السبت، 19 سبتمبر 2020

الإتفاق الثلاثي وأثره على المشهد السياسي العربي

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  2:48 م   الإمارات، البحرين، إسرائيل، أمريكا بدون تعليقات

 


 

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

الحديث عن التطبيع البحريني مع دولة الإحتلال لم يبدء حقيقي وعلى أرض الواقع مساء الثلاثاء 15 سيتمبر/أيلول 2020م

وقت احتضن البيت الأبيض التوقيع على معاهدة السّلام بين دولة الإمارات العربية والبحرين مع إسرائيل ولا 11  سيتمبر/أيلول 2020م، من خلال تصريح الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» على تويتر لتوصّل الصديقين الرائعين إلى إتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، ويعتبره انفراج تاريخي آخر - حسب وصفه - إنما بدأ بإستضافة المنامة مؤتمر «السّلام من أجل الإزدهار» يوم الثلاثاء 25 يونيو/حزيران من العام الماضي ويعرف في الصحف الغربية بـ«Peace to Prosperity» الذي انعقد ضمن خطة للسّلام المزعوم في المنطقة بإدارة أمريكية، وتحديداً بجهود صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره «جاريد كوشنير».

مع أول أيام ورشة العمل تزامنت موجة غضب شعبي عارمة في بعض الدول العربية كالأردن ولبنان والمغرب وامتدت لتصل العاصمة الألمانية «برلين» رفضاً للمؤتمر.

افتتح الورشة في يومها الأول المستشار الأمريكي  كوشنير بكلمة استمرت عشرين دقيقة عن ضرورة تهيئة الأجواء الملائمة للإستثمار، مشيراً إلى رغبة كثير من رجال الأعمال الفلسطينيين بحضور المؤتمر، إلّا أنّ عدم مشاركتهم كان وراءه منع السلطة لهم، في نفس الوقت أرجأ كوشنير عدم إمكانية إبرام إي مشروع استثماري في الضفة الغربية وغزّة إلى كونهما معزولتان، بالإضافة إلى الخوف من الإرهاب في المنطقة، على حدّ تعبيره، مضيفاً أنّنا بالسّلام فقط نستطيع جلب المستثمرين إلى الضفة وقطاع غزّة لتشمل مصر والأردن ولبنان.

إذن، أصبحت دولة البحرين رابع دولة عربية مطبّعة مع إسرائيل بعد أن تزامنت هذه الخطوة تقريباً مع الإتفاق الإماراتي، ومن قبلهما مصر والأردن، حيث عزمت الدولتان في بيان مشترك صدر عن الولايات المتحدة والبحرين وإسرائيل يوم الجمعة، وهو ذات اليوم الذي صرّح به ترمب عن «إتفاقية السّلام»، التي أبرمت هذا المساء في واشنطن البيت الأبيض برعاية عرّاب السّلام ترامب وصهره كوشنير ومعهما رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان ووزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني، وكبار المسؤولين في الحكومة الأميركية ووفود دولة الإمارات والبحرين وإسرائيل.

وتزامن توقيع السّلام المزعوم بتجمعات أمام البيت الأبيض إحتجاجاً على توقيع اتفاقيتيّ التطبيع ملوّحين بالعلم الفلسطيني وهتفات «لا للتطبيع... التطبيع خداع».

سبق وأعلن ترمب يوم الخميس 10 سيتمبر/أيلول عن سلام محتمل في الشرق الأوسط لأنّ دول أخرى ستحذوا حذو الإمارات، وهي تنتظر الإنضمام للسّلام، حيث كشف الآخر عن محادثات ومباحثات مع العاهل السعودي الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، مؤكّدا إنضمامهما إلى السّلام، بالإضافة إلى سلطنة عُمان والمغرب والسودان.

وأكّد نتنياهو أيضاً خلال الأيام الماضية إبّان مؤتمر صحفي بثّته قناة «كان» العبرية أنّ دولاً عربية أخرى ستقيم عن قريب علاقات مع إسرائيل.

إذا صدقت إرهاصة ترمب ونتنياهو فستعترف جميع هذه الدول قريباً جداً بإسرائيل.  

 ومن الجانب الألماني فإنّ وزير خارجيتها «هايكو ماس» يعمل مع السعودية بجدّ لإتمام ما بدأه ترمب، حيث التقى وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود في الرياض 19 أغسطس/آب وأوضح ماس ضرورة العلاقات السعودية الإسرائيلية في المنطقة.

 

كامب ديفيد

لو وضعنا الإتفاقيات التي سبقت دولة الإمارات والبحرين تحت المجهر لنبحث عن المفارقات بينها لننصف بعضها أو نُعيبها، لوجدنا الأولى بتوقيعها معاهدة سلام - ولا تزال سارية حتى الآن - في منتجع «كامب ديفيد» قبل أربعين عام في17 سبتمبر/أيلول 1978م، في الولايات المتحدة الأميركية، بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق «مناحيم بيغن» برعاية الرئيس الأميركي الأسبق «جيمي كارتر» تستعيد شبه جزيرة سيناء في 1982 وتفكّك المستوطنات الإسرائيلية المقامة عليها وتنهي 30 عاماً من الحرب، والتي بدأت بين مصر والدول العربية منذ تأسيس دولة الإحتلال في عام 1948م، هذا على الرغم من تقدّم القوات المصرية والسورية في تشرين الأول/أكتوبر 1973م في البداية على الأرض، إلّا أنّ القوات الإسرائيلية تمكّنت من حسم المعركة، فتجد الكثير يعتقد أنّ مصر لم تكن مجبرة آنذاك على توقيع إتفاقية سلام مع العدو.

 

مؤتمر مدريد

وهو المؤتمر الأول الذي التقى فيه ممثلون فلسطينيون وإسرائيليون وجها لوجه، بمبادرة من الرئيس الأمريكي الأسبق «جورج بوش» الأب والاتحاد السوفييتي السابق في العاصمة الإسبانية مدريد في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1991م للعمل على أساس مبدأ «الأرض مقابل السّلام» وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 المتمثّل في انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتُلت عام 1967م، وقرار رقم 338 الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار على كافة جبهات حرب أكتوبر، غير أنّ المؤتمر تعثّرت محادثاته ولم يفضِ إلّا ببدء المفاوضات الثنائية بين إسرائيل والدول العربية المشاركة فيه، وعلّ إتفاق أوسلو هو أهم ما تمخّض عن مؤتمر مدريد.

 

إتفاق أوسلو

أقدمت منظمة التحرير الفلسطينية على توقيع «إتفاق أوسلو» في سبتمبر/أيلول 1993م، والذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق «إسحق رابين» ورئيس اللجنة التنفيذية بالمنظمة الراحل ياسر عرفات برعاية النرويج وتوقيع كّل من الولايات المتحدة وروسيا من أجل تأسيس حكم ذاتي فلسطيني.

 

معاهدة وادي عربة

ربّما كانت المعاهدة الأردنيّة الإسرائيليّة الموقّعة في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994م بين رئيس الوزراء الأردني الراحل عبد السّلام المجالي ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين ضرورة لتحقيق تسوية شاملة ودائمة لمشكلة مياه نهريّ الأردن واليرموك والمياه الجوفية لوادي عربة، وحريّة الملاحة والوصول إلى الموانئ بين الطرفين، بالإضافة إلى استعادة الباقورة في محافظة إربد والغمر من أراضي وادي عربة من خلال إبرام عقد كراء استمر 25 عاماً، بدل الإحتلال والذي انتهى العمل به يوم الأحد 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019م، هذا بالإضافة إلى البند الذي يلزم إسرائيل بإحترام دور الأردن في الأماكن الإسلامية المقدّسة في القدس والعمل على توطين اللاجئين والنازحين الفلسطينيين.

وأُعتبرت الإتفاقية الأردنيّة الإسرائيليّة واحدة من مخرجات إتفاق أوسلو.

 


لو تمعّنا الإتفاقيات المصرية والفلسطينيّة والأردنيّة لوجدنا أنّ الحاجة - مع كثير التحفّظ - هي التي دفعت هذه الدول لإبرام معاهدات سلام مع الإحتلال، فجميعها ترتبط مع إسرائيل بحدود بريّة وبحريّة ومقرونة بإسترداد أرض محتلّة، بالمقابل مرتبطة أيضاً بإضعاف الموقف الفلسطيني في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي.

فما هي إذن الذرائع التي دعت الإمارات العربية والبحرين لتوقيع إتفاقيات إذلال ويسمّى حيناً سلام مع الإحتلال؟ وهل اتخذت الإمارات والبحرين وحدهما قرار التطبيع مع إسرائيل دون الرجوع إلى السعودية وموافقتها؟ سؤال ستجيبه نتائج المساعي الأمريكية والألمانية مع السعودية الأيام القادمة.

وجزئية أخرى لا بدّ من ذكرها في هذه المعادلة، وهي موقف جامعة الدول العربية يوم الأربعاء 9 سيتمبر/أيلول الذي أسقط إدانة الإتفاق التطبيعي بين الإمارات وإسرائيل من برنامجه، بل أضاف بنود تضفي الشرعية على اتفاق أبو ظبي وتل أبيب، ناهيك عن الإطراء الإمراتي الشعبي والحكومي المتبادل المبتذل والمهين في آن بين الدولتين، بينما المعاهدة المصرية نجم عنها ولغاية اليوم غضب مصري وعربي، ووصفت بتقويض الوحدة العربية والقضية الفلسطينيّة، بالإضافة إلى تعليق عضويّة مصر في الجامعة العربية، والتي نُقل مقرّها جرّاء المعاهدة من القاهرة إلى تونس، هذا واستدعت معظم الدول العربية سفراءها من القاهرة، مقرونة بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، عدا الإنتقادات اللاذعة التي واجهها السادات، والتي انتهت بعد ثلاث أعوام بإغتياله.

كذلك حراك الشارع الأردني المتواصل، الذي يواجه أي قرار حكومي من شأنه إقامة علاقات مع الإحتلال، ويقف أمام السياسات الإسرائيلية بشكل دائم ومستمر، يعيد توازن المعادلة من جديد. كما ويرى الفلسطينيون بالحراك الشعبي الأردني واسع النطاق ضد العلاقات مع الإحتلال عنصر قوة داعم للفلسطيني في صراعه ضد الإسرائيلي، ودعمهم للتحرّر وإقامة دولة ذات سيادة مستقلّة.

نهاية وقبل أن نسيئ الظنّ بدولة الإمارات والبحرين، التي بدا من ظاهر اتفاقيتهما مع الإحتلال تطبيع وإذلال، فهل من وراء هذا الإبرام الضغط على إسرائيل لإقامة دولة فلسطينيّة؟ أمّ أنّ هاتين الدولتين ظنّتا التنفّذ في المنطقة فقط من خلال الإحتلال؟

والمخجل والمعيب في الأمر أنّ ترامب أثناء المهانة، أو كما أُطلق عليه إعلامياً «حفل توقيع السّلام» صرّح بقطع التمويل عن الفلسطينيين، ليرد بن زايد على نتنياهو بالشكر لوقف الضّمّ المؤقت للأراضي الفلسطينية.

إنهم بهذه المعاهدات يتبرؤن من رابط العروبة والدين من الفلسطيني والأرض، وإن كان الأمر هكذا وكما يبدو، فكيف لمثل هذه الهياكل من حُكم بلاد برمّتها، وتسليم أمّة رغم إرادتها إلى غاصب مُحتلّ؟

Ahmad.omari11@yahoo.de

 

الأحد، 30 أغسطس 2020

للشارع إذن أن يشكّك في إزدواجية المعايير الحكومية التي تسمح بوقفة وتمنع أخرى، واستخدام قوانين الطوارئ لتقييد الحقوق المدنية.

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  2:31 م   بدون تعليقات

 





كسر الأردني بالمعلّم

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

بدأت أُولى الوقفات الإحتجاجية للمعلمين العام الماضي 2019م الخميس 5 سبتمبر/أيلول وسط العاصمة الأردنية عمّان لِتَجمَع محافظات المملكة عامّة لمعلمي المدارس الحكومية الذي وصل عددهم إلى أكثر من 80 ألف معلم، مطالبين بما تبقى من الزيادة البالغة 50 بالمائة من مجمل 150 بالمائة على الرواتب الأساسية، التي أقرّها رئيس الحكومة عبد السلام المجالي عام 1994م ووزير التربية والتعليم آنذاك عبد الرؤوف الروابدة، حيث نفّذت بالتدريج منذّ ذلك العهد.   

لم تكن الوقفات سلمية كما كان متوقع لها، فقبل تجمّع أكثر من ثلاث آلاف معلم في دوار الداخلية، حاولت الأجهزة الأمنية منع الوفود القادمة من مختلف المحافظات وسط إجراءات أمنية مكثّفة من الوصول للدوار الرابع أمام مبنى رئاسة الوزراء، والبعض بقى في الطرق المؤدية إليه، ممّا أدّى إلى اشتباكات واستخدام قوات الدرك غاز مسيل للدموع لتفرقة الجموع، هذا مع رفض وزارة التربية والتعليم والحكومة في بداية الأمر الإستجابة لمطالب المعلّمين ممّا دعا النقابة لتنظيم إضراب شمل جميع مدارس المملكة الحكومية على الإطلاق، والذي كان أحد أهم مخرجاته آنذاك مواصلة الإضراب لإشعار آخر.

يعتبر هذا الإضراب الأطول في تاريخ الأردن، حيث استمر لمدة 30 يوماً، مع امتناع مليون ونصف طالب من مواصلة الحصص المدرسية، ممّا أدّى لشلّ المنظومة التعليمية برمّتها، ولم ينته إلّا بتوقيع اتفاقية في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2019م بين الحكومة

ونقابة المعلّمين التي يتجاوز أعضاؤها الـ 100 ألف، وتعدّ الأبرز بين النقابات والأقوى، ممثّلة بنائب نقيب المعلّمين الدكتور ناصر النواصرة ووزير التربية والتعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي الدكتور وليد المعاني، تلخّصت أهم مخرجاتها بإنهاء الإضراب، ومن جهتها تلغي الحكومة كافة العقوبات والشكاوى والقضايا التي أتّخذت بحق المعلّمين بسبب الاضراب، وتعديل نظام صندوق ضمان التربية ومشاركة النقابة إدارته، وإيجاد آلية لمنح قروض مدعومة لمشاريع إسكانية، هذا مع العلاوات المالية، بالإضافة إلى تحسين التأمين الصحي لحين استكمال الحكومة دراسته، بحيث يشمل المستشفيات العسكرية، وتخفيض نصاب حصص المعلّم ضمن آلية منصفة.

لم يمضِ عام على إضراب المعلّمين حتى بدأت النقابة الشهر الماضي بالتصريح عن وقفة إحتجاجية جديدة، تطالب ما أخفقت الحكومة بتنفيذه من الإتفاقية المبرمة بينهم، حيث لم توفِ الأخرى ببنود الإتفاقية، عدا العلاوة.

 لم ينتظر أصحاب القرار في الأردن هذه المرة كثيراً وضربوا بيد من حديد، حيث أقرّت الحكومة بوقف النقابة وإغلاق مقرّاتها لمدة عامين بذريعة تنفّذ المعارضة داخل النقابة، وتهم فساد وممارسة أنشطة غير شرعية، حيث بدأت الأجهزة الأمنية بمداهمة منازل الناشطين واعتقال الأعضاء البارزين والمتعاطفين لتتجاوز قرارات العرف الدولي وتتحوّل إلى نظام بوليسي قمعي جرّاء

تشكيل لجنة حكومية لقيادة النقابة، حتى أنّ الإعلام الغربي شجب الانتهاكات الحقوقية التي تزامنت وتشابهت مع روسيا البيضاء في قمع المظاهرات وحجم الاعتقالات، حيث صرّح نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة «هيومن رايتس واتش» «مايكل بيج» أنّ إغلاق إحدى النقابات المستقلّة في الأردن، عقب نزاع مطوّل مع الحكومة يثير مخاوف جدّيّة بشأن إحترام الحكومة لسيادة القانون، وأنّ الافتقار إلى الشفافية يعزّز الاستنتاج بأنّ السلطات تنتهك حقوق المواطنين.

كما ودعت منظمة التعليم الدولية «EI» العمال والنقابيين إلى الضغط على السلطات الأردنية للإفراج عن النقابيين ورفع الحظر غير القانوني عن النقابة.

 إذ لم تقتصر الحكومة على مداهمة مكاتب النقابة واعتقال القيادات، بل أصدرت أمراً بحظر نشر كلّ ما يتعلق بقضية النقابة والمعلّمين، فتجدّ الصحف الرسمية والقنوات التلفزيونية تتحدّث عن قضايا الوطن العربي والغربي، بينما المواقع الإخبارية الحرّة - وهي قليلة جداً - ومواقعَ التواصلِ الاجتماعي تعُجّ بالصور والفيديوهات لإحتجاجات المعلّمين والمتضامنين، رغم قرار تعليق نشاط النقابة.

اللافت للإنتباه تذرّع الحكومة بمنع إحتجاجات المعلّمين لأسباب وقائية، منعاً لإنتشار فيروس كورونا، بالمقابل مكّنت وقفات أخرى قبل تظاهرات المعلّمين بأيام قليلة، إذ أتاحت وقفات ضد العنف على المرأة وحقوقها تجاوزت نحو 500 شخص، ولم تُقابَل بالعنف الذي وُجِه به المعلّمين، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة ولغاية الآن اشتباكات الشرطة في عدّة محافظات مع المعلّمين والمتضامنين المحتجين على إغلاق النقابة، حيث تعرّض العديد منهم للضرب والإعتقال.

للشارع إذن أن يشكّك في إزدواجية المعايير الحكومية التي تسمح بوقفة وتمنع أخرى، واستخدام قوانين الطوارئ لتقييد الحقوق المدنية.


الضائقة المالية

تصرّح الحكومة بشكل دوري ودائم بالضائقة المالية - وهذا ليس بالجديد - التي تعانيها الدولة، وتلوّح بتخفّيض الأجور للقطاع العام، تماشياً مع الوضع الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا، بينما وصل الدعم فقط من ألمانيا للأردن بين عام 2012م حتى عام 2017م 1.9 مليار يورو، وفي عام 2018م قدّمت الحكومة الألمانية 513 مليون يورو، وهي الداعم الثاني الأكبر بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى ناتج العاملين الأردنيين في الخارج فقط في عام 2019م حوالي 3 مليار دينار. وأخيراً يوم الخميس 14 أغسطس/آب أقرّت دول الإتحاد الأوروبي صرف 700 مليون يورو.

نحن نتحدّث هنا عن مبالغ هائلة تدخل الأردن، ونادراً جداً ما تعلن الدولة عن مثل هذه المساعدات، فهل تعيش الحكومة الأردنية ضائقة مالية فعلاً؟

علّ الأردن يعاني ضائقة إقتصادية حقيقية، فهل هذه ذريعة لتراجع نظام بدأ يكسب ثقة الشارع بعد النجاح الحكومي إحتواء الجائحة؟ ليعاود توطيد القناعات عند المواطن بأنّ النظام السائد هو قمعي بوليسي؟

وهل الضائقة - إن صحّت - ذريعة لإغلاق نقابة المعلّمين ومعها مصادرة حريّة الأردني؟

ولماذا لا تُعالج الضائقة من خلال برامج تتناسب مع ميزانية الدولة ومديونيتها، وهذا يتمحّور في تخفيض رواتب الوزراء والنواب والأعيان ومدراء المؤسسات الكبرى بما يلائم الضائقة الإقتصادية؟

أم علّ توقيت إضراب المعلّمين أتى بوقت خاطئ جرّاء أزمة كورونا التي عصفت العالم وعطّلت المنظومة التعليمية ليكملها إضراب أطاح بالعام الدراسي الماضي، وقد يكون أيضاً هذه المرة لإشعار آخر؟

الحقيقة هي بأنّ الرفض والقمعية التي تعاملت بها الحكومة تجاه المعلّمين والمواطن في آن، لا تتناسب أبداً مع دولة تزعم الحقوقية، كما أنّ قرار إغلاق النقابة مرفوض وهو إنتهاك صريح لحقوق المواطن، فلا يجوز تذرّع الدولة بقليل مقدّراتها على حساب حريّة الإنسان، كما ولا يجوز إتهام المضربين الإضرار بالدولة، فهذا حقّ، وهي الوسيلة الوحيدة للضغط من أجل تحصيل الحقوق. الإضرار هو في التصعيد والمغالبة والتعنّت بين الطرفين واستخدام القوّة ضد المواطن الأعزل.

كان بالإمكان أن تسير الأمور بسلمية أكثر لو لم تُغلق الحكومة النقابة ولو أنّ النقابة اختارت توقيت أفضل تجاوز أزمة الجائحة الحالية.

العمل على خطوة تعيد الأمور إلى نصابها هي الأكثر أهمية في هذه المعادلة، وتتطلّب شرطاً أساسياً وضرورياً، ألا وهو ترك التسلّط على المواطن الأعزل والعمل على إثراء النشاط النقابي ليتمرّس، فلا يترك حقّه ولا يساهم في هدم بناء الدولة، ولن نخرج من هذه الدائرة المغلقة بين مسوّق ومروّج لقرارات الحكومة العنجهية وبين لوم دائم وممنّهج، والعمل على اختيار النائب السياسي السّويّ ليكون أهلاً للوقوف أمام الحكومة ليحاسبها، وليس بالضرورة إبن العشيرة العسكري والأكاديمي، مع احترامي لبعضهم، ونُسخ ما مثّلتنا يوماً، بل ساعدوا تنفّذ عُلّيّة القوم أكثر من ضعفهم سياسياً على حساب المهمّشين الأردنيين.

أستحضر بهذا السياق حديث رسول الله عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: «قلت يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلّا من أخذها بحقّها، وأدى الذي عليه فيها».

لم يولّ الرسول أبا ذر، بينما ولّى معاويه إبن سفيان رضي الله عنهم، وأبو ذر هو من هو عند الله والرسول، ولنا بهذا الحديث أسوّة حسنة.

وما ختمت مقالتي بنوائب البرلمان إلّا من ضعفهم سياسياً، الذي أوصل المعلّم ومعه الأردني لهذا الموصل.

ونهاية أطالب من هنا، كأيّ أردني حرّ بإستئناف عمل النقابة الرسمي من جديد، كما والسماح لأعضاء مجلس نقابة المعلّمين المفرج عنهم نهار 23 اغسطس/آب بممارسة عملهم النقابي بكامل الحريّة التي ضمنها لهم الدستور.

الخميس، 13 أغسطس 2020

فَخّ المساعدات الإنسانية في سوريا

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  2:19 م   بدون تعليقات

 



فَخّ المساعدات الإنسانية في سوريا


دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

على الرّغم من ممارسة النظام السوري ومن ورائه روسيا جرائمه من قتل وما هو أكثر وتهجير أبناء شعبه، يحاول أيضاً بالاعتماد على حليفه الروسي استخدام حق النقض لمنع المساعدات الأمميّة إلى الشمال السوري، وتغيير وجهتها لدعم الأسد وآلته العسكرية وتثبيته وحصر المعابر بواحد. إنّه الفخّ الذي أوقعت موسكو المجتمع الدولي به، فالذريعة الروسية هي ترك النظام الشرعي والتعامل مع مجموعات إرهابية في إدلب من خلال باب الهوى، حتى يتمخّض جرّاء ذلك الإيقاف الكلّي.

إنّه بالإمكان مساعدة المدنيين الأبرياء في ذات الآن، فتدفّق المساعدات الأوروبية الإنسانية بسخاء لتجنّب موجة لاجئين جدد، كالتي حصلت في عام 2015م قد يساهم بتخفيف معانة كثير السوريين الذي يطعن جلّه العوز والجوع. 

لم يشترط مجلس الأمن الدولي في أي دولة في العالم فرض تفاصيل المساعدة الإنسانية، فلماذا يشترط هذه المرّة آلية إيصالها للمدنيين السوريين عبر حدود الدول المجاورة؟

المفروض أنّ سوريا هي الأكثر سهولة من دول أخرى تعاني صراعات داخلية شبيهة، من حيث إمكانية إيصال المساعدات الأنسانية، فهي تملك الموانئ والمطارات وطرق بريّة سهلة مع دول الجوار.

الإجراءات التي أقبل مجلس الأمن على إتخاذها هذه المرّة لتقديم المساعدات تعتبر سابقة في تاريخه، فعلى مدار عقود كانت مساعدات هائلة تصل إلى الصومال وجنوب السودان عبر كينيا، بالإضافة إلى جمهورية الكونغو، التي كانت تتلقّى مساعدتها عبر الحدود الشرقية. لم يضطر المجلس آنذاك إلى تقديم النصح أو إعطاء الضوء الأخضر أو الأحمر بشأن استخدام المعابر الحدودية، ولم تكن هناك عقبات في دول الصراع الأخرى. فما هي الغاية إذن من استخدام روسيا والصين «الفيتو» حق النقض، للإقتراح الذي تقدّمت به ألمانيا وبلجيكا لفتح معبر باب السلامة وباب الهوى في الشمال الغربي حتى 10 يناير/ 2021م؟ حيث أنّ باب السلامة يتيح إيصال المساعدات من غذاء ودواء إلى حلب والآخر يغذي إدلب.

وبحسب الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريس» الذي طالب بتعزيز المعبرين الحدوديين من أجل تخفيف الضائقة التي يعيشها الناس في تلك المناطق، ففي حال فشل المجلس من تمرير شحنات المساعدة التي لا تستطيع الأمم المتحدة الوصول إليها إلا من خلال المعبرين الحدوديين، فسيُحرم الملايين من أهم ضروريات الحياة.

انتقد وزير التنمية الألماني «غيرد مولر» بشدّة حق النقض الذي ينهي المساعدات السورية، وطالب بفرض عقوبات على الدول التي تخّلق وضع مأساوي في المنطقة، كما وناشد المجتمع الدولي للتحرّك ضد بكين وموسكو.

عندما تفشل الآلية الإنسانية بسبب سياسة الأسد ومن ورائه روسيا، اللذان استخدما المساعدات الإنسانية كوسيلة ضغط وتمكين قوة، ومنحها لأولئك الذين يخضعون للنظام السوري المجرم، فسيؤول السوري إلى ضحيّة نظامه وحليفه.

لقد أجبرت حكومة موسكو مساء السبت 11 يوليو/تموز مجلس الأمن الدولي على استخدام معبر باب الهوى بعد أربع محاولات فاشلة، وصوّت المجلس على تبني مشروع جدّد بموجبه عمل آلية المساعدة الإنسانية عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية لمدة عام واحد.


الفيتو إنتهاك للقانون الدولي

إنّ فكرة إمكانية استخدام الفيتو لوقف عمليات المساعدة الجارية في أي مكان في العالم، تقلب الهدف والمعنى الحقيقي لمنظومة الأمم المتحدة رأسا على عقب، وتتعارض تماماً مع القانون الدولي.

فالقانون الدولي المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف يحظر الهجمات على المدنيين العزّل، ويطالب بحمايتهم، كما ويلزم أطراف النزاع بتزويد السكان المدنيين بالسلع الأساسية للإستمرارية في العيش، ويلزم بروتوكول إضافي بشأن حماية ضحايا النزاعات المسلّحة غير الدولية الأطراف المتحاربة بالسماح بتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين دون أي تمييز قد يؤدي إلى ضرر.

ومع ذلك فإنّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقول أنّ ليس هناك إلزام يضمن وصول المساعدات إلى أصحابها، بينما يجب على الأطراف المتنازعة منح الموافقات لتسهيل عملية المساعدات، والتي لا يجوز رفضها بشكل تعسفي.

ولقد تدخّل مجلس الأمن تحديداً بسبب مثل هذه الأجراءات التعسفية، والتي حصلت في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2013م، في سوريا، عندما استخدم الجيش السوري الأسلحة الكيميائية المحظورة، والتي تسبّبت بقتل آلاف المدنيين. وعلى أثرها أصدر المجلس بياناً دعا فيه إلى إجراءات فوريّة وحاسمة لإتاحة وضمان تسليم المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا.

كما وطالب مجلس الأمن السلطات السورية في قرار الأمم المتحدة 2139، الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع في 22 فبراير/شباط 2014م بمنح وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة إيصال المساعدات عبر خطوط النزاع والحدود.

وفي 14 يوليو/تموز 2014م، للمرة الأولى أخذ المجلس دور الدولة بقرار 2165، وبالإجماع بأنّ رفض الحكومة السورية المستمر والتعسفي وغير المبرّر لمنح موافقتها على عمليات المساعدة، هو انتهاك للقانون الدولي، وبناءً على ذلك سُمح لمؤسّسات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة دخول أربعة معابر حدودية دون إخطار الحكومة السورية بذلك، والتي أغلقت روسيا مع بداية العام الحالي بحق النقض اثنين منها، الرمثا مع الأردن واليعربية مع العراق.

في تلك الفترة ومع قرار المجلس كان نظام الأسد يسيطر على ثلث الأراضي السورية وستة معابر حدودية، بينما اليوم يسيطر على قرابة ثُلثي البلاد وتسعة معابر حدودية رسمية من أصل 19.

غير أنّ عنجهية روسيا ونظام التضييق الذي تمارسه مع النظام أغلق في يناير/ كانون الثاني من هذا العام المعبر الحدودي باتجاه الشمال الشرقي، وهو الذي يعتمد عليه قرابة مليوني سوري، ومعبر إدلب الحدودي في الجنوب، والآن أُغلق آخر في الشمال الغربي.

في حين أنّ الحكومات المستبدّة الأخرى التي تشن حروباً قمعية ضد شعبها لا ترفض المؤسّسات الإغاثية. يرفض النظام السوري تقديم أي نوع مساعدة إذا كانت خارج سيطرته، فهو قائم على سياسة التجويع، بينما يُسمح لوكالات الإغاثة بالعمل كشركاء للمنظمات الموالية للنظام، كالصليب الأحمر السوري والمؤسّسة السورية للتنمية التابعة لزوجة الرئيس، وإلّا ما كانت أدنى ضرورة لقرارات مجلس الأمن الدولي على الإطلاق، ولمَا احتاجت منظمات الأمم المتحدة إلى تفويض من مجلس الأمن للمساعدة.

كما ويفرض النظام التصاريح لغاية المساعدات وتأشيرات لموظفي الأمم المتحدة، فمثلاً بين 194 طلب تأشيرة دخول لأبريل ومايو 2020م، قُبلت 87 منها فقط، وفي ذات الشهرين مثلاً تمت الموافقة على 26 طلب مساعدة من أصل 57، ونُفّذ 17 منها وفقًا لتقارير المراقبة الأممية.

ولقد دعت الأمم المتحدة إلى فتح المزيد من المعابر لسوء الوضع الآخذ بالتفاقم جرّاء إنهيار العملة السورية الذي ترتّب عليه معضلة إنسانية حقيقية، فبالكاد يستطيع المواطن شراء أقل ما يلزم من الغذاء، حتى أنّ 9.3 مليون سوري معرّضون لموجة مجاعة أكثر من أي وقت مضى.


الأهداف السورية الروسية لمنع إدخال المساعدات

المساعدات الإنسانية الأمميّة التي تدخل عبر الحدود التركية إلى منطقة جبهات المعارضة السورية محدودة نوعاً ما، وتخّضع لإجراءات معقدة لإمكانية تمريرها. في أبريل ومايو دخلت 47 شاحنة مساعدات عبر الحدود التابعة للأمم المتحدة، 20 منها عبر باب الهوى في الشمال الغربي و 27 عبر باب السلام، وهي مغلقة الآن أمام الأمم المتحدة.

وفي حال استخدمت وكالات الإغاثة معابر حدودية أخرى، فستكون مهدّدة من قبل النظام السوري، ممثّلة بالمنع كما هو الحال الآن، ممّا يجبر جميع وكالات الأمم المتحدة على الانتقال إلى دمشق، إن أرادت مواصلة العمل في سوريا.

وتعلّل روسيا ذلك بتحسّن الوضع في سوريا، وتبرّر عدم الإحتياج للمساعدات القادمة من الحدود التركية، لإبقاء النظام السوري الفاشل في مكانه. هذا رغم تصريح «مارك لوفكوك» وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بأنّ المواطن السوري الذي استطاع تحمّل الظروف الصعبة خلال السنوات التسع الماضية، وصل الآن إلى حد عدم قدرته على الإحتمال، بالإضافة لوصول كورونا إليهم، والمخاوف من تفشّي الفيروس بينهم كما يحدث الآن في اليمن، بسبب الضعف جراّء الاحتياح الغذائي والدوائي وتهالك المنظومة الصحية، وبهذا يجتمع عليهم الجوع والوباء.

فهل اللفتة التهديدية التي أقرّتها هيئة الأمم المتحدة عام 2014 هي الفخّ الذي أوقعت نفسها به الآن؟

وبين التعنّت الروسي والإنصياع السوري الذليل يبقى المواطن وحده هو الضحيّة، فبدلاً من تأمين الحكومة أقل الإحتياج، وهو رفع السوط عن الإنسان وتمكينه من لقمة العيش، يسعى النظام إلى فرض سيطرته حتى وصلت حد المساومة على المساعدة الإنسانية القادمة من الخارج.

تحدّثنا وفصّلنا عن دور الأمم المتحدة ودور الصين وروسيا ومشاركة ألمانيا وبلجيكا الإيجابية، لكنّنا لم نتحدّث عن دور جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي أو مجلس التعاون الخليجي أو دور الدول الفاعلة في المنطقة مثل السعودية ومصر.

فما موقع هؤلاء كلّهم في المنطقة من المعادلة السورية؟ والمنظومة العربية كلّها هي الأحرى لإتخاذ قرارات من شأنها تحسين الوضع في سوريا والمنطقة بشكل عام.

فما الخطب وراء الوجوم العربي الدائم حول قضايا المنطقة وتركها لتركيا وإيران وروسيا والصين أو أمريكا؟


Ahmad.omari11@yahoo.de

الأحد، 2 أغسطس 2020

حرب النيل... سدّ النهضة المثير للجدل

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  3:36 م   بدون تعليقات


حرب النيل... سدّ النهضة المثير للجدل

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

النزاع بين إثيوبيا ومصر حول مشروع سدّ النهضة الضخم، أو كما يُسمّى في إثيوبيا سدّ الألفية الكبير قائم منذ سنوات. اليوم بدأت حكومة أديس أبابا بفرض أمر واقع جرّاء تعبئة السّدّ ولأول مرة، رغم أنّه ما زال قيد الإنشاء منذ تسع سنوات، وعلى الرغم أيضاً من الانتقادات الدولية وملفه الذي قد يحوّل الصراع الجيوسياسي إلى أزمة دبلوماسية وربمّا عسكرية.

يتصاعد النزاع على مياه النيل من خلال السّدّ ويخشى المصريون أزمة مياه حقيقية، حيث يغطي النيل أكثر من 90 بالمائة من الإحتياج المصري.

القلق المصري والسوداني يتفاقم مع خشية قلّة المياه المتدفّقة في النيل عبر أكبر سدّ في إفريقيا. السودان أشارت إلى إنخفاض مستوى المياه التي يعود سببها إلى قطعها من الجهة الإثيوبية، ومصر تستند على اتفاقيات أُبرمت منذ عهد الاستعمار.

صرّح رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد الحائز على جائزة نوبل للسلام يوم الأربعاء 22 يوليو/ تمّوز بإستكمال ملء السّدّ لأول مرة، دون إنقطاع تدفّق المياه في إتجاه مجرى النهر، متذرعاً الملء بسبب الأمطار، هذا بالرّغم من تصريح إثيوبيا منتصف يوليو/حزيران نيتها زيادة منسوب مياه السّدّ.

 كما ودعا الآخر ضرورة إكمال البناء مع توضيح القضايا الدبلوماسية الأخرى. وحسب تصريح وزير الرّيّ الإثيوبي «سيليشي بيكيلي»، وصل منسوبه إلى 4.9 مليار متر مكعب.

بني سدّ النهضة على النيل الذي يمتد عبر عشر دول بطول 6000 كيلومتر ليغذيها تقريباً كاملة بالماء والكهرباء في «بينيشانغول» على مساحة شاسعة وصلت لـ 1800 كيلو متر مربع، الواقع على الحدود السودانية ويبعد قرابة 900 كيلو متر شمال غربي العاصمة أديس أبابا، وتصل سعته 74 مليار متر مكعب، وهي النسبة التي تساوية حصتي مصر والسودان السنويّة من مياه النيل، لتبلغ ما يقارب سعة ثلاثة أضعاف بحيرة «كونستانس» وبإرتفاع 155 متراً، حيث يفصل جداره حوض النيل بمسافة أميال، ولقد بلغت تكلفته 4.6 مليار دولار، وبذلك يصبح السّدّ الأكبر للطاقة الكهرومائية في أفريقيا.

علّ الإعلان الأثيوبي عن إنشاء سدّ كبير في فبراير/شباط 2011 م لم يكن وليد ذلك العام، حيث يعود إلى عقود سابقة، وعلى وجه التحديد بين عامي 1956م وعام 1964م إبّان حكم الإمبراطور «هيلا سيلاسي».

كانت فكرة السّدّ وليدة وتمويل الحكومة الأمريكية بالشراكة مع مؤسسات دولية تمويليّة، إلّا أنّ الإنقلاب الذي أطاح بالنظام الملكي أخفق في بدء بناء السّدّ العظيم آنذاك. ورغم الصراعات العرقية والطائفية التي مزّقت الشعب الإثيوبي وأضعفت الدولة ونظامها، إلّا أنّ حلم الأثيوبيين لم يمت من استثمار الموارد المائية في النيل، حتى آل الحلم قضيّة أمّة ومسألة تؤرّق أصحاب القرار والمواطن البسيط في آن.

المعضلة في تحقيق آمال الأثيوبيين في تشييد السّدّ كانت تكمن في التمويل في الدرجة الأولى، بالإضافة إلى الأبعاد السياسية والأمنية المرتبطة بالضرورة بالبدء بالبناء، ودور مصر الفاعل في المنطقة وحلفائها في الغرب.

مع دخول عام 2011م استطاع أصحاب القرار في أديس أبابا استثمار الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك وانشغال القوى الداخلية للسيطرة على أمن الدولة، وعلى أثرها أُتيحت الفرصة الأفضل للعمل في المشروع المنتظر من خلال الدعم الهائل من استثمار ومنح وقروض من الصين والسعودية والإمارات وأمريكا وصندوق النقد الدولي، والدعم الإسرائيلي الذي أعلنه رئيس وزراء دولة الإحتلال بنيامين نتنياهو في تمّوز/يوليو عام 2016م وتأييده الكامل للموقف الإثيوبي المتمثّل بتوفير وتطوير قدرات الدولة السيبرانية.

الإضطرابات الثلاثية جرّاء ملء السّدّ

إرتفاع مستوى سدّ النهضة وتوليد الكهرباء اللازمة للتنمية الاقتصادية في إثيوبيا يعني بالضرورة الشُحّ في الدولتين الجار مصر والسودان.

اللافت للإنتباه تغيير إثيوبيا موقفها حول مناقشات السّدّ مرات عديدة، بداية الأمر أنكرت الأخرى  قطع الماء عن السودان عبر رسالة لوزارة الخارجية السودانية، حيث صرّح «سيليشي بيكيلي» في مقام آخر بعدم صحّة قطع حصة السودان، وأنّ ملء السّدّ غير مقرون بالإنتظار حتى اكتمال البناء. وتوثّق صور الأقمار الصناعية ارتفاع منسوب المياه منذ نهاية يونيو/حزيران، كما ولوحظت أدّلة تشير إلى تزايد نسبة المياه في السّدّ ممّا يؤكّد عدم صحّة تصريحات أديس أبابا إرجاء إمتلاء السّدّ بهطول الأمطار.

انتهت الجولة الأخيرة من المفاوضات الثلاثية دون الوصول لأي إتفاق. ويرى المراقبون أن النزاع المتفاقم يشكّل خطر حقيقي على أمن المنطقة برمّتها، حيث شدّد «ديفيد فولد جيورجيس» من المعهد الدولي للأمن في أديس أبابا، بعدم ترك الوضع الحالي لمصر وإثيوبيا فقط، وإلّا سيكون لذلك تأثير على الوضع الأمني في المنطقة وأفريقيا، ولم يخفِ مخاوفه في إجتماع الإتحاد الأفريقي الطارئ لبحث تطورات أزمة القاهرة والخرطوم وأديس أبابا يوم الجمعة 26 يونيو/حزيران من استمرارية المواجهة الحادّة، وتبعة نشوب حرب في المنطقة. ونوّه إلى أنّ السبيل الوحيد القابل للتطبيق لكلا البلدين، هو عقد إجتماع طارئ يجمع دول النيل وإجراء حوار ودّي مع رؤساء الدول الأفريقية.

الحرب الباردة وتأرجح الأمن المائي

سدّ النهضة يقنّن بشكل كبير من كمية المياه المتدفقة إلى الأراضي المصرية، وتتوقع مصر إنخفاض المياه فيها بنسبة 14 إلى 22 بالمائة، وفي أسوأ سيناريو تصحّر 30 بالمائة من الأراضي الزراعية، حسب سرعة إثيوبيا في ملء السّدّ. كما ودعت مصر في نهاية يونيو/حزيران مجلس الأمن الدولي إلى تحقيق حلّ عادل ومُنصف للخروج من المأزق، الذي قد تؤدي تبعاته إلى نتائج وخيمة لكلا البلدين والمنطقة بأكملها.

ومع ذلك لم تتحدّث إثيوبيا حتى الآن عن تحديد تجميع المياه في المستقبل أو تحديد مدّة زمنية، وبدلاً عن ذلك، يتم بناء واقع جديد لدول النزاع وتهديد ظاهر للعيان للأمن المائي فيها.

القلق المصري والسودني يتزايد حيال موسم الأمطار القادمة، وحكومة إثيوبيا تستعد للفحوصات الأولية لتوربينات الطاقة الكهرومائية في السّدّ، وتأمل الأخرى في ملء 4.9 مليار متر مكعب خلال شهري يوليو وأغسطس، حيث ستكون الكمية في مرحلة التعبئة الأولى للحوض كافية لبدء عمل توربينات اثنين مع حلول منتصف عام 2021م، ويُتوقع تشغيل السّدّ على الأرجح مع جميع التوربينات الـ 16 في عام 2029م خلال السنوات السبع القادمة، ليكون وصل للحدّ الأقصى من سعته مع إحتمالية خمس سنوات تأخير.

وبهذا سيكون سدّ النهضة أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في القارة، ويصبح قادراً على تزويد دول شرق أفريقيا بالكهرباء.

فهل


الجهود الإثيوبية في استثمار مقدّراتها المائية تعني بالضرورة مواجهة فعلية بعد الحرب الباردة التي أعلنتها حكومة السيسي بسبب قرارات أديس ابابا أحادية الجانب؟

وهل عدم تنازل إثيوبيا عن مواقفها يعود لعدم وجود أسباب تعتقدها مصر والسودان بضرر بالغ على كلتا الدولتين بذريعة الخلاف التنسيقي والفنى الذي لا يستدعى تدخل أطراف دولية ومؤسّسيّة خارجية؟

 للمراقب أن يرى بعدالة مطالب الدولتين أو عدمها، أو ضرورة مشاركة أطراف إقليمية ودولية من شأنها تمكين لغة الحوار للوصول إلى حلّ عادل ومُنصف، بعد تعثّر الجهود الدبلوماسية ممثّلة بالإتحاد الإفريقى ومجلس الأمن الدولي بقيادة ألمانية لتسويّة النزاع وفضّ الأزمات في إطار مفهوم شامل لمصطلح الأمن.

وعلّ التعنّت الضمني الذي تُصرّ علية حكومة أبي أحمد، وصلابة موقف الدولة الضعيفة في الأمس، يعود للجهود الروسية والتأييد الإسرائيلي الصريح لتحقيق أطماعه على حساب البقعة العربية والإضرار بمصالحها التي قدّ تهدّد الأمن القومي والمائي أهمّه على المدى البعيد.  

Ahmad.omari11@yahoo.de

الأحد، 14 يونيو 2020

الضّمّ من أجندة ورقيّة إلى خطوة تنفيذيّة

خارطة فلسطين بعد الضّمّ


بسم الله الرحمن الرحيم


الضّمّ من أجندة ورقيّة إلى خطوة تنفيذيّة

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

لم يمضِ كثيراً عن بدء الإعلان عن بنود صفقة القرن عشية الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني 2020م بحضور رئيس وزراء دولة الإحتلال "بنيامين نتنياهو" مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "دونالد ترامب" في واشنطن للتصريح بتنفيذ مقترح ما أسماه "جوريد كاشنير"، صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره بـ "السلام من أجل الإزدهار" وصاحبها والمروّج لها، حتى أقبلت حكومة الإحتلال يوم الإثنين 20 أبريل/نيسان ممثّلة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع "بيني غانتس"، على توقيع اتفاقية لتشكيل حكومة وحدة طارئة، يتبادل كليّهما رئاستها، مشروطة ببدء نتنياهو الحقبة الأولى لمدة 18 شهراً لتحديد باكورة يوليو/تموز المقبل ضَمّ غور الأردن ومنطقة شمال البحر الميت في فلسطين والمستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، التي تشكّل مجموعة 30 بالمائة من مساحة الضفة. ولقد أكدّ الآخر في حملته الإنتخابية بتنفيذ وعده بالضّمّ خلال فترة حكم دونالد ترامب، على الرغم من 48 بالمائة من الإسرائيليين يقفون بين محايد ومعارض لخطة نتياهو حسب إحصائية أجراها معهد الديمقراطية الإسرائيلي "IDI".
سؤال يتقاسمه الوطن العربي من المحيط إلى الخليج على مستوى القرار الأول، مروراً بأبناء الباع الطويل في سياسة المنطقة وانتهاءً لمجالس العامّة في الشارع، كيف ستتعامل دول العالم مع خطط إسرائيل لضمّ الأراضي المحتلة؟
عقد وزراء خارجية دول الإتحاد الأوروبي مؤتمراً بالفيديو ظهيرة 15 مايو/أيّار نظمته "بروكسل" لمناقشة آخر تطورات الصراع في الشرق الأوسط حيث صرّح منسّق السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل" بأنّ دول الإتحاد ستعمل بشكل كامل وبنّاء مع الحكومة الإسرائيلية مع استمرار تبني دعم حلّ الدولتين وتجنّب الإجراءات والقرارت أُحادية الجانب.
كما وتحدّث وزير خارجية "لوكسمبورج" "جان أسيلبورن" عن إدانته الشديدة لخطط الضّمّ الإسرائيلية، فضمّ منطقة ليست ملكاً له يعتبر انتهاك، وانتهاك خطير للقانون الدولي، وذات الشيء الذي تبناه الإتحاد الأوروبي عندما ضمّت روسيا شبه جزيرة "القرم" الأوكرانية في عام 2014م، ولقد تعمّد - حسب طرحه - تقديم هذه المقارنة لإتخاذ موقف جدّي ووقائي وممارسة الضغط لإبطال هذه الإنتهاكات.
وقد لوّح أسيلبورن بالتهديد بوضع عقوبات في حال أعتبر الإتحاد الضّمّ المحتمل للأراضي الفلسطينية كضمّ القرم، فسيتعيّن حينها على إسرائيل أنّ تأخذ بعين الإعتبار إجراءات عقابية واسعة النطاق، وأهمّها الإقتصادية والتي لا تزال قائمة على روسيا جرّاء الضّمّ حتى اليوم.
بدا حجم التفاعل والتضارب واضحاً بين دول الأعضاء بين تأييد واضح للعقوبات مثل بلجيكا وأيرلندا ولوكسمبورغ والسويد وفرنسا كما بريطانيا صرّحت بعدم الإعتراف بالضّمّ، وآخرين ضد العقوبات مثل ألمانيا ودول أخرى اعتبرت المسار الأسلم والأقلّ خسارة وبعداً عن المواجهة هي المحادثات المنطقية، طالما لم يتم تنفيذ الضّمّ بعد. وهذا الذي يتبناه في موقف محايّد وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس" ورفضه تشبيه نظيره أسيلبورن الجزيرة الأُوكرانية بالخطّة الإسرائيلية لأجزاء الضفة الغربية، على الرغم من تأكيده بأنّ الضّمّ انتهاك للقانون الدولي.
ولقد صرّحت وزارة الخارجية الألمانية بزيارة وزير خارجيتها ماس لإسرائيل والأردن يوم الأربعاء 10 يونيو/حزيران، وهي الأولى له خارج الإتحاد الأوروبي منذ بداية أزمة كورونا والأصعب خارج ألمانيا حتى الآن، كما يصفها المراقبون في ألمانيا، والأولى أيضاً لمسؤول حكومي رفيع المستوى يزور الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي بدأت في 17 مايو/أيّار بعد تعليق سياسي غير مسبوق وثلاثة انتخابات في غضون عام.
التقي الآخر خلال زيارته القصيرة نهار الأربعاء نتنياهو ووزير الخارجية "غابي اشكيناسي" و بيني غانتس، حسب ما صرّح المتحدّث بإسم وزارة الخارجية في برلين، بينما استثنى الحكومة الفلسطينية من هذه الزيارة، معلّلة وزارة الخارجية الألمانية ذلك بأزمة كورونا، رغم تصريح الأخرى بأنّ عدد الحالات في إسرائيل أكثر منها في الضفة، مكتفياً بلقاء رئيس الوزراء الفلسطيني محمد شتية عبر الفيديو أثناء وجوده في الأردن في ذات اليوم.
افتتح ماس حواره مع نظيره بتوقيع وتجديد الدّعم المالي الألماني وإطراء قدّمه الآخر للدولة الإسرائيلية الصديقة ذات العلاقات المميّزة جداً، حسب وصف الآخر.
ردود نتنياهو على الموقف الألماني السلبي كانت تفصيل حول تدابير الضّمّ بدل المبادرة للعمل على إيجاد لغة حوار، ما هي إلّا ثبات الموقف الاسرائيلي على قراراته، مع تهميش الجانب الفلسطيني ووضع الدور العربي في الحاشية.
بينما تقف حكومة الولايات المتحدة كراعية لخطط الضّمّ، والتي بدت بزيارة خاطفة لوزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" الأربعاء 13 مايو/أيّار إلى دولة الإحتلال، وهي رحلته الأولى منذ مارس إلى الخارج بعد أزمة كورنا. حيث صرّح الآخر في مقابلة مع صحيفة "إسرائيل حاجوم" قبل الزيارة بأنّ خطط الضّمّ في الضفة الغربية قرار إسرائيلي. ويلعب السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة "رون ديرمر" دوراً مهماً من خلال ممارسة ضغوطات على إدارة ترامب للمضيّ قدماً في بسط سيادة دولته على المستوطنات قبل الإنتخابات، تحسّباً لخسارة ترامب أمام بايدن. بالإضافة إلى إعلان السفير الأميركي لدى دولة الإحتلال "ديفد فريدمان" إعتراف دولته بالسيادة الإسرائيلية على المناطق التي تعقد الأخرى على بسط نفوذها عليها.
فيما بدا موقف مرشّح الحزب الديمقراطي للإنتخابات الرئاسية الأمريكية "جو بايدن" في لقاء افتراضي جمعه بمتبرعين يهود أمريكيين يوم الثلاثاء 19 مايو/أيّار كثير الحنكة، حيث صرّح بأنّه سيعكس سياسات دونالد ترامب تجاه إسرائيل، والتي تضرّ وتقوّض بشكل كبير آلية السلام مع الفلسطينيين، وأنّه بصدد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع السلطة وإعادة المساعدات ودفع الجانبين نحو حلّ الدولتين، ومعارضته بنيامين نتنياهو مشروع الضّمّ، متعهداً في ذات الوقت بالحفاظ على مذكرة التفاهم لعام 2016م التي أُبرمت بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" وإسرائيل، والتي تُخصّص لإسرائيل 38 مليار دولار لمدة عشر سنوات، على الرغم من طرح بعض منافسين بايدن السابقين طيلة الإنتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي للعام الحالي استخدام منع المساعدات كآلية لردع الحكومة عن تفعيل قرارات تضرّ بحلّ الدولتين.
في المقابل كان قد نوّه بايدن في الشهر الماضي بإنّه لن يسعَ لإعادة السفارة إلى القدس لوضعها السابق كقنصلية، كما لم يتطرّق إلى العمل لمنع الضّمّ إذا قامت حكومة نتنياهو بإقرارها قبل انتخابات نوفمبر، وأنّه ملتزم بقانون "تايلور فورس"، الذي أُبرم عام 2018م وينص على حجب أجزاء من المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية واقتطاع دولة الإحتلال عائدات الضرائب "المقاصة" البالغة 138 مليون دولار، بسبب صرف حكومة عباس رواتب شهرية لأُسر الأسرى والشهداء الفلسطينيين.
دور الأردن ظهر قوياً وحازماً في آن، حتى بدا بهالة تهديد إزاء تقويض القضية، حيث صرّح الملك عبد الله الثاني، بأنّ ضمّ إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية سيؤدّي إلى صدام كبير مع بلاده، وأنّه لا يريد إطلاق التهديدات أو تهيئة الأجواء للخلافات والمشاحنات، وحذر من تفاقم الفوضى والتطرّف في المنطقة وتطبيق قانون القوة.
ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من جهته هدّد بحلّ كلّ الاتفاقيات، فيما لو بقت الحكومة الإسرائيلية على مواقفها في قررات الضّمّ، كما وأكدّ رئيس حكومته محمد اشتية بأنّ القيادة الفلسطينية ستكون بصدد إتخاذ قرار مفصلي وتاريخي لمواجهة ما تُقبل عليه إسرائيل. أمّا في الجانب الفلسطيني الآخر دعت حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى مقاومة شعبية ضد أي مشروع من شأنه تصفية القضية متمحّوراً في قرارت الضّمّ الأخيرة.
ما وصلنا إليه اليوم من ضعف وانحطاط على مستوى القرار السياسي وعدم استقلاليته، وتنازلات تُقدّم تحت مسمّى مفاوضات، دعت حكومة نتنياهو، ومن ورائها شريكها ترامب لإتخاذ قرارات مصيرية، من شأنها تصفية القضية الفلسطينية.
قرار ضمّ غور الأردن ومنطقة شمال البحر الميت والمستوطنات في الضفة الغربية، التي تشكّل مجموعة 30 بالمائة من مساحة الضفة، هو إلغاء كلّ ما أُبرم من اتفاقيات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ويعتبر الخطوة الأولى التنفيذية لأحد بنود صفقة القرن، بعد أنّ حُيّدت قضية اللاجئين، التي لطالما شكّلت نقطة ارتكاز في المطالب الفلسطينية بحقّ العودة، وإزاحة ملف القدس عن طاولة المفاوضات، وذلك بعد الإعتراف الأمريكي بالسيادة المطلقة على المدينة المقدّسة، وحرمان الفلسطينيين من حقّهم في اتخاذ القدس الشرقية كعاصمة لدولتهم المستقبلية، هذا بالإضافة إلى الغاء البند المتعلّق بالحدود في اتفاقية أوسلو وإلغاء جميع مفاهيم السيادة الفلسطينية على أراضي عام 1967م المحتلة.
 فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن، الذي يشكّل متنفّس حيوي، كوّنه يمثّل السلّة الزراعية لدولة فلسطين، ناهيك عن الضّمّ الذي سيجعل من الضفة الغربية كانتونات غير متواصلة جغرافياً، بسبب الكتل الإستيطانية، فضلاً عن المناطق المصنّفة "ج" والتي تشكّل 60 بالمائة من مساحة الضفة، وهي الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية.
الإتحاد الأوروبي هدّد دولة الإحتلال بشكل صريح بفرض عقوبات اقتصادية في حال استمرار الأخرى ضمّ أجزاء الضفة، رغم أنّها بعيدة عن التوتر أو كونها جزء من النزاع. ما هي إذن العقوبات القاسية التي ستفرضها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي، كون الأمر يعنينا ويهدّد أمن واستقرار المنطقة برمّتها؟ 
مثال وزير خارجية لوكسمبرج أسيلبورن في ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم هو محط أنظار يدفعنا للتفكّر كثيراً في هذه المعادلة.
ماذا لو نحت إسرائيل نحو روسيا في ضمّ أجزاء الضفة الغربية ومتحمّلة معها أعباء الإجراءات العقابية الإقتصادية - هذا لو ترتّب عليها بالأصل - التي قدّ يفرضها الإتحاد الأوروبي؟ 
حينها ماذا ستقدّم المفاوضات الفلسطينية أو العربية أو حتى العقوبات الأوروبية؟ وما هو الخيار الأخير الذي ستتركة حكومة الإحتلال للفلسطيني؟
 أم أنّ الإستسلام والخضوع لتطبيق ما تبقى من خطة السلام من أجل الإزدهار وخلق أمر واقع جديد هو الخيار الأخير؟ علّ وحدة الصّف بين الفصائل الفلسطينية مؤطّرة بالمقاومة الشعبية كفيلة لتعيد الماضي ومعه إنتفاضة أشد شراسة من إنتفاضة عام 2000م لتبعث معايير قوة جديدة وتحديد المصير!
وبين الوبائين الكورنيّة والإسرائيليّة، مساحة كافية استقبلنا بها هدية الله بعيد الفطر بغبطة سماويّة، فكلّ عام وأنتم بخير.
Ahmad.omari11@yahoo.de

الأربعاء، 10 يونيو 2020

إقلاع طائرة تُقلّ أردنيين عائدين من رومانيا

الكاتب: Ahmadomari   بتاريخ :  4:23 م   طائرة يوميّة من عَمّان بدون تعليقات

مطار عمّان الدولي في أزمة كورونا



طائرة يوميّة من عَمّان
دوسلدورف/أحمد سليمان العمري
"إقلاع طائرة تُقلّ أردنيين عائدين من رومانيا وبلغاريا ومولدوفا". هذا العنوان الذي نشرته صحيفة سرايا الإلكترونية الأردنية صبيحة هذا اليوم.
المستهجن والمثير للإستياء أنّ أحداً لم يتكلّم عن ذات الطائرة التي غادرت عمّان الساعة التاسعة من مساء البارحة 6 يونيو/حزيران، والأكثر من الإستياء ليصل حدّ الغضب، أنّ صديقي العالق في الأردن مع زوجته وطفليه هاتف المطار ليتأكد من الطائرة الموجودة على موقع المطار، وهي ذات الطائرة التابعة للشركة الرومانية "تاروم" العائدة من مطار الملكة علياء الدولي إلى مطار بوخارست، ليفاجأ برفض الموظف إعطائه أي معلومة عن الطائرة أو وجودها في المطار أصلاً، وسحب المطار الإعلان بعد إنهاء المكالمة وقبل ساعات من إقلاعها، عاد المطار بنشر الإعلان مجدّداً.
صديقي وصل اليوم وأهله هو رابعهم بسلامة على ذات الطائرة بكلفة ١٠٠٠ دينار، بينما كان عرض الخطوط الملكية ما يقارب ٣٠٠٠ آلاف دينار، مع التنويه بأنّ سعر تذكرة الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم العام دون مقعد، هو نفس سعر التذكرة العادية للشخص البالغ، وهو بدءاً من 600 دينار أردني، بمعنى آخر تذكرة الطفل هي "خاوه"، وهي الكلمة القريبة جداً من ردّ موظف الملكية على صديقي "إذا عجبك احجز، ما عجبك لا تحجز".
من منكم كان يظنّ أنّنا وصلنا لهذا المستوى في أكثر الظروف حرجاً التي ما زالت الأردن تمرّ بها حتى الآن؟ بالإضافة إلى رفض مكتب الخطوط الملكية إعطاء فواتير تحت الذريعة التقليدية "الطابعة خربانة".  
لصالح من هذا التكّتم المُمنّهج من مؤسّسة المطار؟
لا أتحدّث اليوم حصراً عن صديقي وأسرته أو أخي ما زال عالقاً في الأردن، إنّما عن القضية التي تمسّ كلّ أردني مهدّد وجوده الوظيفي، وفي أسوأ الظروف وجوده بشكل عام في المهجر جرّاء إغلاق المطار، ولغاية الآن ينتظرون رحمة قرار الفتح أو الخضوع لأسعار الخطوط الملكية غير المبرّرة.
لماذا تخفي مؤسّسة المطار معلومات عن الطائرات المغادرة من عمّان بشكل يومي؟ لماذا لا يتركون الخيار للمواطن ليقرّر على متن أي طائرة يغادر أو تكلفة تذكرته؟
هذه الحادثة وغيرها جعلتني أستحضر بالضرورة قرار الحكومة الألمانية يوم 04 يونيو/حزيران ضخ 130 مليار يورو، ‏حدّده مفاوضو الإتحاد والحزب الديمقراطي الإجتماعي، للتحفيز الإقتصادي بدءاً من الشهر القادم، متضمّنة ٣٠٠ يورور لكل طفل، بمعزل عن كونه ألماني أو غير ألماني، أو حتى شرعية إقامته، التي وصلت إلى 3 مليار يورو، بالإضافة إلى تخفيض ضريبة القيمة المضافة من ١٩ إلى ١٦ بالمائة، وهذا القرار الوحيد من بين حزمة الدعم من أجل إعادة تدوير العجلة الأقتصادية مرة أخرى الذي سيكلّف الدولة أكثر. ودعم سعر الكهرباء المتزايد بقيمة 11 مليار يورو، ولائحة دعم تحتاج لمقالة مستقلّة لتغطية الكمّ الهائل من رفع الحالة الإقتصادية للمواطن.  
قرار ترفع له القبعات، على الرغم من الضرر الطفيف جداً الذي لحق بالأفراد والأسر من أصحاب المؤسّسات.
ولا أتعمّد هنا طرح مقارنة بين دولة عظمى والأردن، فالمقارنة بحق الأردن بهذا الصدد مجحفة، ولا نراهن البتّة على الدعم الحكومي، إنّما على ترك القرارت غير الحكيمة، وخاصة في الآونة الأخيرة، التي بدأت بنجاح في آلية العزل والتعامل مع كورونا مع بعض التحفظات - لكن الأمر لا يخلو - موطّرة بإطراء شعبي غير مسبوق، وخاصة لوزير الصحة الدكتور سعد جابر، الذي صرّح حيناً من شدّة المغالاة عن رضى الشارع بغزل الفتيات له في مواقع التواصل الإجتماعي.
لكنّني كنت أتمنى أن "تكون الخاتمة مسك" بعدم التعرّض لجيب المواطن الذي أثقلته فاتورة الماء والكهرباء والمدارس الخاصة وصحن "المجدّرة" الذي ينعدم عند الكثير حيناً، حتى تصل اليوم إلى قانون الدفاع وإنقلاب قناعة الأردني من حكومة تحمل همّه إلى أخرى تحمل من جيبه.
السوّال الأكثر أهمية هو سبب عدم رفع حالة الطوارئ ومعه قانون الدفاع، رغم  رفع جميع الدول بإستنثاء بعض الدول العربية مرحلة الأزمة الإستثنائية، ومعها المطارات منذ بداية هذا الشهر يونيو/حزيران، وإعلان بعض الدول عن إستئناف مشاريعها بشكل طبيعي، حتى لو تفاقمت أعداد الإصابات، مثل معرض فرانكفورت للكتاب الأكبر في العالم.
المشكلة لا تكمن في الحظر أو رفعه عملاً بآلية ما أو تبعاً لوزارة الصحة العالمية، إنّما في العامل المفاجئ في التصريحات قبل رفع الحظر أو إبقائه بيوم أو حتى ساعات، تماماً كإنتظار قمر شعبان، بالإضافة إلى عدم وجود مرجعية حقيقية لتقديم الشكاوى، مثل إلزام الخطوط الملكية دفع تذاكر الأطفال دون عمر العام كالبالغين، وهذا هو المتّبع فعلاً الآن بشكل غير شرعي، تنافياً مع نظام شركات الطيران العالمي. من هي إذن الجهة التي تحمي المستهلك من إجراءات كالأخيرة؟
إذن، ما هي الذريعة بإستمرارية حالة الطوارئ لغاية الآن في الأردن؟ هل هو تمرير قرارت اقتصادية كما يعتقد البعض؟
في ظل بقاء الوضع الراهن تفتح الحكومة المرتاج على مصراعيه لإتهامات علّ بعضها في مكانه!
إذن، لمن يرغب بالعودة إلى بلد المهجر حيث بيته وبقيه أسرته مزّقتها قرارات علّها كانت ضرورية، أن يلقِ يومياً نظرة على موقع المطار ليسافر من خلال الشركات المغادرة عمّان بشكل يومي، فهي أقرب للعودة وأقل تكلفة من أنتظار رفع الحظر من جديد.
 Ahmad.omari11@yahoo.de

Back to top ↑

كلمات من العمري

في بداية خطابي أشكر زائريّ ممن بحث عني بأسمي أو دخل منزلي صدفة فراق له البقاء. وجزيل شكري لكل أصدقائي وأحبتي ممن يعملوا في الخفاء لنشر كلماتي دون تقديم أشخاصهم، إيمانهم بها أو بي وإن زل قلمي حيناً يقينهم إذعانَ قلبي وعقلي لها. لقد ترددت كثيرا قبل أن أفتح هذا الباب الذي عمل عليه صديقي الأستاذ أنس عمرو وصديقي الدكتور ضياء الزعبي - جزاه الله كل الخير- ولم يتركني حتى كَمُل على وجه رضيناه للأخوة القراء الكرام ... المزيد
كن على تواصل واتصال معنا

© 2018 أحمد سليمان العمري.
Design By: Hebron Portal - Anas Amro .