الخُرافَةُ الأولى:
الجِنْسُ يُحَرِّر النَّفْس
الحُبُّ وَالجِنْسُ عَمَلِيَّتان قَدْ تَكونانِ
أَحْياناً كَثيرَة مُرْتَبِطَتَانِ بِبَعْضِهِما البَعْض, إِلاّ أَنَّهُ مِنْ المُهِمِّ
أَنْ لا نَخْلِطُ بَيْنَهُما, فَالجِنْسُ مِنْ غَيْرِ الحُبِّ مُمْكِنُ، وَالحُبُّ
مِنْ غَيْرِ الجِنْسِ يَسْتَطيعُ أَنْ يَكْبُرْ وَيَنْمو, هذا الشَّيء يَعْرِفُهُ
الكَثيرُ إِلاَّ أَنَّهُ لِلْأَسَفِ يَقَعُ خَلْطٌ في مُعْظَمِ الأَحْيان بَيْنَهُم. سِيغْمونْدْ
فِرْويد, مُؤَسِّسِ التَّحْليلِ النَّفْسِي, أَعْطى تَطَوُّرِ وَتَحَرُّرِ الطّاقَةِ
الجِنْسِيَّةِ مِنْ النَّاحِيَةِ الصِّحيَّةِ العِضْوِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ إِهْتِماماً
كِبيراً وَذلِكَ لِدِراسَتَهُ حالاتٍ كانَتْ أوروبّا حينَها في بِدايَةِ غَرَقانِها
في الجِنْسِ وَالإِباحِيَّةِ مِمّا أَثَّرَ في النِّهايَةِ عَلى نَتائِجَه وَإِعْطائِهِ
هذا المَوْضوعِ كَماًّ كَبيراً, فَقَدْ كَتَبَ أَشْياءَ كَثيرَةً قَدْ تَكونُ اليَوْمَ
لا مَعْنى لَها مِثْل مُرور الطِّفْلِ بِحالاتٍ جِنْسِيَّةٍ في طُفولَتِهِ وَهِيَ
التي تُمَحْوِرُ حَياتَهُ الجِنْسِيَّةِ عِنْدَما يَكْبُر.بَعْد سيغْمونْد فِرْويدْ أتَى فيلْهِلْمْ رايْش,
وَدَرَسَ الجِنْس مِنَ الجانِبِ البِيولوجِي وَعَلَّلَ الضُّغوط النَّفْسِيَّة أَوْ
النَّشاطُ الجِنْسي بِأَنَّهُ هُوَ الذِي يُؤَدِّي إِمّا إِلى إِرْهاقٍ نَفْسِي وَبِالتّالِي
عُضْوي أَوْ العَكْس وَهذا لِأَنَّ الضُّغوطَ الّتي تَتَسَبَّبُ في شَدٍّ عَضَلي بِشَكْلٍ
عام, إِسْتِمْرارِها يُؤَدّي بِالتّالي إِلى مُشْكِلَةٍ عُضْوِيَّةٍ أَوْ نَفْسِيَّةٍ
صَعْبِة مِثْل الإِنْفِصامِ في الشَّخْصِيَّة.
دِراسَةُ هذَيْنِ الباحِثَيْنِ في وَقْتٍ تَشابَهَ
مِنَ النّاحِيَةِ التَّاريخِيَّةِ وَالإِجْتِماعِيَّةِ أَوْدا بِهِما إِلى نَفْسِ
النَّتيجَةِ رُغْمَ اخْتِلافِ وَسيلَةِ الدِّراسَةِ وَالبُحوث, أَلا وَهِيَ, التَّحَرُّرْ
الجِنْسي يَعْني في النِّهايَةِ تَحَرُّرِ المجُتَمَعِ وَتِلْقائِياًّ راحَتَهُ وَاسْتِقْرارِهِ
و ارْتِقائِهِ.الجِنْس حالَةٌ قَدْ تُريحُ الرُّوح مِنْ جانِب,
إِلا أَنَّ لِلرّوحِ آلافِ الحالاتِ التي تَحْتاجُها وَتَصْبوا إِلَيْها النَّفْس
وَتَطْلُبُها, وَالدَّليلُ أَنَّ هُناكَ كِثْيرٌ يُمارِسونَ حَياتِهِم الجِنْسِيَّةِ
بِانْتِظامٍ وَاسْتِمْرارِيَّةٍ بَيْدَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطيعونَ قَتْلَ الضُّغوطاتِ
النَّفْسِيَّةِ أَو أَزَماتِهِمْ الرّوحِيَّةِ وَلا يُجِدونَ السَّعادَةَ لا بَلْ
أَحْياناً كَثيرَةٍ تُؤَدّي بِهِمْ كِثْرَةُ العِلاقاتِ الجِنْسِيَّةِ إِلى نَتائِجَ عَكْسِيَّةً صًعْبَةً.إِنَّهُ مِنَ الأَجْدَرِ بِنا أَنْ نَبْحَث عَنِ
الحِسِّ الجَميلِ وَنَعيشَهُ وَلا نَبْحَثُ عَمَن يُعَلِّمَنا الحَياة, بَلْ مَنْ
يَكْتَشِفَ الحَياةَ مَعَنا.مَنْ طَوَّرَ حَياتَهُ الجِنْسِيَّةَ وَتَجاهَلَ
مُتَطَلَّباتَهُ الرّوحِيَّةَ وَقُدُراتِهِ عَلى الحُبِّ لَنْ يَجِدَ الإِسْتِقْرارَ
النَّفْسِي الكامِلِ.
لَقَدْ سَيْطَرَ الجِنْسُ عَلى العِلاقَةِ قَبْلَ
الحُبّ, حَتّى أَصْبَحَ العامِلُ المُشْتَرَك بَيْنَهُمْ مُتَجاهَل وَلا يُريدُ أَحَداً
مَعْرِفَتَه, حَتّى أَنَّ الطَّرَفَيْنِ ما عادُوا عَرِفُوا هَلْ هذا الذي يَعيشونَهُ
حُبٌّ أَمْ حالَةٌ شَبيهَةٌ سَيْطَرَتْ الرَّغْبَةُ الجِنْسِيَّةُ عَلَيْها, وَهَذا
الذي يُؤَدّي في كَثيرِ مِنَ الحالاتِ لِلْإِحْساسِ بِعَدَمِ السّعادَةِ وَالإِرْهاقْ
النَّفْسي الدّائِم, فَقَدْ كانَتْ الطَّريقَة لِلْبَحْثِ عَنِ السَّعادَةِ عُضْوِيَّةً
بَحْتَةً خاطِئَةً وَنَهْجُ السَّعادَةِ روحِيَّةً نَفْسِيّةً قَوامِها عَقيدَةً أَنا
أَدينُ وَأُذْعِنُ قَلْبي وَعَقْلي لهَا, الإِيمانُ بِقُدْسِيَّةِ الحُبّ.قالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله, بِأَنَّ
النَّفْسَ تُطْلِقُ عَلَى الذَّاتِ بِجُمْلَتَها، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ
بِما كَسَبَتْ رَهينَة﴾, وَهذا دَلِيلُ قَضِيَّةٍ لا أَنْفيها بَلْ أُأَكِّدَها وَهِيَ
إِرْتِباطِ الحالَةِ النِّفْسِيَّةِ بِالعُضْوِيَّةِ وَالعَكْس. وَتُطْلَقُ النَّفْسُ
عَلى الرُّوحِ وَحدَها، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أَيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ﴾،
أَمَّا الرُّوحُ فَلا تُطْلَقُ عَلى البَدَن، لا بِانْفِرادِهِ وَلا مَعِ النِّفْس.
فَالفَرْقُ بَيْنَ النّفْسِ وَالرُّوحِ فَرْقٌ بِالصِّفاتِ لا فَرْقٌ بِالذّات. وَلِلنَّفْسِ
صِفاتٌ يُسَيِّرُها صاحِبُها، إِمّا بِيَقينِهِ بِأَنَّ الجِنْس لَيْسَ هُوَ الطَّريقُ
الوَحيدُ لِلسَّعادَةِ فَتَطْمَئِنَّ بِاعْتِبارِ طَمْأَنينَتِها لِرَبِّها بِعُبودِيَّتِهِ
وَمَحَبَّتِهِ وَبِقُدْرَته على حِسِّهِ وَحُبِّهِ لِلأَشْياءِ مِنْ حَوْلِهِ، أَوْ تَلومَهُ لِأَنَّها حِيناً تَأْمُرَهُ بإِشْباعِ
رَغَباتِها الجِنْسِيَّةِ بِإِفْراطِ تَعَدُّدِ عِلاقاتِها, حَتّى تُودِّي بِهِ عِوَضاً
عَنِ السَّعادَةِ إِلى أَزَماتٍ قَدْ لا يَخْرُجُ مِنْها.