الأربعاء، 18 نوفمبر 2020

سياسات عقيمة ورسومات لا تختلف عنها

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  2:04 م   بدون تعليقات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

سياسات عقيمة ورسومات لا تختلف عنها

ما هكذا تورد الإبل يا ماكرون



دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

«إنّا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر». هل الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسول الأمّة حريّة تعبير أم استفزاز صريح لشريحة كبيرة في فرنسا من أصول غير فرنسية وللمسلمين عامّة؟ ولأنّنا نتحدث الآن عن حريّة التعبير فإنّني استحضر بالضرورة مقولة وزير الخارجية الفنلندي السابق «تيمو سويني» عندما صرّح في إحدى لقاءاته بأنّه لا يفهم عندما تسمّى السخريّة من السود عنصرية والسخريّة من اليهود معاداة للسامية والسخريّة من النساء اضطهاد المرأة، لكن عندما نسخر من المسلمين فإنّنا نسميها حريّة التعبير. علّنا نستشفّ من هذا الوصف الضعف الذي تعانية شعوب المسلمين في أرجاء العالم، أو على الأقل الدول التي تدّعي تبنيها النظام الإسلامي في الدولة. المسألة هي معايير قوة لا غير، فحتى الماضي القريب كان الغربي يتزيّن ويفاخر بإرتدائه الطربوش التركي، حتى أنّ رئيس بلدية فرانكفورت في بداية ستينيّات القرن الماضي خرج بفرقة موسيقية لإستقبال أول مجموعة دخلت ألمانيا لإعمارها بعد الحرب العالمية الثانية، بينما اليوم لا تخلو النِكات الألمانية من كلمة تركي.

سؤال يجيبه واقع ضعيف للدول العربية، وهم مادة الإسلام. لو عدنا قليلاً للوراء وتمعّنا أحداث الشغب في 2005م التي عمّت جميع المدن الفرنسية لوجدنا أنّ النهج الحكومي الفرنسي، وليس حصراً الرئيسي الحالي «إيمانويل ماكرون» هو التقليل من شأن الجالية المنحدرة من جذور مغاربية وأفريقية ومعها الإسلام هو السبب الرئيس من وراء تلك الأحداث التي شلّت الحياة بشكل  كلّي.

فقد دفع التهميش والشعور بالاحتقار والبغض من السياسيين ورجال الشرطة وإهمال تعليمي ووظيفي ونقص النشاطات الاجتماعية والثقافية على مدار أكثر من 30 عام جيل التسعينات الساخط على واقع ليقوم بثورة وصفها  وزير الداخلية آنذاك  «نيكولا ساركوزي» بوصف وقح وغير حكيم «رعاع الضواحي» ليثير الشارع الفرنسي برمّته، بدل احتواء غضب الشباب الذي تُمارس عليه الدولة سياسة إقصاء ممنّهج تدّل على فشل دمجهم أو تعمّد عدم دمجهم.

إبعاد الملايين من المجتمع وضمّهم في مجمّعات سكنية مكتظّة ومهملة تشبه العشوائيات، بعيدة عن الحياة الفرنسية يجعلها قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة لتطيح بنظام حريّات مكذوب هو فشل نظام دولة، لم يستطع منح هذه الشريحة الإحساس بأنّها جزء من هذا الكيان على صورته ومثاله .وهذا ما يفسّر إلى حدّ ما العنف الراهن وجرائم القتل البشعة غير المبرّرة والمرفوضة شكلاً ومضموناً.

أين الحكمة من وراء جزئية بسيطة من حريّة التعبير - لو سلّمنا بهذا النوع من الحريّات - يقوم بها رئيس وزراء دولة لاستفزاز ما يقارب الستة ملايين مسلم؟ حسب دائرة الإحصاء الألمانية، وقد يصل العدد إلى تسعة ملايين، والتفاوت بين الرقمين يعود سببه إلى عدم إمكانية إحصاء أعداد المسلمين في فرنسا إلّا بشكل استقراءات واستطلاعات مختصّة غير رسمية، حيث تحظر قوانين الجنسية الفرنسية ومناهضة التمييز إجراء الدراسات الاستقصائية حول الإنتماء العرقي والديني.     

ما هو التصرف الأكثر حكمة في هذه المعادلة؟ هل يجب التصرّف ببرود وإهمال الرسومات المسيئة وقرارت ماكرون لسببين أولهما، أنّ النبي الشريف صلّى الله عليه وسلم منذ صدر رسالته وكلّ المكذبين به يسخرون منه حتى بعض عمومته تجاوزوا لينعتوه بالجنون، ولم تغيّر السخرية إلّا بتزايد أتباعه، والثاني بأنّ هذه الرسومات الساخرة لن تسيء حقيقة لشخص الرسول أو رسالته السماوية؟ أم أنّ التفاعل العربي والإسلامي والذود عن نبي الأمّة ضرورة، وهي بعض من الإيمان به، متمثّلة بتصديق رسالته والإيمان بجميع ما جاء بها، وطاعته في أمره ونهيه ونصرته بالنصيحة ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقه وإحياء سنته ونشر دعوته ونفي التهمة عنها، وخاصّة تعمّد الحكومة الفرنسية بعد مقتل المعلم تبني الرسوم ونشرها في جميع المدارس.  

 كلّنا يعي بأنّ أي نوع من النقد لكتاب أو كاتب هو حقيقة سبب شهرته، فلو ضربنا سلمان رشدي مثالاً عندما صدر كتابه  «آيات شيطانية» لم يكن يعرفه أحد، وعندما أصدرت إيران حكم الإعدام الغيابي بحقه وصل كتابه إلى لائحة الكتب الأكثر قراءة، وأنا واحد ممّن اقتنى كتابه وقرأه. أحداث 11 أيلول/سيبتمبر التي شهّرت بالمسلمين بشكل غير مسبوق كانت سبباً لدخول أمم في الإسلام أثناء بحثهم عن هذا الدين الذي يحثّ على القتل، حسب وسائل الإعلام الأمريكية آنذاك ولغاية اليوم.

الذي حدث لسلمان رشدي من نقد وشهرة هو ذاته الذي يحدث اليوم للمجلة الفرنسية «شارلي إيبدو»، حيث تشير تقارير صحافية إلى لجوء الأخيرة كلّما تدهورت مبيعاتها وتعرّضها لمشاكل مادية إثارة ضجّة لزيادة التوزيع من خلال استفزاز المسلمين برسوم مسيئة لنبيهم، وهو ما أكدّه مؤسّس ومدير المعهد الفرنسي للدراسات الدولية والاستراتيجية «باسكال بونيفاس» حيث إتّهم المجلّة بأنّها تلجأ لاستفزاز المسلمين من خلال الإساءة للرسول كلّما تدنّت مبيعاتها، بدليل أنّها باعت كل نسخها في عدد عام 2012م البالغة 75 ألف للمرة الأولى جرّاء الرسوم المسيئة، وهي تسير منذ ذلك الحين على ذات النهج. علّها نجحت بزيادة المبيعات أيضاً هذه المرة أكثر بكثير من العام الآنف ذكره، غير أنّ الدولة الآن برمّتها تعاني وستعاني أكثر من تردّي مبيعاتها في الدول الإسلامية، فقد أظهرت صور وتقارير خلو «كافور» المجمع التجاري في قطر من الزبائن، كما هو الحال في الأردن وتونس والمغرب والكويت والسعودية وكثير الدول التي بدأت شعبياً أكثر من القرار الرسمي بمقاطعة المنتجات الفرنسية. 

فهل مجلّة شارلي إيبدو هي التي تجرّ وراءها سياسي ركيك متسرّع مثل ماكرون نحو الهاوية ومعه فرنسا؟

لو سلّمنا جدلاّ بأحقيّة فرنسا ممارسة حريّة التعبير التي تتضمّن إساءة النبي العربي، فلماذا تصف فرنسا المقاطعة لمنتجاتها هي حصراً من مجموعات راديكالية؟ لماذا لا تسلّم بالمقابل بأحقيّة الدول الإسلامية ممارسة حقّها بإختيار بضائعها دون إسدال التهم التعصبية لها؟ فرنسا لا تريد تحمّل تبعات حريّة التعبير المكذوبة، فهي ما زالت تظنّ بنفسها المستعّمر لشعوب بائسة مسلوبة الإرادة.    

قالت حكماء العرب في الماضي العقل أَفضل مرجُوٍّ، والجهل أَنكى عدُوٍّ، ويقول القانون العشائري ضرورة وجود الجهلاء في العشيرة تماماً كضرورة وجود حكمائها، فالحق الذي لا يستردّه الحكيم بالعقل يُعيدهُ العاقل بالجهل. قرارات فرنسا غير الحكيمة التحريضية المسيئة للنبي من شأنها خلق أشخاص مثل إبراهيم العيساوي - وهو لا ينتمي إلى أين تنظيم إرهابي - أتى من إيطاليا ليقتص لنبيه بطريقة لا تختلف كثيراً عن السياسة الفرنسية في كثير الدول، وهو شاب لم يتم الإثنين وعشرين عام ليقتل ثلاثة أشخاص طعناً في إحدى كنائس مدينة نيس 29 أكتوبر/تشرين الأول 2020م، وهو صنيع لا محال مرفوض وغير مقبول في أرض ولا سماء، فهل هذه الحادثة البشعة هي تمخُّض عن سياسة فقيرة؟ أم أنّ القادم أسوأ في ظلّ تعصّب ماكرون في موقفه لإستفزاز المسلمين من خلال تصريحاته الأخيرة وتبريرات ركيكة عنها، عبر قناة الجزيرة.

وأخيراً أُنهي بقول الرسول محمد أشرف الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام: «ما اكتسب المرءُ مثل عقلٍ يَهدي صاحبهُ إلى هُدى، أَو يردّهُ عَن ردى».

الخميس، 29 أكتوبر 2020

الصراع الأذري الأرميني: أسبابه ومآلاته

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  2:37 م   بدون تعليقات

 



دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

نزاع إقليم «ناغورني قره باغ» وهي جمهورية «أرتساخ» غير معترف بها دولياً، ذات الأغلبية الأرمينية. طالبت باستقلالها عن أذربيجان والانضمام إلى أرمينيا، بيد أنّ أرمينيا لم تعترف بها، تقع في منطقة «قرة باغ» في الجزء الجنوبي الغربي بمساحة 440.000 متر مربع و 145.000 نسمة، حسب إحصائية قدّمتها جريدة «تاجيس شبيجل» لهذا العام. استقلّت في 10 ديسمبر 1991م عقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، تعيد لنا اليوم ذاكرة الحروب الطاحنة التي دارت في أوائل التسعينات بين أرمينيا وأذربيجان حول هذا الإقليم الحدودي المتنازع عليه، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 30 ألف شخص، بالإضافة إلى تشريد عشرات الآلاف، ولم تنته إلّا بعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، الذي قامت به مجموعة «مينسك» ظهرت إبّان الحرب قبل 26 عاماً لإيجاد تسوية للأزمة الأرمينية الأذربيجانية، بالعمل مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بقيادة موسكو وباريس وواشنطن، لتوضيح بعض البنود مثل الوضع المستقبلي لمنطقة ناغورني قره باغ والمناطق السبعة الأخرى التي تحتلها أرمينيا، وعودة اللاجئين وتقديم الضمانات الأمنية لكلا الجانبين، غير أن هذا لم يتحقق طيلة السنوات الأخيرة.

عند الحديث عن هذه الحرب الطاحنة نستذكر أيضاً مجزرة «خوجالي» الوحشية والفظائع التي التي ارتكبها الأرمن في 26 فبراير/شباط 1992م بالتعاون مع القوات السوفيتية آنذاك، المتمركزة قرب مدينة «خانكندي» الأذربيجانية، والتي راح ضيحتها 613 مواطناً أذربيجانياً بين نساء وكبار السن والأطفال وتعذيب الأسرى الذين وصل عددهم إلى 1275 وما زال 150 منهم في عداد المفقودين حتى يومنا هذا، لتعدّ الأخرى واحدة من المذابح الأكثر دموية في القرن العشرين.

نحن في صدد الحديث عن صراع تعود جذوره إلى الإتحاد السوفيتي في عشرينات القرن الماضي حين تعمّدت الأخيرة في عام 1923م ضمّ الأقلية الأرمينية، وهم سكان قره باغ داخل حدود الدولة الأذربيجانية، رغم رغبة السكان للتبعية الأرمنية، وفي المقابل تبقى الأقلية الأذربيجانية في إقليم «ناختشيفان» داخل جمهورية أرمينيا. أمّا ما شكّل قنبلة موقوتة هو منح السوفيت قره باغ حكم ذاتي داخل جمهورية أذربيجان. والحرب الحالية بين الدولتين هو ما تمخّضت عنه قرارات التقسيم السوفيتي المتعمّد.

من غير المؤكد ما إذا كان وقف إطلاق النار المتفق عليه سيتم تفعيله على أرض الواقع، حيث أنّ الموقف الروسي الذي يحسم الأمر ما زال ضبابياً غير واضح، والمعضلة في هذه المعادلة هي أنّ الأخرى لديها علاقات وديّة مع كلا الطرفين المتحاربين.

كان وقف إطلاق النار ساري المفعول منذ ظهيرة يوم السبت تشرين الأول/أكتوبر، غير أنّ وزارة الدفاع الأرمينية ادّعت أنّ أذربيجان بدأت الهجوم الساعة الثانية عشر وخمسة دقائق مرة أخرى، في ذات الوقت تقريباً قال الجانب الأذري أنّ أرمينيا هاجمت مجمعات سكنية أذربيجانية على الرّغم من وقف إطلاق النار. النزاع بين الطرفين يتفاقم رغم المحادثات في موسكو.



التقى وزيرا خارجية أرمينيا وأذربيجان يوم الجمعة 9 تشرين الثاني/أكتوبر في موسكو برعاية الرئيس «فلاديمير بوتين» بناءً على دعوة من الآخر في مفاوضات استمرت قرابة إحدى عشرة ساعة. كانت هدنة وقف إطلاق النار موضع شك منذ البداية، وهذا ما كان، فقد خلّ الطرفان بالإتفاق فعلاً. الشيء المؤكد أنّ كلا الطرفين لم يقدّما أي تنازلات خلال المحادثات من أجل إحلال السّلام.

أذربيجان ترفض تقديم أي تنازلات

في هذه الحالة الهشّة من المحادثات لا يبدو أنّ الرجوع لوضع ما قبل الحرب متوقع، فمنذ ما يقارب الأسبوعين والجبهات مفتوحة بين الطرفين ممّا أدّى لسقوط مئات الجنود بينهم، وقصف الأمكان المأهولة بالسكان في المدن والقرى راح ضحيتها المدنيون من الطرفين.

في إقليم ناغورني قره باغ المحاصر وحده فرّ ما يزيد عن 70 ألف شخص من منازلهم. على مدار سنين كانت حكوماتي «باكو» و «يريفان» تعدّا نفسهما لهذا الصراع، مع تصعيد الاتهامات والتهديدات المتبادلة، ولقد صرّح الرئيس الأذربيجاني «إلهام علييف» بعدم وجود أي فرصة لتقديم تنازلات، ويجب على أرمينيا التخلّي عن ناغورني قره باغ، وأضاف يوم الجمعة قبل اجتماع وزراء الخارجية أنّه سيمنح أرمينيا فرصة لحلّ هذا الصراع سلمياً، وهي فرصتها الأخيرة، فقط عندما تقدّم «يريفان» جدولاً زمنياً لانسحابها ستوافق باكو على وقف إطلاق النار.

امّا  الحكومة الأرمينية من جانبها لا تفكّر في التنازل عن الإقليم، حيث أوضح رئيس الوزراء الجديد «نيكول باشينيان» قبل عام بلهجة لم تترك أي أمل في حلّ تفاوضي بأنّ هذه المنطقة أرمينية.

بالنسبة للشعب الأذربيجاني لم يعد يؤمن بالحلّ الدبلوماسي، حيث كانت هدنة عام 1994م بوساطة روسية بمثابة هزيمة لهم، فقد انتصر الأرمن في حرب ناغورني قره باغ وطردوا الأذريين من المنطقة التي لا تزال جزءاً من أذربيجان بموجب القانون الدولي.

رفض نيكول باشينيان المشاركة في المفاوضات طالما استمر القتال، متهماً أذربيجان ببداية الحرب. ربّما كانت الأخرى هي التي بادرت في نشوب المعارك، فأرمينيا التي تسيطر على المنطقة أصلاً ليس لديها مصلحة في القتال، بينما أذربيجان التي تريد استعادة أقليمها مرجّح إقبالها على هذه الخطوة، فقد دعا في باكو جزء كبير من السكان إلى الحرب في باكورة الصيف السالف.

علّ التصعيد يخدم الرئيس علييف الذي حلّ محل والده منذ 17 عاماً، فدولته الغنيّة بالنفط تعاني اقتصادياً من انخفاض أسعار النفط. فهل أقبل على قرار الحرب ليصرف عنه المشاكل السياسية الداخلية؟

موسكو تلتزم دور الوسيط

من المحتمل أنّ قرار الرئيس الأذربيجاني للحرب يعود لأمرين أوّلهما دعم تركيا والثاني إصرار موسكو الدائم على الهدنة وعدم تدخّله في آن. الجانب الروسي يتّسم بالضبابية تجاه أرمينيا على الرغم من أنّ الأخرى شريك موسكو وعضو في نفس الحلف الدفاعي، بدلاً من ذلك يلعب بوتين حتى الآن دور الوسيط، فقد وصف في مقابلة تلفزيونية لأول مرّة يوم الأربعاء الماضي 7 تشرين الأول/أكتوبر بأنّ هذه الحرب مأساة كبيرة، وأوضح علاقة روسيا الوثيقة مع الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين أرمينيا وأذربيجان التزام موسكو تجاه أرمينيا، غير أنّ القتال لا يدور على الأراضي الأرمنية وبالتالي موسكو لا تشعر بالمسؤولية تجاه الإقليم المتنازع عليه.

أرمينيا دولة فقيرة من حيث السكان والجيش والعتاد وهي أضعف بكثير من الجيش الأذربيجاني، وهي بحاجة إلى روسيا في مواجهتها مع الأخرى، وهذا الاعتماد يخدم المصالح الروسية، فهي بالنهاية لن تسمح بالهزيمه الأرمينية كونها دولة حليفة، ومن غير المرجّح أن يسمح بوتين لأرمينيا بخسارة ناغورني قره باغ، في ذات الآن ليس لدى بوتين  أي سبب لإتخاذ إجراء عسكري ضد أذربيجان إن لم يكن مضطراً، فروسيا لها علاقات اقتصادية جيدة مع باكو، فهي السوق الروسي لأسلحتها، ولأنّ الأخرى لم تنفصل عن موسكو على عكس الجمهوريات السوفيتية الأخرى.

بالإضافة إلى أنّ بوتين عرف إلهام علييف لفترة أطول بكثير من معرفة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، وربما أسلوب القيادة الأذربيجانية أقرب إليه، مع وجود خلاف مع الحكومة الأرمينية الجديدة، فقد قاد باشينيان ثورة في أرمينيا وهو الآن يحاكم رئيس الدولة السابق، وهما أمران لا يحتملهما رئيس الكرملين على الإطلاق. يقول الخبير «ألكسندر باونوف» من مركز «كارنيجي» في موسكو أنّ لدى روسيا أسباب كثيرة لمساعدة أرمينيا، لكن لا يوجد سبب واحد لمعاقبة أذربيجان. وبوتين لا يرى بالجمهوريتين إلّا مناطق نفوذ روسية، ويعلّق آلية السّلام الهش والمفاوضات بشكل واضح بموسكو، لكّن السؤال الأهم في هذه المعادلة هو إلى أي مدى سيسمح بوتين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتدخّل في النزاع لجانب باكو؟

سبق وصرّح مدير المخابرات الخارجية الروسية «سيرجي ناريشكين» من مخاوف جنوب القوقاز التي يمكن أن تصبح نقطة انطلاق جديدة للمنظمات الإرهابية المتسلّلة إلى أذربيجان وأرمينيا والتي قد تهدّد أمن روسيا. لقد تدخّلت روسيا بالفعل في الحرب السورية بذات الحجّة. إلى متى سيستمر بوتين لعب دور المراقب؟ انتهى القتال العنيف الأخير من أجل إقليم ناغورني قره باغ في عام 2016م بعد أربعة أيام حرب طاحنة، هذه المرّة مضى أسبوعين على الإقتتال ولا توجد أي إشارة تدّل على إحلال السّلام بين الطرفين.

امّا الجانب التركي فقد وجّه رسالة من خلال السفير «بازات أوزتورك» الممثّل الدائم لتركيا لدى حلف الناتو للأمين العام للحلف «ينس شتولتنبرغ» يوم الخميس الموافق 1 تشرين الثاني/أكتوبر ردّ فيها على المذكّرة التي أرسلتها بعثة أرمينيا لدى الحلف، تناول فيها موقف تركيا من النزاع، حيث حمّل أرمينيا إساءة استخدام الحلف ومنصاته كأدوات لحملات تضليل وتشويه حقائق ضد تركيا، من خلال المذكّرة التي أرسلتها بعثة أرمينيا بتاريخ 28 أيلول/سيبتمبر، التي تضمّنت المزاعم الأرمينية حول دفع تركيا مقاتلين من سوريا إلى جانب الأذريين، لا بل ونوّه إلى التقارير التفصيلية الأخيرة بخصوص نقل أرمينيا لإرهابيي حزب العمال الكردستاني «PKK» ووحدات حماية الشعب «YPG»، وغيرهم من المقاتلين الأجانب من بعض دول الشرق الأوسط إلى منطقة ناغورني قره باغ داعياً الجميع إلى الشعور بالقلق جرّاء هذه التقارير.

ولقد أكّد على أنّ التمسك بسيادة أذربيجان وسلامتها الإقليمية في صراع الإقليم هو التزام قطعته الحكومة التركية على نفسها في مختلف مؤتمرات القمّة لحلف شمال الأطلسي.

الموقف الإيراني

الموقف الرسمي الإيراني يدعم أرمينيا لعدة اعتبارات، لا سيما بعد أن بدأت جنوب القوقاز تحظى باهتمام بعض الدول كتركيا وروسيا، بالإضافة إلى أنّ طهران لا تنظر إلى الأذريين على أنّهم شيعة كما هو الحال في لبنان وسوريا والعراق والبحرين. ويظهر أيضاً التناقض بجلاء بين تبنّي أذربيجان سياسة القومية الإثنيّة التركية وإيران الدينية الطائفية.

لقد غيّرت طهران موقفها الداعم لأرمينيا في الأسبوع الثاني من الصراع على عكس المتوقع، وقد يعود هذا التغيير إلى الضغوطات في أذربيجان وتهييج الأذريين في إيران الذي يصل تعدادهم إلى ما يقارب 16 مليون نسمة. وطالبت طهران على لسان «علي أكبر ولايتي» مستشار الشؤون الدولية للمرشد الإيراني إنهاء الاحتلال الأرميني للإقليم، وتحديداً سبعة مدن أذرية، وعودة ما يزيد عن مليون أذري نازح وحلّ القضية بشكل دائم وسلمي.

دور روسيا في الوساطة بين الطرفين بدلاً من الوقوف مع أرمينيا، كون ناغورني قره باغ ليست في الأراضي الأرمينية، بالإضافة إلى موقف إيران والتدخل العسكري التركي شكّل أداة ضغط على أرمينيا لإنهاء الصراع المستمر منذ 3 عقود، الذي أخفقت مينسك من حسمه.

Ahmad.Omari11@.yahoo.de

 

الجمعة، 23 أكتوبر 2020

أكملت قرّةُ عيني لين اليوم عامها الأول، كلّ عام وأنتم بخير

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  11:58 ص   بدون تعليقات



 

السبت، 19 سبتمبر 2020

الإتفاق الثلاثي وأثره على المشهد السياسي العربي

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  2:48 م   الإمارات، البحرين، إسرائيل، أمريكا بدون تعليقات

 


 

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

الحديث عن التطبيع البحريني مع دولة الإحتلال لم يبدء حقيقي وعلى أرض الواقع مساء الثلاثاء 15 سيتمبر/أيلول 2020م

وقت احتضن البيت الأبيض التوقيع على معاهدة السّلام بين دولة الإمارات العربية والبحرين مع إسرائيل ولا 11  سيتمبر/أيلول 2020م، من خلال تصريح الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» على تويتر لتوصّل الصديقين الرائعين إلى إتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، ويعتبره انفراج تاريخي آخر - حسب وصفه - إنما بدأ بإستضافة المنامة مؤتمر «السّلام من أجل الإزدهار» يوم الثلاثاء 25 يونيو/حزيران من العام الماضي ويعرف في الصحف الغربية بـ«Peace to Prosperity» الذي انعقد ضمن خطة للسّلام المزعوم في المنطقة بإدارة أمريكية، وتحديداً بجهود صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره «جاريد كوشنير».

مع أول أيام ورشة العمل تزامنت موجة غضب شعبي عارمة في بعض الدول العربية كالأردن ولبنان والمغرب وامتدت لتصل العاصمة الألمانية «برلين» رفضاً للمؤتمر.

افتتح الورشة في يومها الأول المستشار الأمريكي  كوشنير بكلمة استمرت عشرين دقيقة عن ضرورة تهيئة الأجواء الملائمة للإستثمار، مشيراً إلى رغبة كثير من رجال الأعمال الفلسطينيين بحضور المؤتمر، إلّا أنّ عدم مشاركتهم كان وراءه منع السلطة لهم، في نفس الوقت أرجأ كوشنير عدم إمكانية إبرام إي مشروع استثماري في الضفة الغربية وغزّة إلى كونهما معزولتان، بالإضافة إلى الخوف من الإرهاب في المنطقة، على حدّ تعبيره، مضيفاً أنّنا بالسّلام فقط نستطيع جلب المستثمرين إلى الضفة وقطاع غزّة لتشمل مصر والأردن ولبنان.

إذن، أصبحت دولة البحرين رابع دولة عربية مطبّعة مع إسرائيل بعد أن تزامنت هذه الخطوة تقريباً مع الإتفاق الإماراتي، ومن قبلهما مصر والأردن، حيث عزمت الدولتان في بيان مشترك صدر عن الولايات المتحدة والبحرين وإسرائيل يوم الجمعة، وهو ذات اليوم الذي صرّح به ترمب عن «إتفاقية السّلام»، التي أبرمت هذا المساء في واشنطن البيت الأبيض برعاية عرّاب السّلام ترامب وصهره كوشنير ومعهما رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان ووزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني، وكبار المسؤولين في الحكومة الأميركية ووفود دولة الإمارات والبحرين وإسرائيل.

وتزامن توقيع السّلام المزعوم بتجمعات أمام البيت الأبيض إحتجاجاً على توقيع اتفاقيتيّ التطبيع ملوّحين بالعلم الفلسطيني وهتفات «لا للتطبيع... التطبيع خداع».

سبق وأعلن ترمب يوم الخميس 10 سيتمبر/أيلول عن سلام محتمل في الشرق الأوسط لأنّ دول أخرى ستحذوا حذو الإمارات، وهي تنتظر الإنضمام للسّلام، حيث كشف الآخر عن محادثات ومباحثات مع العاهل السعودي الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، مؤكّدا إنضمامهما إلى السّلام، بالإضافة إلى سلطنة عُمان والمغرب والسودان.

وأكّد نتنياهو أيضاً خلال الأيام الماضية إبّان مؤتمر صحفي بثّته قناة «كان» العبرية أنّ دولاً عربية أخرى ستقيم عن قريب علاقات مع إسرائيل.

إذا صدقت إرهاصة ترمب ونتنياهو فستعترف جميع هذه الدول قريباً جداً بإسرائيل.  

 ومن الجانب الألماني فإنّ وزير خارجيتها «هايكو ماس» يعمل مع السعودية بجدّ لإتمام ما بدأه ترمب، حيث التقى وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود في الرياض 19 أغسطس/آب وأوضح ماس ضرورة العلاقات السعودية الإسرائيلية في المنطقة.

 

كامب ديفيد

لو وضعنا الإتفاقيات التي سبقت دولة الإمارات والبحرين تحت المجهر لنبحث عن المفارقات بينها لننصف بعضها أو نُعيبها، لوجدنا الأولى بتوقيعها معاهدة سلام - ولا تزال سارية حتى الآن - في منتجع «كامب ديفيد» قبل أربعين عام في17 سبتمبر/أيلول 1978م، في الولايات المتحدة الأميركية، بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق «مناحيم بيغن» برعاية الرئيس الأميركي الأسبق «جيمي كارتر» تستعيد شبه جزيرة سيناء في 1982 وتفكّك المستوطنات الإسرائيلية المقامة عليها وتنهي 30 عاماً من الحرب، والتي بدأت بين مصر والدول العربية منذ تأسيس دولة الإحتلال في عام 1948م، هذا على الرغم من تقدّم القوات المصرية والسورية في تشرين الأول/أكتوبر 1973م في البداية على الأرض، إلّا أنّ القوات الإسرائيلية تمكّنت من حسم المعركة، فتجد الكثير يعتقد أنّ مصر لم تكن مجبرة آنذاك على توقيع إتفاقية سلام مع العدو.

 

مؤتمر مدريد

وهو المؤتمر الأول الذي التقى فيه ممثلون فلسطينيون وإسرائيليون وجها لوجه، بمبادرة من الرئيس الأمريكي الأسبق «جورج بوش» الأب والاتحاد السوفييتي السابق في العاصمة الإسبانية مدريد في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1991م للعمل على أساس مبدأ «الأرض مقابل السّلام» وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 المتمثّل في انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتُلت عام 1967م، وقرار رقم 338 الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار على كافة جبهات حرب أكتوبر، غير أنّ المؤتمر تعثّرت محادثاته ولم يفضِ إلّا ببدء المفاوضات الثنائية بين إسرائيل والدول العربية المشاركة فيه، وعلّ إتفاق أوسلو هو أهم ما تمخّض عن مؤتمر مدريد.

 

إتفاق أوسلو

أقدمت منظمة التحرير الفلسطينية على توقيع «إتفاق أوسلو» في سبتمبر/أيلول 1993م، والذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق «إسحق رابين» ورئيس اللجنة التنفيذية بالمنظمة الراحل ياسر عرفات برعاية النرويج وتوقيع كّل من الولايات المتحدة وروسيا من أجل تأسيس حكم ذاتي فلسطيني.

 

معاهدة وادي عربة

ربّما كانت المعاهدة الأردنيّة الإسرائيليّة الموقّعة في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994م بين رئيس الوزراء الأردني الراحل عبد السّلام المجالي ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين ضرورة لتحقيق تسوية شاملة ودائمة لمشكلة مياه نهريّ الأردن واليرموك والمياه الجوفية لوادي عربة، وحريّة الملاحة والوصول إلى الموانئ بين الطرفين، بالإضافة إلى استعادة الباقورة في محافظة إربد والغمر من أراضي وادي عربة من خلال إبرام عقد كراء استمر 25 عاماً، بدل الإحتلال والذي انتهى العمل به يوم الأحد 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019م، هذا بالإضافة إلى البند الذي يلزم إسرائيل بإحترام دور الأردن في الأماكن الإسلامية المقدّسة في القدس والعمل على توطين اللاجئين والنازحين الفلسطينيين.

وأُعتبرت الإتفاقية الأردنيّة الإسرائيليّة واحدة من مخرجات إتفاق أوسلو.

 


لو تمعّنا الإتفاقيات المصرية والفلسطينيّة والأردنيّة لوجدنا أنّ الحاجة - مع كثير التحفّظ - هي التي دفعت هذه الدول لإبرام معاهدات سلام مع الإحتلال، فجميعها ترتبط مع إسرائيل بحدود بريّة وبحريّة ومقرونة بإسترداد أرض محتلّة، بالمقابل مرتبطة أيضاً بإضعاف الموقف الفلسطيني في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي.

فما هي إذن الذرائع التي دعت الإمارات العربية والبحرين لتوقيع إتفاقيات إذلال ويسمّى حيناً سلام مع الإحتلال؟ وهل اتخذت الإمارات والبحرين وحدهما قرار التطبيع مع إسرائيل دون الرجوع إلى السعودية وموافقتها؟ سؤال ستجيبه نتائج المساعي الأمريكية والألمانية مع السعودية الأيام القادمة.

وجزئية أخرى لا بدّ من ذكرها في هذه المعادلة، وهي موقف جامعة الدول العربية يوم الأربعاء 9 سيتمبر/أيلول الذي أسقط إدانة الإتفاق التطبيعي بين الإمارات وإسرائيل من برنامجه، بل أضاف بنود تضفي الشرعية على اتفاق أبو ظبي وتل أبيب، ناهيك عن الإطراء الإمراتي الشعبي والحكومي المتبادل المبتذل والمهين في آن بين الدولتين، بينما المعاهدة المصرية نجم عنها ولغاية اليوم غضب مصري وعربي، ووصفت بتقويض الوحدة العربية والقضية الفلسطينيّة، بالإضافة إلى تعليق عضويّة مصر في الجامعة العربية، والتي نُقل مقرّها جرّاء المعاهدة من القاهرة إلى تونس، هذا واستدعت معظم الدول العربية سفراءها من القاهرة، مقرونة بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، عدا الإنتقادات اللاذعة التي واجهها السادات، والتي انتهت بعد ثلاث أعوام بإغتياله.

كذلك حراك الشارع الأردني المتواصل، الذي يواجه أي قرار حكومي من شأنه إقامة علاقات مع الإحتلال، ويقف أمام السياسات الإسرائيلية بشكل دائم ومستمر، يعيد توازن المعادلة من جديد. كما ويرى الفلسطينيون بالحراك الشعبي الأردني واسع النطاق ضد العلاقات مع الإحتلال عنصر قوة داعم للفلسطيني في صراعه ضد الإسرائيلي، ودعمهم للتحرّر وإقامة دولة ذات سيادة مستقلّة.

نهاية وقبل أن نسيئ الظنّ بدولة الإمارات والبحرين، التي بدا من ظاهر اتفاقيتهما مع الإحتلال تطبيع وإذلال، فهل من وراء هذا الإبرام الضغط على إسرائيل لإقامة دولة فلسطينيّة؟ أمّ أنّ هاتين الدولتين ظنّتا التنفّذ في المنطقة فقط من خلال الإحتلال؟

والمخجل والمعيب في الأمر أنّ ترامب أثناء المهانة، أو كما أُطلق عليه إعلامياً «حفل توقيع السّلام» صرّح بقطع التمويل عن الفلسطينيين، ليرد بن زايد على نتنياهو بالشكر لوقف الضّمّ المؤقت للأراضي الفلسطينية.

إنهم بهذه المعاهدات يتبرؤن من رابط العروبة والدين من الفلسطيني والأرض، وإن كان الأمر هكذا وكما يبدو، فكيف لمثل هذه الهياكل من حُكم بلاد برمّتها، وتسليم أمّة رغم إرادتها إلى غاصب مُحتلّ؟

Ahmad.omari11@yahoo.de

 

الأحد، 30 أغسطس 2020

للشارع إذن أن يشكّك في إزدواجية المعايير الحكومية التي تسمح بوقفة وتمنع أخرى، واستخدام قوانين الطوارئ لتقييد الحقوق المدنية.

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  2:31 م   بدون تعليقات

 





كسر الأردني بالمعلّم

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

بدأت أُولى الوقفات الإحتجاجية للمعلمين العام الماضي 2019م الخميس 5 سبتمبر/أيلول وسط العاصمة الأردنية عمّان لِتَجمَع محافظات المملكة عامّة لمعلمي المدارس الحكومية الذي وصل عددهم إلى أكثر من 80 ألف معلم، مطالبين بما تبقى من الزيادة البالغة 50 بالمائة من مجمل 150 بالمائة على الرواتب الأساسية، التي أقرّها رئيس الحكومة عبد السلام المجالي عام 1994م ووزير التربية والتعليم آنذاك عبد الرؤوف الروابدة، حيث نفّذت بالتدريج منذّ ذلك العهد.   

لم تكن الوقفات سلمية كما كان متوقع لها، فقبل تجمّع أكثر من ثلاث آلاف معلم في دوار الداخلية، حاولت الأجهزة الأمنية منع الوفود القادمة من مختلف المحافظات وسط إجراءات أمنية مكثّفة من الوصول للدوار الرابع أمام مبنى رئاسة الوزراء، والبعض بقى في الطرق المؤدية إليه، ممّا أدّى إلى اشتباكات واستخدام قوات الدرك غاز مسيل للدموع لتفرقة الجموع، هذا مع رفض وزارة التربية والتعليم والحكومة في بداية الأمر الإستجابة لمطالب المعلّمين ممّا دعا النقابة لتنظيم إضراب شمل جميع مدارس المملكة الحكومية على الإطلاق، والذي كان أحد أهم مخرجاته آنذاك مواصلة الإضراب لإشعار آخر.

يعتبر هذا الإضراب الأطول في تاريخ الأردن، حيث استمر لمدة 30 يوماً، مع امتناع مليون ونصف طالب من مواصلة الحصص المدرسية، ممّا أدّى لشلّ المنظومة التعليمية برمّتها، ولم ينته إلّا بتوقيع اتفاقية في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2019م بين الحكومة

ونقابة المعلّمين التي يتجاوز أعضاؤها الـ 100 ألف، وتعدّ الأبرز بين النقابات والأقوى، ممثّلة بنائب نقيب المعلّمين الدكتور ناصر النواصرة ووزير التربية والتعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي الدكتور وليد المعاني، تلخّصت أهم مخرجاتها بإنهاء الإضراب، ومن جهتها تلغي الحكومة كافة العقوبات والشكاوى والقضايا التي أتّخذت بحق المعلّمين بسبب الاضراب، وتعديل نظام صندوق ضمان التربية ومشاركة النقابة إدارته، وإيجاد آلية لمنح قروض مدعومة لمشاريع إسكانية، هذا مع العلاوات المالية، بالإضافة إلى تحسين التأمين الصحي لحين استكمال الحكومة دراسته، بحيث يشمل المستشفيات العسكرية، وتخفيض نصاب حصص المعلّم ضمن آلية منصفة.

لم يمضِ عام على إضراب المعلّمين حتى بدأت النقابة الشهر الماضي بالتصريح عن وقفة إحتجاجية جديدة، تطالب ما أخفقت الحكومة بتنفيذه من الإتفاقية المبرمة بينهم، حيث لم توفِ الأخرى ببنود الإتفاقية، عدا العلاوة.

 لم ينتظر أصحاب القرار في الأردن هذه المرة كثيراً وضربوا بيد من حديد، حيث أقرّت الحكومة بوقف النقابة وإغلاق مقرّاتها لمدة عامين بذريعة تنفّذ المعارضة داخل النقابة، وتهم فساد وممارسة أنشطة غير شرعية، حيث بدأت الأجهزة الأمنية بمداهمة منازل الناشطين واعتقال الأعضاء البارزين والمتعاطفين لتتجاوز قرارات العرف الدولي وتتحوّل إلى نظام بوليسي قمعي جرّاء

تشكيل لجنة حكومية لقيادة النقابة، حتى أنّ الإعلام الغربي شجب الانتهاكات الحقوقية التي تزامنت وتشابهت مع روسيا البيضاء في قمع المظاهرات وحجم الاعتقالات، حيث صرّح نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة «هيومن رايتس واتش» «مايكل بيج» أنّ إغلاق إحدى النقابات المستقلّة في الأردن، عقب نزاع مطوّل مع الحكومة يثير مخاوف جدّيّة بشأن إحترام الحكومة لسيادة القانون، وأنّ الافتقار إلى الشفافية يعزّز الاستنتاج بأنّ السلطات تنتهك حقوق المواطنين.

كما ودعت منظمة التعليم الدولية «EI» العمال والنقابيين إلى الضغط على السلطات الأردنية للإفراج عن النقابيين ورفع الحظر غير القانوني عن النقابة.

 إذ لم تقتصر الحكومة على مداهمة مكاتب النقابة واعتقال القيادات، بل أصدرت أمراً بحظر نشر كلّ ما يتعلق بقضية النقابة والمعلّمين، فتجدّ الصحف الرسمية والقنوات التلفزيونية تتحدّث عن قضايا الوطن العربي والغربي، بينما المواقع الإخبارية الحرّة - وهي قليلة جداً - ومواقعَ التواصلِ الاجتماعي تعُجّ بالصور والفيديوهات لإحتجاجات المعلّمين والمتضامنين، رغم قرار تعليق نشاط النقابة.

اللافت للإنتباه تذرّع الحكومة بمنع إحتجاجات المعلّمين لأسباب وقائية، منعاً لإنتشار فيروس كورونا، بالمقابل مكّنت وقفات أخرى قبل تظاهرات المعلّمين بأيام قليلة، إذ أتاحت وقفات ضد العنف على المرأة وحقوقها تجاوزت نحو 500 شخص، ولم تُقابَل بالعنف الذي وُجِه به المعلّمين، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة ولغاية الآن اشتباكات الشرطة في عدّة محافظات مع المعلّمين والمتضامنين المحتجين على إغلاق النقابة، حيث تعرّض العديد منهم للضرب والإعتقال.

للشارع إذن أن يشكّك في إزدواجية المعايير الحكومية التي تسمح بوقفة وتمنع أخرى، واستخدام قوانين الطوارئ لتقييد الحقوق المدنية.


الضائقة المالية

تصرّح الحكومة بشكل دوري ودائم بالضائقة المالية - وهذا ليس بالجديد - التي تعانيها الدولة، وتلوّح بتخفّيض الأجور للقطاع العام، تماشياً مع الوضع الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا، بينما وصل الدعم فقط من ألمانيا للأردن بين عام 2012م حتى عام 2017م 1.9 مليار يورو، وفي عام 2018م قدّمت الحكومة الألمانية 513 مليون يورو، وهي الداعم الثاني الأكبر بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى ناتج العاملين الأردنيين في الخارج فقط في عام 2019م حوالي 3 مليار دينار. وأخيراً يوم الخميس 14 أغسطس/آب أقرّت دول الإتحاد الأوروبي صرف 700 مليون يورو.

نحن نتحدّث هنا عن مبالغ هائلة تدخل الأردن، ونادراً جداً ما تعلن الدولة عن مثل هذه المساعدات، فهل تعيش الحكومة الأردنية ضائقة مالية فعلاً؟

علّ الأردن يعاني ضائقة إقتصادية حقيقية، فهل هذه ذريعة لتراجع نظام بدأ يكسب ثقة الشارع بعد النجاح الحكومي إحتواء الجائحة؟ ليعاود توطيد القناعات عند المواطن بأنّ النظام السائد هو قمعي بوليسي؟

وهل الضائقة - إن صحّت - ذريعة لإغلاق نقابة المعلّمين ومعها مصادرة حريّة الأردني؟

ولماذا لا تُعالج الضائقة من خلال برامج تتناسب مع ميزانية الدولة ومديونيتها، وهذا يتمحّور في تخفيض رواتب الوزراء والنواب والأعيان ومدراء المؤسسات الكبرى بما يلائم الضائقة الإقتصادية؟

أم علّ توقيت إضراب المعلّمين أتى بوقت خاطئ جرّاء أزمة كورونا التي عصفت العالم وعطّلت المنظومة التعليمية ليكملها إضراب أطاح بالعام الدراسي الماضي، وقد يكون أيضاً هذه المرة لإشعار آخر؟

الحقيقة هي بأنّ الرفض والقمعية التي تعاملت بها الحكومة تجاه المعلّمين والمواطن في آن، لا تتناسب أبداً مع دولة تزعم الحقوقية، كما أنّ قرار إغلاق النقابة مرفوض وهو إنتهاك صريح لحقوق المواطن، فلا يجوز تذرّع الدولة بقليل مقدّراتها على حساب حريّة الإنسان، كما ولا يجوز إتهام المضربين الإضرار بالدولة، فهذا حقّ، وهي الوسيلة الوحيدة للضغط من أجل تحصيل الحقوق. الإضرار هو في التصعيد والمغالبة والتعنّت بين الطرفين واستخدام القوّة ضد المواطن الأعزل.

كان بالإمكان أن تسير الأمور بسلمية أكثر لو لم تُغلق الحكومة النقابة ولو أنّ النقابة اختارت توقيت أفضل تجاوز أزمة الجائحة الحالية.

العمل على خطوة تعيد الأمور إلى نصابها هي الأكثر أهمية في هذه المعادلة، وتتطلّب شرطاً أساسياً وضرورياً، ألا وهو ترك التسلّط على المواطن الأعزل والعمل على إثراء النشاط النقابي ليتمرّس، فلا يترك حقّه ولا يساهم في هدم بناء الدولة، ولن نخرج من هذه الدائرة المغلقة بين مسوّق ومروّج لقرارات الحكومة العنجهية وبين لوم دائم وممنّهج، والعمل على اختيار النائب السياسي السّويّ ليكون أهلاً للوقوف أمام الحكومة ليحاسبها، وليس بالضرورة إبن العشيرة العسكري والأكاديمي، مع احترامي لبعضهم، ونُسخ ما مثّلتنا يوماً، بل ساعدوا تنفّذ عُلّيّة القوم أكثر من ضعفهم سياسياً على حساب المهمّشين الأردنيين.

أستحضر بهذا السياق حديث رسول الله عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: «قلت يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلّا من أخذها بحقّها، وأدى الذي عليه فيها».

لم يولّ الرسول أبا ذر، بينما ولّى معاويه إبن سفيان رضي الله عنهم، وأبو ذر هو من هو عند الله والرسول، ولنا بهذا الحديث أسوّة حسنة.

وما ختمت مقالتي بنوائب البرلمان إلّا من ضعفهم سياسياً، الذي أوصل المعلّم ومعه الأردني لهذا الموصل.

ونهاية أطالب من هنا، كأيّ أردني حرّ بإستئناف عمل النقابة الرسمي من جديد، كما والسماح لأعضاء مجلس نقابة المعلّمين المفرج عنهم نهار 23 اغسطس/آب بممارسة عملهم النقابي بكامل الحريّة التي ضمنها لهم الدستور.

الخميس، 13 أغسطس 2020

فَخّ المساعدات الإنسانية في سوريا

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  2:19 م   بدون تعليقات

 



فَخّ المساعدات الإنسانية في سوريا


دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

على الرّغم من ممارسة النظام السوري ومن ورائه روسيا جرائمه من قتل وما هو أكثر وتهجير أبناء شعبه، يحاول أيضاً بالاعتماد على حليفه الروسي استخدام حق النقض لمنع المساعدات الأمميّة إلى الشمال السوري، وتغيير وجهتها لدعم الأسد وآلته العسكرية وتثبيته وحصر المعابر بواحد. إنّه الفخّ الذي أوقعت موسكو المجتمع الدولي به، فالذريعة الروسية هي ترك النظام الشرعي والتعامل مع مجموعات إرهابية في إدلب من خلال باب الهوى، حتى يتمخّض جرّاء ذلك الإيقاف الكلّي.

إنّه بالإمكان مساعدة المدنيين الأبرياء في ذات الآن، فتدفّق المساعدات الأوروبية الإنسانية بسخاء لتجنّب موجة لاجئين جدد، كالتي حصلت في عام 2015م قد يساهم بتخفيف معانة كثير السوريين الذي يطعن جلّه العوز والجوع. 

لم يشترط مجلس الأمن الدولي في أي دولة في العالم فرض تفاصيل المساعدة الإنسانية، فلماذا يشترط هذه المرّة آلية إيصالها للمدنيين السوريين عبر حدود الدول المجاورة؟

المفروض أنّ سوريا هي الأكثر سهولة من دول أخرى تعاني صراعات داخلية شبيهة، من حيث إمكانية إيصال المساعدات الأنسانية، فهي تملك الموانئ والمطارات وطرق بريّة سهلة مع دول الجوار.

الإجراءات التي أقبل مجلس الأمن على إتخاذها هذه المرّة لتقديم المساعدات تعتبر سابقة في تاريخه، فعلى مدار عقود كانت مساعدات هائلة تصل إلى الصومال وجنوب السودان عبر كينيا، بالإضافة إلى جمهورية الكونغو، التي كانت تتلقّى مساعدتها عبر الحدود الشرقية. لم يضطر المجلس آنذاك إلى تقديم النصح أو إعطاء الضوء الأخضر أو الأحمر بشأن استخدام المعابر الحدودية، ولم تكن هناك عقبات في دول الصراع الأخرى. فما هي الغاية إذن من استخدام روسيا والصين «الفيتو» حق النقض، للإقتراح الذي تقدّمت به ألمانيا وبلجيكا لفتح معبر باب السلامة وباب الهوى في الشمال الغربي حتى 10 يناير/ 2021م؟ حيث أنّ باب السلامة يتيح إيصال المساعدات من غذاء ودواء إلى حلب والآخر يغذي إدلب.

وبحسب الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريس» الذي طالب بتعزيز المعبرين الحدوديين من أجل تخفيف الضائقة التي يعيشها الناس في تلك المناطق، ففي حال فشل المجلس من تمرير شحنات المساعدة التي لا تستطيع الأمم المتحدة الوصول إليها إلا من خلال المعبرين الحدوديين، فسيُحرم الملايين من أهم ضروريات الحياة.

انتقد وزير التنمية الألماني «غيرد مولر» بشدّة حق النقض الذي ينهي المساعدات السورية، وطالب بفرض عقوبات على الدول التي تخّلق وضع مأساوي في المنطقة، كما وناشد المجتمع الدولي للتحرّك ضد بكين وموسكو.

عندما تفشل الآلية الإنسانية بسبب سياسة الأسد ومن ورائه روسيا، اللذان استخدما المساعدات الإنسانية كوسيلة ضغط وتمكين قوة، ومنحها لأولئك الذين يخضعون للنظام السوري المجرم، فسيؤول السوري إلى ضحيّة نظامه وحليفه.

لقد أجبرت حكومة موسكو مساء السبت 11 يوليو/تموز مجلس الأمن الدولي على استخدام معبر باب الهوى بعد أربع محاولات فاشلة، وصوّت المجلس على تبني مشروع جدّد بموجبه عمل آلية المساعدة الإنسانية عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية لمدة عام واحد.


الفيتو إنتهاك للقانون الدولي

إنّ فكرة إمكانية استخدام الفيتو لوقف عمليات المساعدة الجارية في أي مكان في العالم، تقلب الهدف والمعنى الحقيقي لمنظومة الأمم المتحدة رأسا على عقب، وتتعارض تماماً مع القانون الدولي.

فالقانون الدولي المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف يحظر الهجمات على المدنيين العزّل، ويطالب بحمايتهم، كما ويلزم أطراف النزاع بتزويد السكان المدنيين بالسلع الأساسية للإستمرارية في العيش، ويلزم بروتوكول إضافي بشأن حماية ضحايا النزاعات المسلّحة غير الدولية الأطراف المتحاربة بالسماح بتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين دون أي تمييز قد يؤدي إلى ضرر.

ومع ذلك فإنّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقول أنّ ليس هناك إلزام يضمن وصول المساعدات إلى أصحابها، بينما يجب على الأطراف المتنازعة منح الموافقات لتسهيل عملية المساعدات، والتي لا يجوز رفضها بشكل تعسفي.

ولقد تدخّل مجلس الأمن تحديداً بسبب مثل هذه الأجراءات التعسفية، والتي حصلت في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2013م، في سوريا، عندما استخدم الجيش السوري الأسلحة الكيميائية المحظورة، والتي تسبّبت بقتل آلاف المدنيين. وعلى أثرها أصدر المجلس بياناً دعا فيه إلى إجراءات فوريّة وحاسمة لإتاحة وضمان تسليم المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا.

كما وطالب مجلس الأمن السلطات السورية في قرار الأمم المتحدة 2139، الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع في 22 فبراير/شباط 2014م بمنح وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة إيصال المساعدات عبر خطوط النزاع والحدود.

وفي 14 يوليو/تموز 2014م، للمرة الأولى أخذ المجلس دور الدولة بقرار 2165، وبالإجماع بأنّ رفض الحكومة السورية المستمر والتعسفي وغير المبرّر لمنح موافقتها على عمليات المساعدة، هو انتهاك للقانون الدولي، وبناءً على ذلك سُمح لمؤسّسات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة دخول أربعة معابر حدودية دون إخطار الحكومة السورية بذلك، والتي أغلقت روسيا مع بداية العام الحالي بحق النقض اثنين منها، الرمثا مع الأردن واليعربية مع العراق.

في تلك الفترة ومع قرار المجلس كان نظام الأسد يسيطر على ثلث الأراضي السورية وستة معابر حدودية، بينما اليوم يسيطر على قرابة ثُلثي البلاد وتسعة معابر حدودية رسمية من أصل 19.

غير أنّ عنجهية روسيا ونظام التضييق الذي تمارسه مع النظام أغلق في يناير/ كانون الثاني من هذا العام المعبر الحدودي باتجاه الشمال الشرقي، وهو الذي يعتمد عليه قرابة مليوني سوري، ومعبر إدلب الحدودي في الجنوب، والآن أُغلق آخر في الشمال الغربي.

في حين أنّ الحكومات المستبدّة الأخرى التي تشن حروباً قمعية ضد شعبها لا ترفض المؤسّسات الإغاثية. يرفض النظام السوري تقديم أي نوع مساعدة إذا كانت خارج سيطرته، فهو قائم على سياسة التجويع، بينما يُسمح لوكالات الإغاثة بالعمل كشركاء للمنظمات الموالية للنظام، كالصليب الأحمر السوري والمؤسّسة السورية للتنمية التابعة لزوجة الرئيس، وإلّا ما كانت أدنى ضرورة لقرارات مجلس الأمن الدولي على الإطلاق، ولمَا احتاجت منظمات الأمم المتحدة إلى تفويض من مجلس الأمن للمساعدة.

كما ويفرض النظام التصاريح لغاية المساعدات وتأشيرات لموظفي الأمم المتحدة، فمثلاً بين 194 طلب تأشيرة دخول لأبريل ومايو 2020م، قُبلت 87 منها فقط، وفي ذات الشهرين مثلاً تمت الموافقة على 26 طلب مساعدة من أصل 57، ونُفّذ 17 منها وفقًا لتقارير المراقبة الأممية.

ولقد دعت الأمم المتحدة إلى فتح المزيد من المعابر لسوء الوضع الآخذ بالتفاقم جرّاء إنهيار العملة السورية الذي ترتّب عليه معضلة إنسانية حقيقية، فبالكاد يستطيع المواطن شراء أقل ما يلزم من الغذاء، حتى أنّ 9.3 مليون سوري معرّضون لموجة مجاعة أكثر من أي وقت مضى.


الأهداف السورية الروسية لمنع إدخال المساعدات

المساعدات الإنسانية الأمميّة التي تدخل عبر الحدود التركية إلى منطقة جبهات المعارضة السورية محدودة نوعاً ما، وتخّضع لإجراءات معقدة لإمكانية تمريرها. في أبريل ومايو دخلت 47 شاحنة مساعدات عبر الحدود التابعة للأمم المتحدة، 20 منها عبر باب الهوى في الشمال الغربي و 27 عبر باب السلام، وهي مغلقة الآن أمام الأمم المتحدة.

وفي حال استخدمت وكالات الإغاثة معابر حدودية أخرى، فستكون مهدّدة من قبل النظام السوري، ممثّلة بالمنع كما هو الحال الآن، ممّا يجبر جميع وكالات الأمم المتحدة على الانتقال إلى دمشق، إن أرادت مواصلة العمل في سوريا.

وتعلّل روسيا ذلك بتحسّن الوضع في سوريا، وتبرّر عدم الإحتياج للمساعدات القادمة من الحدود التركية، لإبقاء النظام السوري الفاشل في مكانه. هذا رغم تصريح «مارك لوفكوك» وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بأنّ المواطن السوري الذي استطاع تحمّل الظروف الصعبة خلال السنوات التسع الماضية، وصل الآن إلى حد عدم قدرته على الإحتمال، بالإضافة لوصول كورونا إليهم، والمخاوف من تفشّي الفيروس بينهم كما يحدث الآن في اليمن، بسبب الضعف جراّء الاحتياح الغذائي والدوائي وتهالك المنظومة الصحية، وبهذا يجتمع عليهم الجوع والوباء.

فهل اللفتة التهديدية التي أقرّتها هيئة الأمم المتحدة عام 2014 هي الفخّ الذي أوقعت نفسها به الآن؟

وبين التعنّت الروسي والإنصياع السوري الذليل يبقى المواطن وحده هو الضحيّة، فبدلاً من تأمين الحكومة أقل الإحتياج، وهو رفع السوط عن الإنسان وتمكينه من لقمة العيش، يسعى النظام إلى فرض سيطرته حتى وصلت حد المساومة على المساعدة الإنسانية القادمة من الخارج.

تحدّثنا وفصّلنا عن دور الأمم المتحدة ودور الصين وروسيا ومشاركة ألمانيا وبلجيكا الإيجابية، لكنّنا لم نتحدّث عن دور جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي أو مجلس التعاون الخليجي أو دور الدول الفاعلة في المنطقة مثل السعودية ومصر.

فما موقع هؤلاء كلّهم في المنطقة من المعادلة السورية؟ والمنظومة العربية كلّها هي الأحرى لإتخاذ قرارات من شأنها تحسين الوضع في سوريا والمنطقة بشكل عام.

فما الخطب وراء الوجوم العربي الدائم حول قضايا المنطقة وتركها لتركيا وإيران وروسيا والصين أو أمريكا؟


Ahmad.omari11@yahoo.de

Back to top ↑

كلمات من العمري

في بداية خطابي أشكر زائريّ ممن بحث عني بأسمي أو دخل منزلي صدفة فراق له البقاء. وجزيل شكري لكل أصدقائي وأحبتي ممن يعملوا في الخفاء لنشر كلماتي دون تقديم أشخاصهم، إيمانهم بها أو بي وإن زل قلمي حيناً يقينهم إذعانَ قلبي وعقلي لها. لقد ترددت كثيرا قبل أن أفتح هذا الباب الذي عمل عليه صديقي الأستاذ أنس عمرو وصديقي الدكتور ضياء الزعبي - جزاه الله كل الخير- ولم يتركني حتى كَمُل على وجه رضيناه للأخوة القراء الكرام ... المزيد
كن على تواصل واتصال معنا

© 2018 أحمد سليمان العمري.
Design By: Hebron Portal - Anas Amro .