‏إظهار الرسائل ذات التسميات الخُرافَةُ الرَّابِعَة، أحمد سليمان العمري. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الخُرافَةُ الرَّابِعَة، أحمد سليمان العمري. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

الخُرافَةُ الرَّابِعَة، أحمد سليمان العمري

الخُرافَةُ الرَّابِعَة:

ما الحُبُّ إِلاَّ لِلْحَبيبِ الأَوَّلِ.  

هَذِهِ الخُرافَةُ الرَّابِعَة في مَخْطوطَتي وَلَيْسَت الأَخيرَة في عَقيدَتي. الحُبُّ لَيْسَ حَدَثاً قَدَرِياًّ نادِراً أَوْ حالَةً فَريدَةً مِنْ نَوْعِها، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكونَ دائِماً يَوْمِي.
كِثْرَةٌ هُمْ الذينَ يَعْتَقِدونَ بِأَنَّ الحُبَّ لا يَأْتِـي إِلاّ مَرَّةً واحِدِةً في العُمْرِ أَوْ مَرَّتَيْن. إِذا كُنَّا أَهْلاً لِلْحُبِّ فَإِنَّنا نَعْشَقُ وَنَهْوى مِراراً وَتِكْراراً وَنَسْتَطيع أَن نُحِسَّ الحُبَّ في العُمْرِ مَرّاتٍ كَثيرَة، بِشَرْطِ أَنْ تَكونَ لَدَيْنا القُدْرَةَ عَلَيْهِ وَعلى إِسْتيعابِه.
يصْحو الآن بِالتَّأْكيدِ سُؤالٌ آخَر مِنَ الغَمْرَة، هَلْ يَسْتَطيعُ أَحَدٌ أَنْ يٌحِبَّ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ في آنٍ واحِدٍ؟ الإِحْساس بِالكَلَفِ وَالهَيامِ وَالغَرامِ لِمَنْ هُوَ مُتَعَطِّشَةٌ روحَه ُإِلَيْهِ يَسْتَحْوِذُ على كُلِّ حِسِّهِ واخْتِلاجاتِ نَفْسِهِ مَعَ الحَبيبْ فَلا تَكونَ مِساحَةٌ أَبَداً لِآخَرَ في كَيانِه، وَبَعيداً عَنْ هذا الحِسِّ المُفْعَمِ القَوِيّ المَلِيءِ بِالتَّوَلُّعِ وَالهَوى يَسْتَطيعُ أَحَدٌ لَهُ القُدْرَةُ عَلى الحُبِّ بِأَنْ يُحِبَّ أَكْثَرَ مِنْ شَخْصٍ في آنٍ واحدٍ بِذاتِ الحُبِّ وَذاتِ الكَثافَةِ رُغْمَ وُجودِ اخْتِلافٍ بَيْنَهُمْ في الأَطْوار.
وَلِأَنَّنا نَعْتَقِدُ بِالحُبِّ الكَبيرِ الذي يَزْعمُ الكَثيرون بِنِدْرَتِهِ فَإِنَّهُ مِنَ الطَّبيعي أَنْ نَصِفَ مَنْ يُحِبُّ اثْنَيْنِ في آنٍ واحِدٍ   بـ "دونخوان" سَيّءِ السُّمْعَة، لِأَنَّ أّحّداً لا يُريدُ أَنْ يُصَدَّقَ إِمْكانَيَّةَ حُبَّ اثْنَيْنِ في نَفْسَِ الوَقْت.
فَقَطْ الحُبُّ النَّقِي الذِي لا يَرْتَبِطُ بِالضَّرورَةِ أَوْ يَنْدَمِجُ بِالتَّضافُرِ مَدى الحَياةِ وَهذا رَبْطٌ نَفْسِي طَبيعِي، وَلَيْسَ مِنَ الطَّبيعِي تَقْليدِيَّةِ َعاداتِ شُعوبٍ لا يَتَناسَبُ هذا الفَهْمِ مع فِكْرِها
وَلِأَنَّنا الآنَ نَتَحَدَّثُ عَنِ الحُبِّ فَلْنَتَحَدَّثُ عَنْهُ أَيْضاً مِنَ الجانِبِ النَّفْسِي وَالدُّورِ الفَعَّالِ الذي يَقومُ بِهِ مُسْتَثْنِيينَ آراءِ السِّياسِيّين، الشُّيوخ، الكَهَنَة، المُعَلِّمين، الفَلاسِفَةِ وَالصَّحَفِيين.
مَنْ لديه القُدْرَةُ على الحُبِّ وَمُنْفَتِحٌ على العالَمِ لَهُ القُدْرَةُ أَنْ يُحِبّ آخَرينَ بِغَيْرِ حُدودٍ بِعاداتٍ وَتَقالِيدٍ وَدِياناتٍ خارِجَ حُدودِه. هذِهِ الحالَةُ الرُّوحِيّةُ تَتَغَلَّبُ عَلى كُلِّ الحَواجِزِ التَّقْلِيدِيَّةِ التِي وَضَعَها البَشَرُ لِتَخْدِمَ مَصالِحَهَمْ الشَّخْصَيَّةَ حتى أَصْبَحَتِ اليَوْمَ دِيناً وَمْنهَجاً وَدُسْتوراً وَمَنْ لا يُذْعِنُ عَقْلَهُ وَقَلْبَهُ لَهُ خارِجْ عَنِ القانون. إِنَّ الحُبّ يُخَبّئ مَعَهُ سِرُّ السّعادّةِ في الحّياةِ وَأَمامَهُ تَتلاشى كُلُّ الأَشْياءِ وَتُصْبِح غَيْر مُهِمّةٍ وَمَعَها حَتّى الفَضيلَةُ وَالإِخْلاص. مَنْ لَهُ القُدْرَة عَلى الحُبِّ لا يَسْأَلُ عَنِ الحُبِّ الكَبيرِ لِأَنَّهُ لا يَرى في كُلِّ حُبٍّ يَعيشَهُ غَيْرَ الحُبِّ الكَبيرِ  مِنْ غَيْرِ اخْتِلاف، فَالإِخْتِلافِ هُوَ في شَرائِحِ المجُْتَمَعِ وَالشّخْصِيّاتِ التي يُحِبّها، فَهُوَ لا يُحِبّ الإِخْتِلافِ بِكَمٍّ وَكَثافَةٍ مُخْتَلِفَيْن، هُوَ يُحِبُّ الفَرْد بِحَدِّ ذاتِهِ وَتَصَرُّفاتِهِ لا يُفَرِّقُ بَيْنَهُم، لَيْسَ هُناك َالحُبُّ الكَبير، كُلُّ الحُبِّ هُوَ حُبٌ كَبيرٌ مِنْ غَيْرِ قُيودٍ مَعَ اخْتِلافِهِ وَتَقُلُّباتِهِ في بِحارِ الحَياة.
فَلْنُحِب الحَياة، وَنُحِبُ الأَشْياءَ كُلَّها، نُحِبّ الشّجَرَ وَالحَجَرَ نُحِبّ المُدُنَ وَالعَواصِم، وَأَحَبَّها إِليَّ التِي يَحِفّها نَهْرٌ وَيَتَخَلَّلُها شَجَرٌ وَهَمْسها في اللَّيْلِ نَبْضٌ وَنِساؤها مَلَكَت الدِّرْهَمَ وَالدّينارَ فَما عادَ يَعْنيها، فَأَحَبَّت الحُبَّ لِأَجْلِه. كُنْتُ أَبْحَثُ عَنْ مَدينَةٍ فاضِلَةٍ كَهذِهِ أُحِبّها لِتَكونَ وَطَني مِنْ بَيْنِ الأَوْطانِ وَأَطَلْتُ البَحْثَ يَتْلوهُ خَيْباتُ أَمَلٍ تَجاوَزَتِ النّاطِقينَ بِلِسانِ العَرَبِيَّة، وَخَرَجْتُ يَوْماً وَالمَساءُ مُتَّجِهاً نََحْوَ الرّايْن وَجَلَسْتُ في المَقْهى المُعْتادِ أَمام َالنَّهْرِ – فَهُوَ دائِماً كانَ يَسْمَعُني-  أَرْمِي بِتَجارُبي واشكو لَهُ هَمِّي مِنْ نِساءِ المَوانِئِ، كُنْتُ أَحْبَبْتُ جمَيلَةً مِنْهُنّ، ما كُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّها تَنْتَظِرُ رُبّاناً تَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَأْتي لَها بِكُنوزٍ وَجَواهِر، مَا عَرَفَتْ أَنَّها سَتَكونُ عِنْدَهُ قِطْعَةٌ يَمْلِكُها، فَأَحَبّتْ كُلَّ بحَّارٍ ترسو مَراكِبَهُ عِنْدَ نَهْدَيْها... وَقَبْلَ المَغيبِ كَعادَتِي بِلَحظاتٍ عُدْتُ كَأَنّي ما حَزِنْتُ يَوْماً وَلا خُدِعْت. أَسْتَرِقُ البَسَماتِ مِنْ وُجوهِ المارَّةِ وَالأَشْياء، فَأَكْتَشَفْتُ أَنِّي قَضَيْتُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُمْرِي أَبْحَثُ عَنِ المَدينَةِ الوَطَنِ وَإِذا بِها هِيَ التي مُنْذُ أَنْ صَحَتْ ذاكِرَتِي عَلى الحُبِّ أَسْكُنُها.
مازِلْتُ أُحِب، وَأُعانِي أَعاصيرَهُ وَزَلازِلَهُ وَبَراكِينَهُ, لَنْ أَتَنازَلَ عَنْهُ أَبَدا، لا أَمانَ مَعَهُ ما دَامَ القَلْبُ نابِضاً بِهِ, لَيْسَ هُناكَ جِداراً واقِياً مِنْ رِصاصِهِ، سَأَعْشَقُ وَأُغْرَمُ وَأَحْتَرِق وَسَتُطْفَأُ ناري وَأَحْتَرِقُ مَرَّةً أُخْرى وَثانِيةً وَثالِثَةً وَأَلْفُ مَرَّةٍ، سَأَسْتَيْقِظُ مِنْ جَدِيدٍ وَسَأُحِبُّ مِنَ جَديدٍ وَأُغْرَمُ حَتّى آخِرَ أَنْفاسِي لِيَكونَ آخِرَها جمَيلاً مُزَرْكَشاً بِعاطِفَةٍ ما تَرَكْتُها يَوْماً، وَكَثيِر القُبَلِ. وَقْتَها سَأُصَرِّحُ بِأَنّي أَخَذْتُ كُلّ حَظِّي مَِن الحَياةِ كُلّها وَإِنْ بَكَت ْعَيْني وَتَقَرَّحَ قَلْبِي كَيْ أَعيشَ هذا الحِسّ، وَأُعْلِنُ أَنَّنِي مُتَحَمِّلٌ مَسْؤولِيَّةَ عَواقِبِ الذِي يَلِيهِ بِحُبٍّ وَرِضا، وَلِأَنِّي عِشْتُ الحُبَّ مُؤْمِناً مُطْمَئنَةً نَفْسِي بِهِ، سَأَموتُ عَلَيْهِ مُسْتَسْلِماً وَروحِي هادِئَةً آمِنَةً... وَأَنْتُم؟ كَما لَمْ تَرْضوا مالاً بِوَطَنٍ بَدَلاً، لا تَقْبَلوا عَنِ الحُبِّ بِغَيْرِهِ بَدَلاً، سَتُذَكِّرَكُمْ كَلِماتِي بِأَنَّكُمْ سَتَسْعَدون، وَحينَها تَقَبَّلوا مَنّي كُلَّ الحُبِّ وَلا تَقْبَلوا مِنِّي بِغَيْرِهِ بَدَلا.

من كتابي "رَذَاذ وجعي"



Back to top ↑

كلمات من العمري

في بداية خطابي أشكر زائريّ ممن بحث عني بأسمي أو دخل منزلي صدفة فراق له البقاء. وجزيل شكري لكل أصدقائي وأحبتي ممن يعملوا في الخفاء لنشر كلماتي دون تقديم أشخاصهم، إيمانهم بها أو بي وإن زل قلمي حيناً يقينهم إذعانَ قلبي وعقلي لها. لقد ترددت كثيرا قبل أن أفتح هذا الباب الذي عمل عليه صديقي الأستاذ أنس عمرو وصديقي الدكتور ضياء الزعبي - جزاه الله كل الخير- ولم يتركني حتى كَمُل على وجه رضيناه للأخوة القراء الكرام ... المزيد
كن على تواصل واتصال معنا

© 2018 أحمد سليمان العمري.
Design By: Hebron Portal - Anas Amro .