرية المؤامرة بظهور 17 طفرة جديدة تزامنت مع تداول اللقاح في السوق والسماح بإستخدامه عالمياً. فهل هناك قوة تعمل في الخفاء وتسيطر على أصحاب القرار في العالم؟ أم أنّ التبعة الطبيعية لتطوّر الفيروس هي السبب وراء إرباك العالم دول ومؤسّسات وأفراد؟

علّ الأعوام القادمة - ولا اظنّها أشهر - كفيلة بولادة أجوبة كافية شافية للوضع الحالي، الذي يمثّل تحدّياً للعالم غير مسبوق. الأكثر بعداً عن الشّك وأقرب إلى اليقين هو بقاء كورونا حديث العامة والخاصّة في الأعوام القادمة، بين حديث مجالس وأخرى عمل دؤوب في البحوث العلمية لفيروس حقيقي يجتاح العالم أو مؤامرة سياسية وحرب بيولوجية مبكّرة خرجت عن السيطرة! أم علّه عقاب الله في الأرض كما يتبناه هذا أو ذاك. وبين هذا وذاك للحكيم أن يستثمر اللُّحمة في الأسرة ويبني ما ضعضعته الجائحة وتسبّبت به كثير قرارات الحكومات؛ بعضها بدأت بمهنية وضمير فأقالت أصحابها مؤسّسات هشّة وسخّرها جلّ المتنفّذين لنفسه وحاشيته فأذعن الإملاق والعوز بين الأسر.

Ahmad.omari11@yahoo.de

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2020

البرلمانات الخشبيّة في مملكة الأبلكاش النشميّة

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  12:41 م   بدون تعليقات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

البرلمانات الخشبيّة في مملكة الأبلكاش النشميّة



دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

 كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان حاكم باسم بهيّ الطلّة وبلكنة فصيح اللّسان، يجلس على عرش ممكلة الأبلكاش، محبوب عند شعبه الكريم المضياف؛ قهوتهم تراث وموسيقاهم دقات «المهباش».

جرت العادة في مملكة الأبلكاش تبديل أعمدة العرش والأركان في كلّ أربعة أعوام، حتى آل جلّها أعمدة وأركان، أمّا باقي المملكة رملٌ وحطامٌ وأعلافٌ لبهائم السلطان وأبواق تنعق بهيبة الأركان، وعسكرٌ جياعٌ ضَور تفتدي الحاشية والملك الشبعان، وكرماء القوم في مخمصة حرّاس حرملك الخليفة العريان لا يرون بالأمّة غير قطيع خرفان.

أمّا الأعمدة فهي مائة وثلاثون وعدد الأركان أربع وعشرون، يختارهم الملك من شعبه ويجعلهم خصاصته وبطانته شريطة إفقار الطائفة التي ينتقي منها قوائم مملكته. وهكذا استمرت سياسة المملكة المطمئنّة أهلها الراضين بفقرهم لبقاء العرش والملك الحكيم، حتى ضج شبيبة المملكة المتأثرين من شدّة الفقر والعوز بمملكة «الحريّات التسويقيّة» فعرفوا أنّ ما يروّج في دولتنا من حقوق ما هي إلّا انتهاكات بوجه خرافات وخزعبلات أزلية؛ فخالفوا كبارهم وانشقّوا عن الرأي الملتئم الملتحم، فأشار مستشار الملك بأن يترك الأمر لهم لإختيار الأعمدة والأركان ويكفّ عن نفسه سخطهم وشذوذهم السرمديّة.

نجحت فكرة مستشار الملك الوسيم، وانقسمت الشبيبة وانشقّت على بعضها واختلطت أطماعهم بثوابتهم، فشابه جشع بعض الشبيبة جهل كثير المشيب وقام عرش الملك من جديد بشراكة كبار العشيرة؛ صغارها ورشيدها وأرعنها، فزادت أركان الدولة أعمدة وأركان وآل جلّ الشعب إلى كلأ وتُراب، وعاد الفقر والعوز كما كان مؤطّراً بإقصاء الحُصفاء والعارفين.

تنافس أبناء العترة الواحدة وبينهم العقلاء والفطناء لتقديم ركن وعمود للملك ظنّهم أنّهم لهم رفعة وأنفة، وغاب عنهم بالحميّة الجاهلية تنفّذ واحدهم على تهميش ألاف منهم بين عائل مملق وعديم مدقع.

وتهافتت رايات المهنئين المنافقين وسُذّج وجهلاء وبينهم لبيب حاذق وحصيف سويّ الراية سديد، اعتلى الركب حياءً أو مخافة إقصاء أو من خاصّته المذمّة؛ انصاعوا لتمكين تجّار القضيّة بروابط شرفاء كوكبة عديّة.

سألني أخي، ونحن من تراب المملكة الأبلكاشية: ما الذي منعك من دعم الأركان العسكرية وأثرياء صناديق المالية؟ فقلت له يا ابن أمي وببساطة، مملكتنا لا تقيمها أعمدة أفقية أو عمودية، فهي بخط قصبة وقطرة حبر عفوية تهدم البرلمان وتقيل صاحب الشرطة والصولجان ومعها كل صروح الديمقراطية والحريّة، يا ابن أمي وأبي المملكة تبنيها ساسة وجعهم كوجعك ووجعي ومتمرّسين بألمعيّة، يا ابن أمي وأبي أبناء القبيلة نختارهم عصبيّة فيشدّوا من وطأة الحراميّة بعون الأكثريّة، يا ابن أمي تقفون لنصرة هيكل ليس له من العمود والركن غير نفسه وجوع البقيّة، ويمنوك بتجنيد عسكري وتوظيف حارس بلديّة، نصحوه أكل العدس فهو كاللّحمة البلدية وقالوا له خبز «الكراديش» مثل الأرغفة الألمانية والكعكة الفرنسيّة.

يا ابن أمي الدولة ليست مضافة صلح عشائريّة تُنهي الحد والقصاص بهزة فنجان قهوة زعبيّة أو عمريّة، الدولة حكم وتشريع وقرارت مخادعة يسمّونها حيناً دبلوماسيّة، الدولة قلم حرّ ورضيع أمن الحليب حتى شاخ فأمن العفّة والكرامة حتى حتفه، الدولة حقّ الفقير بعنق ابن الوزير الزير كحقّ الضعيف عند الأمير، الدولة حق دواء العليل كالحق في الداء بجسد الوالي والسفير.

يا ابن أبي وأمي أركان دولتنا وأعمدتها العتيّة ركيكة هشّة قائمة على اختيار الأغلبية، والأغلبية تقدّم القريب رغم جهله بالحكم والأمور السياسيّة، لكنّه ابن العم فهو الأولى بالأريكة الجلديّة تحت القبّة البرلمانيّة، وله الحق - فهو ابن العشيرة - بالتصويت على قرارات اللصوص العنجهيّة. كلّ أعمدة دولتنا الأردنيّة الوزاريّة والبرلمانيّة والمؤسّسيّة والفعليّة والأسميّة معروفة لهذا وسد جميل لذاك واحتواء معارض الأمس سليط اللسان لتقويض الحقيقة وتقديمها مرّة أخرى على شكلّ منسف و «مليحيّة». أركان دولتنا يا أبن أمي وأعمدتها  كلّها من الأبلكاش الخشبيّة.

الأربعاء، 18 نوفمبر 2020

سياسات عقيمة ورسومات لا تختلف عنها

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  2:04 م   بدون تعليقات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

سياسات عقيمة ورسومات لا تختلف عنها

ما هكذا تورد الإبل يا ماكرون



دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

«إنّا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر». هل الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسول الأمّة حريّة تعبير أم استفزاز صريح لشريحة كبيرة في فرنسا من أصول غير فرنسية وللمسلمين عامّة؟ ولأنّنا نتحدث الآن عن حريّة التعبير فإنّني استحضر بالضرورة مقولة وزير الخارجية الفنلندي السابق «تيمو سويني» عندما صرّح في إحدى لقاءاته بأنّه لا يفهم عندما تسمّى السخريّة من السود عنصرية والسخريّة من اليهود معاداة للسامية والسخريّة من النساء اضطهاد المرأة، لكن عندما نسخر من المسلمين فإنّنا نسميها حريّة التعبير. علّنا نستشفّ من هذا الوصف الضعف الذي تعانية شعوب المسلمين في أرجاء العالم، أو على الأقل الدول التي تدّعي تبنيها النظام الإسلامي في الدولة. المسألة هي معايير قوة لا غير، فحتى الماضي القريب كان الغربي يتزيّن ويفاخر بإرتدائه الطربوش التركي، حتى أنّ رئيس بلدية فرانكفورت في بداية ستينيّات القرن الماضي خرج بفرقة موسيقية لإستقبال أول مجموعة دخلت ألمانيا لإعمارها بعد الحرب العالمية الثانية، بينما اليوم لا تخلو النِكات الألمانية من كلمة تركي.

سؤال يجيبه واقع ضعيف للدول العربية، وهم مادة الإسلام. لو عدنا قليلاً للوراء وتمعّنا أحداث الشغب في 2005م التي عمّت جميع المدن الفرنسية لوجدنا أنّ النهج الحكومي الفرنسي، وليس حصراً الرئيسي الحالي «إيمانويل ماكرون» هو التقليل من شأن الجالية المنحدرة من جذور مغاربية وأفريقية ومعها الإسلام هو السبب الرئيس من وراء تلك الأحداث التي شلّت الحياة بشكل  كلّي.

فقد دفع التهميش والشعور بالاحتقار والبغض من السياسيين ورجال الشرطة وإهمال تعليمي ووظيفي ونقص النشاطات الاجتماعية والثقافية على مدار أكثر من 30 عام جيل التسعينات الساخط على واقع ليقوم بثورة وصفها  وزير الداخلية آنذاك  «نيكولا ساركوزي» بوصف وقح وغير حكيم «رعاع الضواحي» ليثير الشارع الفرنسي برمّته، بدل احتواء غضب الشباب الذي تُمارس عليه الدولة سياسة إقصاء ممنّهج تدّل على فشل دمجهم أو تعمّد عدم دمجهم.

إبعاد الملايين من المجتمع وضمّهم في مجمّعات سكنية مكتظّة ومهملة تشبه العشوائيات، بعيدة عن الحياة الفرنسية يجعلها قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة لتطيح بنظام حريّات مكذوب هو فشل نظام دولة، لم يستطع منح هذه الشريحة الإحساس بأنّها جزء من هذا الكيان على صورته ومثاله .وهذا ما يفسّر إلى حدّ ما العنف الراهن وجرائم القتل البشعة غير المبرّرة والمرفوضة شكلاً ومضموناً.

أين الحكمة من وراء جزئية بسيطة من حريّة التعبير - لو سلّمنا بهذا النوع من الحريّات - يقوم بها رئيس وزراء دولة لاستفزاز ما يقارب الستة ملايين مسلم؟ حسب دائرة الإحصاء الألمانية، وقد يصل العدد إلى تسعة ملايين، والتفاوت بين الرقمين يعود سببه إلى عدم إمكانية إحصاء أعداد المسلمين في فرنسا إلّا بشكل استقراءات واستطلاعات مختصّة غير رسمية، حيث تحظر قوانين الجنسية الفرنسية ومناهضة التمييز إجراء الدراسات الاستقصائية حول الإنتماء العرقي والديني.     

ما هو التصرف الأكثر حكمة في هذه المعادلة؟ هل يجب التصرّف ببرود وإهمال الرسومات المسيئة وقرارت ماكرون لسببين أولهما، أنّ النبي الشريف صلّى الله عليه وسلم منذ صدر رسالته وكلّ المكذبين به يسخرون منه حتى بعض عمومته تجاوزوا لينعتوه بالجنون، ولم تغيّر السخرية إلّا بتزايد أتباعه، والثاني بأنّ هذه الرسومات الساخرة لن تسيء حقيقة لشخص الرسول أو رسالته السماوية؟ أم أنّ التفاعل العربي والإسلامي والذود عن نبي الأمّة ضرورة، وهي بعض من الإيمان به، متمثّلة بتصديق رسالته والإيمان بجميع ما جاء بها، وطاعته في أمره ونهيه ونصرته بالنصيحة ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقه وإحياء سنته ونشر دعوته ونفي التهمة عنها، وخاصّة تعمّد الحكومة الفرنسية بعد مقتل المعلم تبني الرسوم ونشرها في جميع المدارس.  

 كلّنا يعي بأنّ أي نوع من النقد لكتاب أو كاتب هو حقيقة سبب شهرته، فلو ضربنا سلمان رشدي مثالاً عندما صدر كتابه  «آيات شيطانية» لم يكن يعرفه أحد، وعندما أصدرت إيران حكم الإعدام الغيابي بحقه وصل كتابه إلى لائحة الكتب الأكثر قراءة، وأنا واحد ممّن اقتنى كتابه وقرأه. أحداث 11 أيلول/سيبتمبر التي شهّرت بالمسلمين بشكل غير مسبوق كانت سبباً لدخول أمم في الإسلام أثناء بحثهم عن هذا الدين الذي يحثّ على القتل، حسب وسائل الإعلام الأمريكية آنذاك ولغاية اليوم.

الذي حدث لسلمان رشدي من نقد وشهرة هو ذاته الذي يحدث اليوم للمجلة الفرنسية «شارلي إيبدو»، حيث تشير تقارير صحافية إلى لجوء الأخيرة كلّما تدهورت مبيعاتها وتعرّضها لمشاكل مادية إثارة ضجّة لزيادة التوزيع من خلال استفزاز المسلمين برسوم مسيئة لنبيهم، وهو ما أكدّه مؤسّس ومدير المعهد الفرنسي للدراسات الدولية والاستراتيجية «باسكال بونيفاس» حيث إتّهم المجلّة بأنّها تلجأ لاستفزاز المسلمين من خلال الإساءة للرسول كلّما تدنّت مبيعاتها، بدليل أنّها باعت كل نسخها في عدد عام 2012م البالغة 75 ألف للمرة الأولى جرّاء الرسوم المسيئة، وهي تسير منذ ذلك الحين على ذات النهج. علّها نجحت بزيادة المبيعات أيضاً هذه المرة أكثر بكثير من العام الآنف ذكره، غير أنّ الدولة الآن برمّتها تعاني وستعاني أكثر من تردّي مبيعاتها في الدول الإسلامية، فقد أظهرت صور وتقارير خلو «كافور» المجمع التجاري في قطر من الزبائن، كما هو الحال في الأردن وتونس والمغرب والكويت والسعودية وكثير الدول التي بدأت شعبياً أكثر من القرار الرسمي بمقاطعة المنتجات الفرنسية. 

فهل مجلّة شارلي إيبدو هي التي تجرّ وراءها سياسي ركيك متسرّع مثل ماكرون نحو الهاوية ومعه فرنسا؟

لو سلّمنا جدلاّ بأحقيّة فرنسا ممارسة حريّة التعبير التي تتضمّن إساءة النبي العربي، فلماذا تصف فرنسا المقاطعة لمنتجاتها هي حصراً من مجموعات راديكالية؟ لماذا لا تسلّم بالمقابل بأحقيّة الدول الإسلامية ممارسة حقّها بإختيار بضائعها دون إسدال التهم التعصبية لها؟ فرنسا لا تريد تحمّل تبعات حريّة التعبير المكذوبة، فهي ما زالت تظنّ بنفسها المستعّمر لشعوب بائسة مسلوبة الإرادة.    

قالت حكماء العرب في الماضي العقل أَفضل مرجُوٍّ، والجهل أَنكى عدُوٍّ، ويقول القانون العشائري ضرورة وجود الجهلاء في العشيرة تماماً كضرورة وجود حكمائها، فالحق الذي لا يستردّه الحكيم بالعقل يُعيدهُ العاقل بالجهل. قرارات فرنسا غير الحكيمة التحريضية المسيئة للنبي من شأنها خلق أشخاص مثل إبراهيم العيساوي - وهو لا ينتمي إلى أين تنظيم إرهابي - أتى من إيطاليا ليقتص لنبيه بطريقة لا تختلف كثيراً عن السياسة الفرنسية في كثير الدول، وهو شاب لم يتم الإثنين وعشرين عام ليقتل ثلاثة أشخاص طعناً في إحدى كنائس مدينة نيس 29 أكتوبر/تشرين الأول 2020م، وهو صنيع لا محال مرفوض وغير مقبول في أرض ولا سماء، فهل هذه الحادثة البشعة هي تمخُّض عن سياسة فقيرة؟ أم أنّ القادم أسوأ في ظلّ تعصّب ماكرون في موقفه لإستفزاز المسلمين من خلال تصريحاته الأخيرة وتبريرات ركيكة عنها، عبر قناة الجزيرة.

وأخيراً أُنهي بقول الرسول محمد أشرف الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام: «ما اكتسب المرءُ مثل عقلٍ يَهدي صاحبهُ إلى هُدى، أَو يردّهُ عَن ردى».

الخميس، 29 أكتوبر 2020

الصراع الأذري الأرميني: أسبابه ومآلاته

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  2:37 م   بدون تعليقات

 



دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

نزاع إقليم «ناغورني قره باغ» وهي جمهورية «أرتساخ» غير معترف بها دولياً، ذات الأغلبية الأرمينية. طالبت باستقلالها عن أذربيجان والانضمام إلى أرمينيا، بيد أنّ أرمينيا لم تعترف بها، تقع في منطقة «قرة باغ» في الجزء الجنوبي الغربي بمساحة 440.000 متر مربع و 145.000 نسمة، حسب إحصائية قدّمتها جريدة «تاجيس شبيجل» لهذا العام. استقلّت في 10 ديسمبر 1991م عقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، تعيد لنا اليوم ذاكرة الحروب الطاحنة التي دارت في أوائل التسعينات بين أرمينيا وأذربيجان حول هذا الإقليم الحدودي المتنازع عليه، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 30 ألف شخص، بالإضافة إلى تشريد عشرات الآلاف، ولم تنته إلّا بعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، الذي قامت به مجموعة «مينسك» ظهرت إبّان الحرب قبل 26 عاماً لإيجاد تسوية للأزمة الأرمينية الأذربيجانية، بالعمل مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بقيادة موسكو وباريس وواشنطن، لتوضيح بعض البنود مثل الوضع المستقبلي لمنطقة ناغورني قره باغ والمناطق السبعة الأخرى التي تحتلها أرمينيا، وعودة اللاجئين وتقديم الضمانات الأمنية لكلا الجانبين، غير أن هذا لم يتحقق طيلة السنوات الأخيرة.

عند الحديث عن هذه الحرب الطاحنة نستذكر أيضاً مجزرة «خوجالي» الوحشية والفظائع التي التي ارتكبها الأرمن في 26 فبراير/شباط 1992م بالتعاون مع القوات السوفيتية آنذاك، المتمركزة قرب مدينة «خانكندي» الأذربيجانية، والتي راح ضيحتها 613 مواطناً أذربيجانياً بين نساء وكبار السن والأطفال وتعذيب الأسرى الذين وصل عددهم إلى 1275 وما زال 150 منهم في عداد المفقودين حتى يومنا هذا، لتعدّ الأخرى واحدة من المذابح الأكثر دموية في القرن العشرين.

نحن في صدد الحديث عن صراع تعود جذوره إلى الإتحاد السوفيتي في عشرينات القرن الماضي حين تعمّدت الأخيرة في عام 1923م ضمّ الأقلية الأرمينية، وهم سكان قره باغ داخل حدود الدولة الأذربيجانية، رغم رغبة السكان للتبعية الأرمنية، وفي المقابل تبقى الأقلية الأذربيجانية في إقليم «ناختشيفان» داخل جمهورية أرمينيا. أمّا ما شكّل قنبلة موقوتة هو منح السوفيت قره باغ حكم ذاتي داخل جمهورية أذربيجان. والحرب الحالية بين الدولتين هو ما تمخّضت عنه قرارات التقسيم السوفيتي المتعمّد.

من غير المؤكد ما إذا كان وقف إطلاق النار المتفق عليه سيتم تفعيله على أرض الواقع، حيث أنّ الموقف الروسي الذي يحسم الأمر ما زال ضبابياً غير واضح، والمعضلة في هذه المعادلة هي أنّ الأخرى لديها علاقات وديّة مع كلا الطرفين المتحاربين.

كان وقف إطلاق النار ساري المفعول منذ ظهيرة يوم السبت تشرين الأول/أكتوبر، غير أنّ وزارة الدفاع الأرمينية ادّعت أنّ أذربيجان بدأت الهجوم الساعة الثانية عشر وخمسة دقائق مرة أخرى، في ذات الوقت تقريباً قال الجانب الأذري أنّ أرمينيا هاجمت مجمعات سكنية أذربيجانية على الرّغم من وقف إطلاق النار. النزاع بين الطرفين يتفاقم رغم المحادثات في موسكو.



التقى وزيرا خارجية أرمينيا وأذربيجان يوم الجمعة 9 تشرين الثاني/أكتوبر في موسكو برعاية الرئيس «فلاديمير بوتين» بناءً على دعوة من الآخر في مفاوضات استمرت قرابة إحدى عشرة ساعة. كانت هدنة وقف إطلاق النار موضع شك منذ البداية، وهذا ما كان، فقد خلّ الطرفان بالإتفاق فعلاً. الشيء المؤكد أنّ كلا الطرفين لم يقدّما أي تنازلات خلال المحادثات من أجل إحلال السّلام.

أذربيجان ترفض تقديم أي تنازلات

في هذه الحالة الهشّة من المحادثات لا يبدو أنّ الرجوع لوضع ما قبل الحرب متوقع، فمنذ ما يقارب الأسبوعين والجبهات مفتوحة بين الطرفين ممّا أدّى لسقوط مئات الجنود بينهم، وقصف الأمكان المأهولة بالسكان في المدن والقرى راح ضحيتها المدنيون من الطرفين.

في إقليم ناغورني قره باغ المحاصر وحده فرّ ما يزيد عن 70 ألف شخص من منازلهم. على مدار سنين كانت حكوماتي «باكو» و «يريفان» تعدّا نفسهما لهذا الصراع، مع تصعيد الاتهامات والتهديدات المتبادلة، ولقد صرّح الرئيس الأذربيجاني «إلهام علييف» بعدم وجود أي فرصة لتقديم تنازلات، ويجب على أرمينيا التخلّي عن ناغورني قره باغ، وأضاف يوم الجمعة قبل اجتماع وزراء الخارجية أنّه سيمنح أرمينيا فرصة لحلّ هذا الصراع سلمياً، وهي فرصتها الأخيرة، فقط عندما تقدّم «يريفان» جدولاً زمنياً لانسحابها ستوافق باكو على وقف إطلاق النار.

امّا  الحكومة الأرمينية من جانبها لا تفكّر في التنازل عن الإقليم، حيث أوضح رئيس الوزراء الجديد «نيكول باشينيان» قبل عام بلهجة لم تترك أي أمل في حلّ تفاوضي بأنّ هذه المنطقة أرمينية.

بالنسبة للشعب الأذربيجاني لم يعد يؤمن بالحلّ الدبلوماسي، حيث كانت هدنة عام 1994م بوساطة روسية بمثابة هزيمة لهم، فقد انتصر الأرمن في حرب ناغورني قره باغ وطردوا الأذريين من المنطقة التي لا تزال جزءاً من أذربيجان بموجب القانون الدولي.

رفض نيكول باشينيان المشاركة في المفاوضات طالما استمر القتال، متهماً أذربيجان ببداية الحرب. ربّما كانت الأخرى هي التي بادرت في نشوب المعارك، فأرمينيا التي تسيطر على المنطقة أصلاً ليس لديها مصلحة في القتال، بينما أذربيجان التي تريد استعادة أقليمها مرجّح إقبالها على هذه الخطوة، فقد دعا في باكو جزء كبير من السكان إلى الحرب في باكورة الصيف السالف.

علّ التصعيد يخدم الرئيس علييف الذي حلّ محل والده منذ 17 عاماً، فدولته الغنيّة بالنفط تعاني اقتصادياً من انخفاض أسعار النفط. فهل أقبل على قرار الحرب ليصرف عنه المشاكل السياسية الداخلية؟

موسكو تلتزم دور الوسيط

من المحتمل أنّ قرار الرئيس الأذربيجاني للحرب يعود لأمرين أوّلهما دعم تركيا والثاني إصرار موسكو الدائم على الهدنة وعدم تدخّله في آن. الجانب الروسي يتّسم بالضبابية تجاه أرمينيا على الرغم من أنّ الأخرى شريك موسكو وعضو في نفس الحلف الدفاعي، بدلاً من ذلك يلعب بوتين حتى الآن دور الوسيط، فقد وصف في مقابلة تلفزيونية لأول مرّة يوم الأربعاء الماضي 7 تشرين الأول/أكتوبر بأنّ هذه الحرب مأساة كبيرة، وأوضح علاقة روسيا الوثيقة مع الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين أرمينيا وأذربيجان التزام موسكو تجاه أرمينيا، غير أنّ القتال لا يدور على الأراضي الأرمنية وبالتالي موسكو لا تشعر بالمسؤولية تجاه الإقليم المتنازع عليه.

أرمينيا دولة فقيرة من حيث السكان والجيش والعتاد وهي أضعف بكثير من الجيش الأذربيجاني، وهي بحاجة إلى روسيا في مواجهتها مع الأخرى، وهذا الاعتماد يخدم المصالح الروسية، فهي بالنهاية لن تسمح بالهزيمه الأرمينية كونها دولة حليفة، ومن غير المرجّح أن يسمح بوتين لأرمينيا بخسارة ناغورني قره باغ، في ذات الآن ليس لدى بوتين  أي سبب لإتخاذ إجراء عسكري ضد أذربيجان إن لم يكن مضطراً، فروسيا لها علاقات اقتصادية جيدة مع باكو، فهي السوق الروسي لأسلحتها، ولأنّ الأخرى لم تنفصل عن موسكو على عكس الجمهوريات السوفيتية الأخرى.

بالإضافة إلى أنّ بوتين عرف إلهام علييف لفترة أطول بكثير من معرفة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، وربما أسلوب القيادة الأذربيجانية أقرب إليه، مع وجود خلاف مع الحكومة الأرمينية الجديدة، فقد قاد باشينيان ثورة في أرمينيا وهو الآن يحاكم رئيس الدولة السابق، وهما أمران لا يحتملهما رئيس الكرملين على الإطلاق. يقول الخبير «ألكسندر باونوف» من مركز «كارنيجي» في موسكو أنّ لدى روسيا أسباب كثيرة لمساعدة أرمينيا، لكن لا يوجد سبب واحد لمعاقبة أذربيجان. وبوتين لا يرى بالجمهوريتين إلّا مناطق نفوذ روسية، ويعلّق آلية السّلام الهش والمفاوضات بشكل واضح بموسكو، لكّن السؤال الأهم في هذه المعادلة هو إلى أي مدى سيسمح بوتين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتدخّل في النزاع لجانب باكو؟

سبق وصرّح مدير المخابرات الخارجية الروسية «سيرجي ناريشكين» من مخاوف جنوب القوقاز التي يمكن أن تصبح نقطة انطلاق جديدة للمنظمات الإرهابية المتسلّلة إلى أذربيجان وأرمينيا والتي قد تهدّد أمن روسيا. لقد تدخّلت روسيا بالفعل في الحرب السورية بذات الحجّة. إلى متى سيستمر بوتين لعب دور المراقب؟ انتهى القتال العنيف الأخير من أجل إقليم ناغورني قره باغ في عام 2016م بعد أربعة أيام حرب طاحنة، هذه المرّة مضى أسبوعين على الإقتتال ولا توجد أي إشارة تدّل على إحلال السّلام بين الطرفين.

امّا الجانب التركي فقد وجّه رسالة من خلال السفير «بازات أوزتورك» الممثّل الدائم لتركيا لدى حلف الناتو للأمين العام للحلف «ينس شتولتنبرغ» يوم الخميس الموافق 1 تشرين الثاني/أكتوبر ردّ فيها على المذكّرة التي أرسلتها بعثة أرمينيا لدى الحلف، تناول فيها موقف تركيا من النزاع، حيث حمّل أرمينيا إساءة استخدام الحلف ومنصاته كأدوات لحملات تضليل وتشويه حقائق ضد تركيا، من خلال المذكّرة التي أرسلتها بعثة أرمينيا بتاريخ 28 أيلول/سيبتمبر، التي تضمّنت المزاعم الأرمينية حول دفع تركيا مقاتلين من سوريا إلى جانب الأذريين، لا بل ونوّه إلى التقارير التفصيلية الأخيرة بخصوص نقل أرمينيا لإرهابيي حزب العمال الكردستاني «PKK» ووحدات حماية الشعب «YPG»، وغيرهم من المقاتلين الأجانب من بعض دول الشرق الأوسط إلى منطقة ناغورني قره باغ داعياً الجميع إلى الشعور بالقلق جرّاء هذه التقارير.

ولقد أكّد على أنّ التمسك بسيادة أذربيجان وسلامتها الإقليمية في صراع الإقليم هو التزام قطعته الحكومة التركية على نفسها في مختلف مؤتمرات القمّة لحلف شمال الأطلسي.

الموقف الإيراني

الموقف الرسمي الإيراني يدعم أرمينيا لعدة اعتبارات، لا سيما بعد أن بدأت جنوب القوقاز تحظى باهتمام بعض الدول كتركيا وروسيا، بالإضافة إلى أنّ طهران لا تنظر إلى الأذريين على أنّهم شيعة كما هو الحال في لبنان وسوريا والعراق والبحرين. ويظهر أيضاً التناقض بجلاء بين تبنّي أذربيجان سياسة القومية الإثنيّة التركية وإيران الدينية الطائفية.

لقد غيّرت طهران موقفها الداعم لأرمينيا في الأسبوع الثاني من الصراع على عكس المتوقع، وقد يعود هذا التغيير إلى الضغوطات في أذربيجان وتهييج الأذريين في إيران الذي يصل تعدادهم إلى ما يقارب 16 مليون نسمة. وطالبت طهران على لسان «علي أكبر ولايتي» مستشار الشؤون الدولية للمرشد الإيراني إنهاء الاحتلال الأرميني للإقليم، وتحديداً سبعة مدن أذرية، وعودة ما يزيد عن مليون أذري نازح وحلّ القضية بشكل دائم وسلمي.

دور روسيا في الوساطة بين الطرفين بدلاً من الوقوف مع أرمينيا، كون ناغورني قره باغ ليست في الأراضي الأرمينية، بالإضافة إلى موقف إيران والتدخل العسكري التركي شكّل أداة ضغط على أرمينيا لإنهاء الصراع المستمر منذ 3 عقود، الذي أخفقت مينسك من حسمه.

Ahmad.Omari11@.yahoo.de

 

Back to top ↑

كلمات من العمري

في بداية خطابي أشكر زائريّ ممن بحث عني بأسمي أو دخل منزلي صدفة فراق له البقاء. وجزيل شكري لكل أصدقائي وأحبتي ممن يعملوا في الخفاء لنشر كلماتي دون تقديم أشخاصهم، إيمانهم بها أو بي وإن زل قلمي حيناً يقينهم إذعانَ قلبي وعقلي لها. لقد ترددت كثيرا قبل أن أفتح هذا الباب الذي عمل عليه صديقي الأستاذ أنس عمرو وصديقي الدكتور ضياء الزعبي - جزاه الله كل الخير- ولم يتركني حتى كَمُل على وجه رضيناه للأخوة القراء الكرام ... المزيد
كن على تواصل واتصال معنا

© 2018 أحمد سليمان العمري.
Design By: Hebron Portal - Anas Amro .